أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (8): في “قضية” الأرمن”… (1-2) مَن الذي ذبحَ مَن؟!! وكيف تحولت الضحية إلى متهم والمجرم إلى ضحية؟

حامد اغبارية
قبل أيام أقر كونغرس الدم الأمريكي الاعتراف بما يسمى “مذابح الأرمن”، في خطوة دفعت إليها جهات كثيرة، من بينها الأرمن أنفسهم، وجهات صهيونية وغيرها ممن لهم مصلحة في إثارة هذه القضية في كل مرة من جديد، لأهداف واضحة ليس بينها مصلحة الأرمن ولا إنصافهم، كما يزعمون.
وقد عادت وسائل الإعلام الغربية والصهيونية إلى إثارة موضوع قضية الأرمن الأتراك، ومزاعم تعرّضهم إلى عملية إبادة منظمة في عهد الخلافة العثمانية، وتحديدا فيما يسمى أحداث 19نيسان 1915، في أوج الحرب العالمية الأولى. ولا شك أن إثارة الموضوع في كل سنة من جديد لا تقف وراءه دوافع إنسانية، كما يصورون الأمر، بل تقف خلفه أهداف وأجندات سياسية، تهدف إلى إضعاف الدولة التركية التي قطعت في العقدين الأخيرين أشواطا كبيرة في مسيرة الانعتاق من تبعات الأتاتوركية ومن التبعية والدونية التي قيدت تركيا باتفاقية لوزان الثانية طوال قرن من الزمن. وواضح أن العداء بين تركيا وبين دول عدة أسبابه فشل تلك الدول من إطباق الخناق على تركيا التي أفلتت من قيودها أو كادت، وحققت تنمية اقتصادية وصعودا سياسيا صاروخيا، على المستويين الداخلي والخارجي، وأصبحت واحدة من أقوى 16 اقتصادا حول العالم، فلم يعد في إمكان المحفل الماسوني بأعضائه الأميركيين والأوروبيين والصهاينة وأنظمة العار العربية أن يمنع دخول تركيا مرحلة الانعتاق التام من التبعية الاقتصادية والعسكرية، ناهيك عن التبعية الفكرية التي هي في حقيقة الأمر مناط كل شيء.
فما هي حقيقة هذا الملف؟ وهل كانت هناك مذابح ممنهجة من قبل الأتراك العثمانيين ضد الأرمن؟ أم أن المسألة تختلف اختلافا كليا عن “التاريخ” الذي يكتبه الأقوياء؟
يستند هذا المقال في الأساس على كتاب “مذابح الأرمن ضد الأتراك في الوثائق العثمانية والروسية والأمريكية” للدكتور أحمد عبد الوهاب الشرقاوي، والذي يقدم للقارئ نحو 90 وثيقة عثمانية وتقريرين عسكريين روسيين وتقريرا للجنة برلمانية أميركية، كلها تتحدث عن الفترة الواقعة بين 1914 و1922.
تؤكد الوثائق التي تتضمن شهادات حية من شهود عيان أن ما حدث لم يكن مذابح ممنهجة ارتكبها الأتراك ضد الأرمن، بل إن وثائق الحرب العالمية الأولى تؤكد العكس تماما، وتتحدث عن مذابح ممنهجة ارتكبها الأرمن، الذين شكلوا عصابات دموية بدعم روسي واضح وفاضح، ارتكبت من الفظائع ضد المدنيين الأتراك، نساء وأطفالا وشيوخا وأفرادا مدنيين ما تقشعر منه الأبدان. وقد أحصت الوثائق المشار إليها أكثر من نصف مليون ضحية من المسلمين الأتراك على أيدي المليشيات الأرمنية الدموية، وجميع هؤلاء الضحايا كانوا من المدنيين ولم يكن بينهم جنود أو عسكريون. بل إن الوثائق تشير إلى أن عدد المسلمين الذين ذبحهم الأرمن أكبر بكثير من العدد المذكور، إلا أن الوثائق لم تتمكن من إحصائهم لغياب الشهادات الحية، وذلك لأن عصابات الأرمن أبادت قرى تركية مسلمة بأكملها ولم ينجُ منها من يقدم شهادة، وفي كثير من القرى جرى التخلص من الجثث بإلقائها في قنوات الصرف الصحي والآبار، أو بإحراقها تماما أو هدم البيوت عليها وتركها تحت الأنقاض، أو دفنها في مقابر جماعية.
كانت الدولة العثمانية في تلك الفترة في حالة من الضعف والتراجع، الأمر الذي مكّن روسيا من احتلال مناطق في شرق البلاد حيث الأغلبية الأرمنية، وتمكنت أوروبا من التدخل بشكل سافر في الأراضي العثمانية، الأمر الذي رفع مستوى التعصب الديني الذي تؤزّه روسيا وأوروبا أزّا بهدف تفتيت الدولة العثمانية والسيطرة على مقدراتها، سعيا إلى إسقاط الخلافة التي كانت هدفهم الرئيس.
في إحدى الوثائق وردت شهادة من طالب طب روسي وممرضة روسية كانت تعمل في الصليب الأحمر الدولي، أكدا فيها أن الأرمن كانوا يرتكبون أعمال العنف بشراسة ضد المسلمين الأتراك من المدنيين وخاصة النساء والأطفال. وتروي الممرضة أن أحد قادة العصابات الأرمنية كان ينسق جرائمه مع قائد أرمني يدعى “أنترانيك” وقد ارتكبا سوية جرائم ذبح مئات الأطفال الأتراك المسلمين، ومنهم على سبيل المثال ذبح مجموعة من الأطفال كانوا في ملجأ للأيتام، إضافة إلى ذبح الأسرى الأتراك، واغتصاب النساء والفتيات المسلمات. بل إن أحد الضباط الروس كتب في تقريره الميداني أنه على الرغم من المصلحة المشتركة بين روسيا وبين الأرمن ضد الأتراك، إلا أن التصرفات الشاذة وغير الإنسانية للأرمن ضد الأهالي الأتراك المسلمين استفزته. ويؤكد أحد الضباط الروس في شهادته أن الثورة البلشفية عام 1917سببت فوضى في نظام الانضباط في الجيش الروسي، الأمر الذي فتح المجال أمام العصابات الأرمنية التي كانت تتلقى الأوامر من ضباط الجيش القيصري، فعاثت في القرى المسلمة فسادا وذبحا ونهبا وسلبا. وقد قتلت العصابات الأرمنية أعدادا ضخمة من الأتراك المسلمين بدم بارد.
في سنة 1919 قرر الكونغرس الأمريكي (الذي يأتي اليوم ويقر بمذابح الأرمن) تفويض لجنة أمريكية (لجنة نايلز- سزرلاند) للتحقيق في أوضاع المنطقة الشرقية في الامبراطورية العثمانية على أثر الحرب العالمية الأولى، وذلك بهدف تحديد نوع المساعدات التي يمكن تقديمها عن طريق اللجنة الأمريكية للإغاثة في الشرق الأدنى. ويروي واضعا التقرير الفظائع التي اطلعا عليها أثناء مرورهما في تلك المنطقة، ومما جاء في التقرير: “هذه المنطقة شهدت قتالا بين الروس وحلفائهم الأرمن وبين الأتراك، وجرت أعمال سلب ونهب ومذابح، ترتب عليها دمار شامل خاصة في منطقتي “بتليس” و”فان” اللتين دمر تسعة أعشارهما، علما أن سكان تلك المنطقة غالبيتهم من المسلمين. وعلمنا أن الدمار نفذه الأرمن، إذ احتل الجيش الروسي المنطقة ثم انسحب منها، وما لبث الأرمن أن ارتكبوا جرائم القتل والاغتصاب والحرق، وارتكبوا الفظائع الرهيبة بحق المسلمين”. هذا في الوقت الذي يؤكد التقرير الأمريكي أن بيوت وممتلكات وكنائس الأرمن لم تصب بسوء، في حين أن ممتلكات المسلمين ومنازلهم دمرت تدميرا كاملا. ويضيف التقرير الأمريكي أن هذا المشهد تكرر في منطقة أرضروم، التي يسكنها أتراك وأكراد مسلمون، حيث أن الأرمن قبل انسحابهم من تلك المنطقة دمروا قرى كاملة وارتكبوا مذابح وفظائع ضد السكان المسلمين. وقد أكد التقرير حقيقة الأمر بشهادة أحد الضباط البريطانيين الذي كان يخدم في تلك المنطقة.. ويختم التقرير الأمريكي بالقول إنه على الرغم من أن تسجيل هذه الأحداث لم يكن مهمته الرئيسية إلا أن اللجنة لم تستطع تجاوز الأمر والتغاضي عنه، مؤكدة أن الأرمن ذبحوا المسلمين على نطاق واسع بقسوة متناهية وبوحشية، ولذلك فإن الأرمن مسؤولون عن الدمار الذي وقع في تلك المدن والقرى التركية المسلمة. وأضاف أن الثورة البلشفية عام 1917 حَلّت الجيش الروسي القيصري، الذي ترك الأرمن يعيثون فسادا في المنطقة، فذبحوا وقتلوا واغتصبوا المدنيين، وعندما تمكن الجيش التركي من تحطيم الجيش الأرمني، تحول الجنود الأرمن إلى آلة قتل وتدمير وطالت جرائمهم أملاك المسلمين وأرواحهم الأمر الذي أدى إلى تدمير بلاد بأكملها.
يقول المؤرخ الأمريكي “جاستن ماكرثي” في كتابه “الطرد والإبادة مصير المسلمين العثمانيين”: (لم يذكر أحدٌ هجمات الأرمن على المسلمين، ولم يأخذها بالحسبان إلا نادرا، أما هجمات المسلمين على الأرمن فهي التي حظيت بالاهتمام والإبراز. وقد كان من السهل على المعلقين أن يصوروا المسلمين على أنهم متوحشون يحتاجون بين الحين والآخر إلى قتل المسيحيين، بينما الحقيقة أن الأرمن هاجموا المسلمين، وفي أغلب الأحيان دون استفزاز واضح أو مبرر مباشر”. (يتبع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى