أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةتقارير ومقابلاتعرب ودولي

انقلاب موازين القوى.. هل تستطيع أمريكا التخلي بسهولة عن الشرق الأوسط، وما تبعات انسحابها؟

انتفض أعضاء المعسكر المحافظ في السياسة الأمريكية الخارجية ضد ما يرونه هدراً مستمراً للموارد على الالتزامات الخارجية. ورغم الاختلافات حول سحب المساعدات العسكرية الأمريكية للأكراد في الشمال السوري، فإن كلاً من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وكبار المرشحين للرئاسة عن الحزب الديمقراطي يتفقون على إنهاء «الحروب اللامتناهية»؛ وهي عبارة ترمز لتضييق نطاق جميع التدخلات الأمريكية خارج البلاد، لا سيما في منطقة الشرق الأوسط. ومع الإجهاز بشكل كامل على «تنظيم الدولة الإسلامية» وتراجع تهديد الإرهاب، يذهب البعض في واشنطن إلى أن الولايات المتحدة لم تعد تحتاج وجوداً نشطاً في المنطقة.
وفي حين يدافع بعض المفكرين ذوو العقلية الاستراتيجية، مثل أندرو باسيفيتش، عن إعادة نشر الأصول الأمريكية الموجودة في الشرق الأوسط في المحيط الهادئ، في مقابل الانسحاب الشامل الذي يقترحه نظراؤهم الانعزاليون، تظل الرسالة العامة كما هي: لم يعد هناك الكثير من القيمة في تأمين نقاط استراتيجية من الناحية الجغرافية في الشرق الأوسط، ولا يعتمد أمن الولايات المتحدة عليها.

لكن هناك وجهة نظر أمريكية أخرى
تقول مجلة Foreign Policy الأمريكية، إن هذا المنظور ربما يكون مغلوطاً. إذ بحسب وجهة نظر المجلة، فإن استقرار منطقة الخليج يفيد الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، من خلال تأمين المصلحة الاقتصادية والأمنية العالمية فيما يتصل بالإمداد المستمر للطاقة في الشرق الأوسط. وفي اتجاه موازٍ ولكن متعارض، فإن حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط تصب في صالح روسيا من حيث رفع أسعار الطاقة.
عادةً ما تتجنب الجدليات حول السياسة الخارجية الأمريكية الاستراتيجية الكبرى، أي مفهوم إطار العلاقات الدولية على مستوى عالٍ. غير أن القوى العظمى التي لا تفكر من المنظور الاستراتيجية لن تعود قوى عظمى.
ومنذ أتمت الولايات المتحدة التوحيد الوظيفي لقارة أمريكا الشمالية وترسيخ هيمنتها على أمريكا اللاتينية في نهاية القرن التاسع عشر، أصبح الهدف الجيوسياسي المركزي للولايات المتحدة هو منع أي دولة من الهيمنة على أوراسيا، وهو أمر تكفي لتفسيره نظرة واحدة على طبيعة الوضع الدولي للبلاد. وقد كان انخراطها في الحروب الدولية للقرن العشرين وفي الحرب الباردة مدفوعاً في مجمله بمنع ظهور أي دولة مهيمنة على بسط سيطرتها على أوروبا.
كما أن العنصر الاقتصادي للتنافس الذي يجري اليوم بين الولايات المتحدة والصين يأتي في مرتبة ثانوية من الهدف الاستراتيجي المتمثل في منع الصين من السيطرة على أراضي أوراسيا الشاسعة. ونظراً لأن الولايات المتحدة معزولة جغرافياً عن الموارد التقليدية للثروة في أوروبا وآسيا، فإنها اعتمدت على التجارة والنقل البحريين لتحقيق قوتها الاقتصادية، والتي تتطلب بدورها الوصول إلى أسواق خارجية؛ لن توافق أي قوة عظمى في أوراسيا على منحها.
علاوةً على ذلك، فإن وجود قوة سياسية واحدة تتحكم في سكان أوراسيا البالغ عددهم 5 ملايين نسمة يمكن أن يشكل ضغطاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً هائلاً على الدول الأصغر حجماً والأقل قوةً في إفريقيا والأمريكتين.
ولهذه الأسباب، بنت الولايات المتحدة منظومة دفاع عالمية مدعمة بشبكة أخطبوطية من القواعد العسكرية بهدف ضمان الوصول إلى أجزاء كبيرة من أوراسيا. وبالنظر إلى الوضع الجغرافي المعزول للولايات المتحدة، فإن القوة البحرية تعد أمراً أساسياً لحماية قدرة واشنطن على تحريك قواتها بين المناطق وقتما تريد، لضمان الاتصال مع حلفائها ولتقويض الخيارات المتاحة أمام أعدائها. كما تقول المجلة الأمريكية.

لماذا الشرق الأوسط؟
إن الموقع الجغرافي للشرق الأوسط بين أوروبا وشرق آسيا وإفريقيا يجعلها منطقة حيوية من الناحية الجغرافية للمصالح الأمريكية. ولم يتغير ذلك بفعل صعود الصين. فإن خطوط الاتصال والإمداد بين أوروبا وآسيا تمتد مباشرة عبر الشرق الأوسط. كما أن الاستراتيجية البحرية للولايات المتحدة تتطلب إبحار حاملات الطائرات ومجموعات القوات سريعة الانتشار والغواصات وسفن الإمداد والتموين بين القيادات القتالية، كما أن العبور من قناة السويس أكثر فاعلية بكثير من الدوران في القرن الإفريقي.
ورغم أن الولايات المتحدة خفضت اعتمادها على نفط الشرق الأوسط، وهو أمرٌ شجع بعض أنصار الانعزالية على طلب توقف الانخراط الأمريكي في شؤون الشرق الأوسط، فإن حلفاء واشنطن في أوروبا وآسيا لا يزالون بحاجة إلى وصول غير منقطع إلى موارد الطاقة بالمنطقة. كما أن شرق البحر المتوسط وقناة السويس من تجمعات شحن الحاويات الدولية. وأي تعطيل يطرأ على التجارة البحرية الإقليمية يمكن أن يكون له تداعيات عالمية فورية وبالغة الأثر.

قلب موازين القوى في المنطقة
تقول «فورين بوليسي»: كانت الإمبراطورية العثمانية آخر كيان يبسط هيمنته على إقليم الشرق الأوسط. ومنذ سقوطها لم تعلن أي دولة أو مجموعة تسلم راية الهيمنة على الإقليم. وفي حين يمكن أن يقوض توحد الشرق الأوسط في ظل أي صورة من صور الخلافة المُعاد تشكيلها مصالح الولايات المتحدة من خلال استعراض السلطة على الساحة العالمية، فإن وجود شرق أوسط منقسم يخضع لاحتكار قوة عظمى معادية للولايات المتحدة يمكن أن يكون له الأثر ذاته.
ويمكن إما لقوة إقليمية أو لسلطة إقليمية مهيمنة أن تمنع الولايات المتحدة من التواصل مع القوى والحلفاء في أوروبا وآسيا والتنسيق بينها وتعطيل النشاط الاقتصادي العالمي من خلال عرقلة عمليات الشحن الخاصة بالولايات المتحدة وحلفائها. كما أن نزع الهيمنة البحرية للولايات المتحدة من شأنه أن يقلب توازن القوة الحالية، بما سيكون له عواقب وخيمة على أوروبا وآسيا.
إن السعي خلف هذا الغطاء في القرن الحادي والعشرين ليس له إلا منافس حقيقي واحد من حيث التطلعات: ألا وهو إيران. غير أنَّ طهران لا تملك الموارد الكافية لغزو الشرق الأوسط، ومن شأن مذهبها الشيعي أن يؤجج العداوات الطائفية القديمة إذا ما فكرت إيران أن تشن حملة إمبريالية صريحة. ولهذا السبب، تتبع إيران حروب الوكالة التي تدعمها قوات عمليات خاصة تتخذ مواقع منتقاة بعناية في محاولة لإنهاك القوة السعودية والإسرائيلية.
تعد إسرائيل والسعودية أكبر تحديان يواجهان التطلعات الإيرانية، ورغم ذلك، فإنه لا إسرائيل ولا السعودية لديهم القدرة على المنافسة على الهيمنة الإقليمية. علاوةً على ذلك، فإن إسرائيل -رغم تفوقها العسكري- لا تملك القدرة على ذلك ولا الإرادة السياسية اللازمة له. أما بالنسبة لآل سعود، فربما ظنوا أنفسهم سلاسة حاكمة تشكل خلافة جديدة في مرحلة ما من التاريخ، غير أن السعودية الحديثة تخلصت من كل تلك «الضلالات». ذلك لأن الحكومة السعودية تفهم أن بقاء المملكة يتوقف على عوائد النفط، وأن أي حملة من شأنها أن تجهد الاقتصاد السعودي، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى انهيار اقتصادي أو -الأسوأ من ذلك- إلى حدوث ثورة داخل المملكة. وبالتالي فإن السعودية وإسرائيل تتخذان موقف المدافع.
تقول المجلة الأمريكية إن وجود تركيا يستطيع قلب هذا التوازن. ذلك لأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لديه «أهداف عثمانية» جديدة لا تخطئها العين، وإن كانت القوات المسلحة التركية غير مستعدة من الناحية العسكرية للمواجهة المحتملة مع إيران وروسيا. وخلال السنوات القادمة، سيظل من الصعب التنبؤ بسلوك أنقرة، كما أن الموقف السياسي الذي ستتخذه سيؤثر تأثيراً عميقاً على المشهد الاستراتيجي. ولا يزال موقفها من التوسع النووي الإيراني غير واضح، ورغم أن العملية العسكرية التركية التي تجري حالياً تضعها في خلاف مع الرئيس التركي بشار الأسد -وبالتبعية مع إيران- فإن أردوغان قادر بكل بساطة على التوقف عن التعاون مع ثنائية إسرائيل-السعودية المتعارف عليها.

روسيا والصين.. التهديد الحقيقي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط
في حين، سيتعين على الولايات المتحدة أيضاً أن تتعامل مع أكبر تهديدين جيوسياسيين أمامها، وهما روسيا والصين، وكلاهما لديه مصالح في الشرق الأوسط. ذلك لأن الصين تعتمد في الحصول على الطاقة على منطقة الشرق الأوسط، وبالتالي فهي تسعى إلى تأمين إمدادات الطاقة الخاصة بها، واستكمال القسم الأوسط في مبادرة الحزام والطريق، وتعرض الموانئ الأوروبية التي يمكن أن تعتمد عليها الولايات المتحدة في أي حرب قاريّة للخطر. إنّ أهداف الصين تهدد مصالح واشنطن في احتياج حلفائها في الناتو وفي شرق آسيا إلى الطاقة، بالإضافة إلى تهديد العلاقة الوثيقة بين الولايات المتحدة وبين القارة الأقرب لها من حيث المصالح السياسية والاقتصادية والأمنية.
إن تنامي السيطرة الصينية على البنية التحتية للبحر المتوسط والموانئ الأوروبية يمكن أن يعقد الإمدادات اللوجستية المصاحبة لأي استجابة أمريكية لما يحدث في منطقة الشرق الأوسط.
حققت روسيا تقدماً كبيراً في سبيل تحقيق أهدافها الاستراتيجية في الشرق الأوسط والمتمثلة في الحفاظ على اليد العليا في سياسة المنطقة؛ ووجود ميناء مطل على مياه خالية من الجليد طوال العام، وبوابة تؤثر من خلالها على الأحداث التي تجري فيما وراء شرق المتوسط. وليست لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أي رغبة في استعمار الشرق الأوسط على نحو يشبه غزو الإمبراطورية الروسية لوسط آسيا في القرن التاسع عشر. وبات بوسع روسيا، بعد أن حصلت على قاعدة جوية وأخرى بحرية في حميميم وطرطوس بسوريا، أن تحول تركيزها مرةً أخرى تجاه أوروبا. ومع ذلك، فإن الكرملين يفضل الوصول إلى أي ترتيب سياسي من شأنه أن يضمن بأسرع صورة ممكنة ترسيخ مكانة روسيا كأكبر قوة مهيمنة على الشرق الأوسط، حتى وإن كان هذا سيحدث شقاقاً بينه وبين حليفته إيران.

وسيظل للقوات العسكرية غير التابعة للدول دورٌ محوري في التوازن الاستراتيجي. وربما يصدق هذا على الأكراد أكثر من غيرهم، وذلك بسبب حضورهم المربك للغاية في السياسة الداخلية لتركيا والعراق وإيران وسوريا، بالإضافة إلى أن شخصيتهم العابرة لحدود الدول تعطيهم القدرة على إشعال نزاعات بين الدول. ستواصل أهمية إيران في الانحدار، نظراً لمتاعبها الاقتصادية، غير أن الفراغ السياسي الذي ساعدت في خلقه في العراق وسوريا سيظل موجوداً، ليمنح روسيا وإيران خصوصاً غطاءً دبلوماسياً لبسط نفوذهما.

الاحتمالات البديلة لملء الفراغ الأمريكي في الشرق الأوسط
تقول المجلة الأمريكية إن الخليط المتفرد من القوى السياسية في الشرق الأوسط يشير إلى ثلاثة احتمالات لما سيحدث إلى قررت الولايات المتحدة سحب قواتها البحرية من المنطقة، وجميع هذه الاحتمالات الثلاثة لا تخدم المصالح الأمريكية:

السيناريو الأول
هو أن ترعى روسيا اتفاقاً سياسياً بين تركيا وإسرائيل وإيران، أو تدعم ائتلافاً يحابي بعضها ضد بعض في محاولة لإيجاد توازن إقليمي قابل للتعامل معه للقوة يسمح لها بتحويل انتباهها إلى أوروبا مرة أخرى. ويمكن أن يعتمد الشكل النهائي لتلك الاستراتيجية على متغيرات عديدة: منهجية تركيا في التعامل مع سوريا، وموقف إسرائيل من إيران (ووكلائها)، ونتيجة الحرب السعودية في اليمن، والمسألة الكردية، واحتمالية ظهور تنظيم داعش مرةً أخرى.
وبغض النظر عن تلك العوامل، ستحاول روسيا التحكم في البحر المتوسط، وستجد الولايات المتحدة نفسها مضطرة على مواجهة هذه المحاولة؛ خاصةً إذا تمكنت الصين من إقناع شركائها الاقتصاديين في أوروبا بالحد من الوجود البحري الأمريكي في القواعد العسكرية المطلة على البحر المتوسط أو إنهائه تماماً. ولو حدث هذا، فسيكون على واشنطن أن تقاتل للعودة إلى المنطقة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

السيناريو الثاني
هو أن تهزم إيران السعودية في مواجهة إقليمية؛ وبالتالي تتبوأ مكانة الزعامة في العالم الإسلامي بما يجعلها مستحقة لأن تكون قوة عظمى. ومن شأن التحكم في صادرات الشرق الأوسط من النفط أن تمنح إيران القدرة على قهر حلفاء الولايات المتحدة في منطقة أوروبا والمحيط الهادئ والتسلط عليهم، كما ستحرم الولايات المتحدة من الوصول بشكل سلمي إلى حوض الشام. سيكون من الصعب التكهن بديناميات التوازن في مواجهة هذه القوة العظمى الجديدة، ولكن بغض النظر عن ذلك، فإن قدرة الولايات المتحدة على التحكم في البيئة الاستراتيجية ستتعطل بشكل بالغ.

السيناريو الثالث
هو حرب إقليمية طويلة المدى بين إيران والتحالف المتقلب ضدها والذي يتكون من السعودية وغيرها من دول الخليج التي تدين بالمذهب السني، إلى جانب إسرائيل، ومن شأن هذه الحرب أن تؤدي إلى إراقة الدماء على نطاق واسع. وكما تبين من الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن العشرين، فإن كلاً من إيران والسعودية سيحاول إطلاق شرارة هجوم نووي. وبالنسبة لإيران، سيؤدي هذا إلى سد الفجوة التكنولوجية الصغيرة الموجودة حالياً في اليورانيوم المخصب بشكل بسيط والوصل إلى مستوى التخصيب اللازم لتصنيع سلاح نووي.
ويمكن للسعوديين أن يدفعوا أموالاً لعلماء من دول إسلامية سنية متعاطفة معهم -مثل باكستان- أو ببساطة شراء سلاح نووي من إسلام آباد. وستؤدي زيادة التصدع والحرب في الشرق الأوسط إلى ظهور المزيد من الجماعات الجهادية، وسيكون الغرب هدفها الأول. وفي ظل غياب ضغط أمريكي يوثق به، ستتحول السعودية، وربما إسرائيل، بشكل أكبر إلى روسيا والصين باعتبارهما قوى عظمى ضامنة، ليتركوا المسؤولين الأمريكيين في حالة بائس من التمني أن يذوب جليد القطب الشمالي بسرعة تكفي للسماح التحرك عبر القارة القطبية الشمالية، مع تقليل أهمية البحر المتوسط.

هيمنة الولايات المتحدة في المنطقة على المحك والحلفاء يبحثون عن بديلها
بالتالي فإن الولايات المتحدة تحتاج إلى منهجية أكثر رسوخاً على المدى الطويل في التعامل مع الشرق الأوسط. ورغم الزيادة المتواضعة في إنفاق الولايات المتحدة على الدفاع في السنوات الأخيرة، فإن التنافس بينها وبين أقرانها، أو من يمكن أن يُعتبروا أقراناً لها، يضع هيمنة الجيش الأمريكي بشكل متزايد على المحك. وقد لفت قائد القوات الأمريكي في المحيط الهادئ فيليب إس دافيدسون في شهادة له أمام مجلس الشيوخ الأمريكي العام الماضي إلى أن الصين «تقترب من تحقيق التعادل العسكري» مع الولايات المتحدة «في عددٍ من المناطق الحيوية»، وأنه «ما من ضمان بأن الولايات المتحدة يمكن أن تنتصر في أي نزاع مستقبلي مع الصين».
تتسم قوة القوى المهيمنة بالأفول والسطوع، وتتوقف استجابة حلفائها على حالتها. ففي عام 2018، قام رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بأول زيارة لزعيم ياباني إلى الصين منذ سبع سنوات. وهناك، اتفق آبي والرئيس الصيني جين بينغ على تعزيز العلاقات الثنائية. ورغم أن بنيامين نتنياهو انتخب أول مرة ليكون رئيس وزراء لإسرائيل عام 1996، فإنه لم يزر روسيا للمرة الأولى إلا خلال فترة رئاسته الثالثة عام 2013 (ولم يكن نتنياهو رئيساً للوزراء في العقد من 1999 إلى 2009). ومنذ ذلك الحين، زار روسيا 11 مرة، بما يشير إلى أن الحلفاء المخلصين الذين كانوا يعتمدون على الولايات المتحدة لتحقيق أمنهم باتوا اليوم يستشعرون الحاجة إلى فتح قنوات للتواصل مع خصوم الولايات المتحدة.

اندثار مكانة «القوة العظمى» الأمريكية
وربما ذلك، يدفع الولايات المتحدة على أن تعيد النظر في التزاماتها العالمية، لا سيما في منطقة شرق المتوسط، بالنظر إلى اتساع نفوذ روسيا في تلك المنطقة. وقد شملت السياسات الأمنية والخارجية لإدارة دونالد ترامب العديد من النقاط: وهي تقوية العلاقات الأمريكية والإسرائيلية، وشن حملة عسكرية قوية ضد تنظيم الدولة، وفرض عقوبات اقتصادية على إيران، ورفض بيع مقاتلات F-35 لتركيا بعد شرائها منظومة الدفاع الروسية S-400.
غير أن كل هذه النقاط لا تزال مبعثرة وغير مترابطة. ومن بين الأسئلة التي لا تزال في حاجة إلى إجابة: ما هو هدف أمريكا في المنطقة؟ وهل يتسق الحضور الروسي العسكري والدبلوماسي المتنامي مع الأهداف الإقليمية للولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل ينبغي على واشنطن ألا تحرك ساكناً أمام العلاقات الآخذة في التنامي بين موسكو وأنقرة، وما العمل إذا ظهر تحالف حقيقي بين روسيا وتركيا؟ وإذا لم يكن تغيير النظام في إيران خياراً متاحاً في السياسة الأمريكية، فماذا ينبغي أن يكون الهدف؟ وهل يكفي مساعدة إسرائيل والسعودية والاكتفاء بالتمني بأن تتمكنا من التعامل مع التوترات الإقليمية التي يمكن أن تفضي إلى حرب مع إيران؟
في النهاية، سيشكل انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة وتسليم زمام المسؤولية عن تلك القضايا إلى قوة أخرى (أو مجموعة من القوى)، منح قوة مهيمنة أخرى معادية للمصالح الأمريكية فرصة للصعود. ومن شأن تغيير كهذا أن يؤدي إلى تأكيد خسارة الولايات المتحدة لمكانتها كقوة عظمى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى