أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ماذا أرادت الأذرع الإسرائيلية من وراء تشويه شهادة الشيخ رائد صلاح

د. أنس سليمان أحمد
اجتهدت في المقالة السابقة أن أبيّن كيف التقت هذه الأذرع الإسرائيلية (المخابرات والمحققون والنيابة والقضاء) على تشويه شهادة الشيخ رائد صلاح بداية مما كان قد أدلى به في مكتب التحقيق في مركز (لاهف 433) ووصولاً إلى شهادته المطولة التي أدلى بها على مسمع القاضي (بينجو) في محكمة الصلح في حيفا، واجتهدت أن أبيّن في المقالة السابقة الأساليب الفاحشة التي لجأت إليها تلك الأذرع الإسرائيلية لتشويه تلك الشهادة الحجة الدامغة، ويبقى السؤال: ماذا أرادت هذه الأذرع الإسرائيلية من وراء تشويه تلك الشهادة الحجة الدامغة؟! سيما أنه كانت واضحا لكل عاقل أن مقصود هذه الأذرع الإسرائيلية لا يقف عند حد الزج بالشيخ رائد صلاح في السجن لبضع سنين، وجواباً على هذا السؤال الذي يحتاج إلى دراسة معمقة وإلى أكثر من بحث والذي قد يحتاج أكثر من كتاب حتى نحيط بكل شاردة وواردة فيه، جواباً عليه اكتفي مؤقتاً بهذه العناوين الموجزة، مذكراً أن هذه العناوين ما هي إلا مدخل نحو كتابة الجواب المفصل بإسهاب بحثي وموضوعي، وأنا على يقين أن الشرفاء من باحثينا سيعطون هذا الموضوع حقه اليوم أو غدا أو في قادمات الأيام:
أرادت هذه الأذرع الإسرائيلية مصادرة القرآن والسنة وفرض مفهومهما الضال المضلل على آيات القرآن ومصطلحاته، وعلى الأحاديث النبوية ومصطلحاتها، وهكذا أعطت لنفسها شرعية تفسير القرآن وشرح السنة وفق هواها، ووفق ما يخدم حساباتها السياسية والأمنية والإعلامية محلياً وعالمياً، وتجاهلت تجاهلاً مقصوداً ومطلقاً كل ما كتب المفسرون المسلمون المتقدمون والمتأخرون عن القرآن الكريم، وكل ما كتب علماء أصول الفقه والفقه الإسلامي المتقدمون والمتأخرون عن السنة النبوية، وتجاهلت تجاهلاً لئيماً قبيحاً إجماع مجتهدي المسلمين أن هناك شروطاً ثقيلة لمن يجوز له تفسير القرآن وشرح السنة، وبذلك قدّمت سفاهات رافي وشيرلي والشاهد (م) وسائر شهود النيابة على علماء التفسير أمثال القرطبي والطبري وابن كثير وسيد قطب، وعلى فقهاء المسلمين المجتهدين أمثال مالك والشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل!! وأرادت هذه الأذرع الإسرائيلية في نهاية المطاف أن تقول: الإسلام هو كما أفهمه أنا، وكما أفرضه أنا، وكما أحكم به أنا، وليس كما يقوله علماء المسلمين المتقدمين والمتأخرين. وكي تشرعن هذه الأذرع الإسلامية لنفسها خطف الإسلام وخطف القرآن ومصطلحاته وخطف السنة ومصطلحاتها فقد تغطت بما يُسمى بالقضاء، ووجدت بالقاض (بينجو) هو المناسب وفق حساباتها الذي غسل على أيديها وقونن لها كل مفاهيمها الهادفة إلى تشويه وتجريم القرآن ومصطلحاته والسنة ومصطلحاتها.
هكذا أعفى القاضي (بينجو) كل الساسة الإسرائيليين من مواصلة مهاجمة الإسلام والمسلمين بدوافع سياسية كيدية صهيونية، وحيث وفّر لهم القاضي (بينجو) الغطاء القانوني لمواصلة هذا الهجوم باسم القانون وبإسم الاستشهاد بالقضاء، وباسم ما حكم به القاضي (بينجو) الذي أصدر حكمه القضائي في ” ملف الثوابت” والذي كان فيه الشيخ رائد صلاح هو المتهم الوحيد ظاهراً!! لأن من وراء اتهامه وإدانته كان مقصود تلك الأذرع الإسرائيلية هو اتهام وإدانة الإسلام والقرآن والسنة والثوابت الإسلامية العروبية الفلسطينية!
وهكذا بات من السهل بعد أن نطق القاضي (بينجو) بحكمه في “ملف الثوابت” أن تعتقل الأذرع الإسرائيلية من تشاء منا بادعاء أنه يدعم منظمة إرهابية أو يحرض على العنف والإرهاب، استنادا إلى ما حكم به القاض (بينجو)!!
وهكذا قامت هذه الأذرع الإسرائيلية بتجريم مصطلح “الشهيد” و ” الشهادة” وبات من السهل عليها أن تعتقل كل من يردد كلمة ” شهيد” أو ” شهادة” على لسانه، ثم أن تحاكمه، ثم أن تزج به في السجن، حتى بات من السهل عليها أن تعتقل من يدعو الله تعالى قائلاً: اللهم أحينا سعداء وأمتنا شهداء!! إستناداً إلى ما حكم به القاض (بينجو) الذي أعطى لنفسه – باطلاً-الحق في تفسير القرآن وشرح الأحاديث النبوية مقدماً نفسه على علماء الصحابة والتابعين وأتباع التابعين رضي الله عنهم، وعلى علماء السلف والخلف رحمهم الله تعالى، وعلى الأزهر الشريف وعلى كل مجامع الفقه الإسلامي!!
وهكذا قامت هذه الأذرع الإسرائيلية بتجريم مصطلح ” الرباط” وبتجريم عبادة ” الرباط” وبات من السهل عليها أن تعتقل من تشاء بإدعاء أنه مرابط أو بإدعاء أنها مرابطة، وبات من السهل عليها أن تحكم على كل إثنين فصاعداً في المسجد الأقصى أنهما قد أقاما تنظيماً محظورا غير قانوني إسمه “المرابطون”!! أو تحكم على إثنين فصاعداً في المسجد الأقصى أنهما قد أقامتا تنظيماً محظوراً غير قانوني إسمه “المرابطات”!! إستناداً إلى ما حكم به القاضي (بينجو).
وهكذا جرّمت هذه الأذرع الإسرائيلية عبادة “الرباط” كما لو أنها جرّمت عبادة الصلاة والصوم والزكاة والحج إستناداً إلى ما حكم به القاضي (بينجو)!! وهكذا بات من السهل عليها منع الرباط في المسجد الأقصى!! أي تفريغ المسجد الأقصى من العُبّاد المرابطين ومن العابدات المرابطات!! أي تفريغ المسجد الأقصى بالمطلق من أبناء مجتمعنا الذين لا يزالون يشدّون الرحال إليه يومياً!! واستنادا إلى ما حكم به القاضي (بينجو) بات من السهل على هذه الأذرع الإسرائيلية أن تمنع من تشاء من دخول المسجد الأقصى!! سواء كنا واحداً أو عشرة أو ألفاً أو مائة ألف!! ولأننا في زمن “العلو الإسرائيلي” فلا أستبعد على هذه الأذرع الإسرائيلية أن تجرّم عبادة ” الصلاة” وأن تخترع من رأسها تنظيماً محظوراً اسمه “المصلون والمصليات”!! أو تجرّم عبادة ” الصوم” أو عبادة ” الحج” أو عبادة ” الزكاة”!! وأن تخترع من رأسها تنظيما محظوراً إسمه “الصائمون والصائمات” أو “الحجاج والحاجات” أو “المزكون والمزكيات” بغية القضاء على هويتنا وعلى أركان إيماننا وإسلامنا ودفعنا نحو الأسرلة بلغة التهديد والوعيد !! .
وهكذا حوّلت هذه الأذرع الإسرائيلية الآلاف من المرابطين في المسجد الأقصى يومياً أو مئات الآلاف من المرابطين في المسجد الأقصى كل يوم جمعة وفي شهر رمضان إلى جماعة متوحشة مؤذية وخطيرة، وفي المقابل حوّلت الأذرع الإسرائيلية من باتوا يقتحمون الأقصى يومياً إلى ضحية مطاردة ومسكينة تعاني من أذى واعتداءات هذه الجماعة المتوحشة المؤذية والخطيرة من مئات الآلاف منا لا يزالون يرابطون كل عام أو كل شهر أو كل أسبوع أو كل يوم في المسجد الأقصى!! إستناداً إلى ما حكم به القاضي (بينجو)!! وهو أخطر قلب للحقائق لنكبة فلسطين بعامة ولنكبة القدس والمسجد الأقصى المباركين بخاصة!
وهكذا باتت هذه الأذرع الإسرائيلية تشرعن لنفسها استخدام لغة إطلاق الرصاص والقنابل الصوتية والمسيلة للدموع على المرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى، ولغة ضربهم وركلهم وخلع حجاب المرابطات، ولغة إلحاق الجراح وإسالة دمائهم، ولغة طردهم وإبعادهم واعتقالهم إستناداً إلى ما حكم به القاضي (بينجو)!! وفي المقابل باتت هذه الأذرع الإسرائيلية تشرعن لنفسها توفير الحماية لسوائب الإسرائيليين الذين باتوا يقتحمون المسجد الأقصى يومياً، وباتوا يؤدون صلواتهم التلمودية فيه استنادا إلى ما حكم به القاض (بينجو) حيث أنه جرّم في حكمه حق المسلمين السلمي بالدفاع عن المسجد الأقصى المبارك!! وغضّ الطرف عن كل جرائم الاحتلال الإسرائيلي في المسجد الأقصى المبارك!
وهكذا بات من السهل على هذه الأذرع الإسرائيلية أن يواصل ساستها وصف المرابطين والمرابطات بالإرهابيين والإرهابيات، ثم إستناداً إلى ذلك وصف “الإسلام” بالإرهاب الإسلامي وإشاعة ذلك في الإعلام المحلي والعالمي، وبثّه في الأروقة الدبلوماسية وفي أروقة البرلمانات على صعيد أوروبا وأمريكا وروسيا والصين واليابان، ثم إدخاله إلى أروقة القضاء والمحاكم على صعيد عالمي ليسهل بذلك مطاردة الجاليات المسلمة والعربية والفلسطينية!! إستناداً إلى ما حكم به القاضي (بينجو).
ثم استنادا إلى ما حكم به القاضي (بينجو) بات كل من يردد منا هتاف “بالروح بالدم نفديك يا أقصى” مطارداً من قبل هذه الأذرع الإسرائيلية وبات من السهل عليها دمغه بالتحريض على العنف والإرهاب بالإضافة إلى اعتقاله ومحاكمته ثم الزج به في السجن!
ولأن القاضي (بينجو) جرّم في حكمه هتاف “بالروح بالدم نفديك يا شهيد”!! وهتاف “يا شهيد إرتاح إرتاح إحنا بنكمل كفاح”!! فهذا يعني أنه جرّم قسطاً كبيراً من فلكلورنا الفلسطيني، وبات محظوراً علينا – وفق حكم القاضي بينجو – ترداد هذه الهتافات أو ما شابهها في المظاهرات والاعتصامات والمهرجانات والأعراس والأناشيد والأغاني الوطنية والأهازيج، كأن يردد البعض: “بالروح بالدم نفديك يا أراضينا” أو أن يردد: “دم الشهيد ينادي حرة يا أرض بلادي” أو أن يردد “الموت ولا الذلية” أو أن يردد “لا تعد الخيل عدّ رجالها” أو أن يردد “ما بحمي الدار إلا رجالها” أو أن يردد: “يا غانتس ويا يعلون هذا وطنا وإحنا هون” أو أن يردد: “إشكنازي ويا لبيد لا نقبل عيش العبيد” أو أن يردد: “باب الأقصى من حديد مفتاحه دم الشهيد” أو أن يردد: “هذا الأقصى أقصانا ما إلكم هيكل عنا” أو أن يردد غيرها من آلاف الهتافات الفلكلورية التراثية التي رُددت منذ عقود وعقود، والتي رددها أطفالنا وشبابنا وأمهاتنا وكبارنا في مواسم الحصاد وقطف الزيتون وفي أفراح أعراسهم وأحزان جنائزهم ومحطات همومهم!! لذلك إن تجريم كل هذه الهتافات يعني تجريم قطاع واسع من تاريخنا ومن ثقافتنا الشعبية وتراثنا!! ويعني تجريم هويتنا، وتفريغ ذاتنا وتفكيك رباطنا الجمعي وتحويلنا إلى تجمع أفراد ممزقين متناقضين وعندها ما أسهل على الأذرع الإسرائيلية اختراقنا وجرّنا إلى لعبة الكنيست واستدراجنا للذوبان في لعبة الائتلاف والمعارضة الذي تمارسه الأحزاب الصهيونية الإسرائيلية فيما بينها!!
قام القاضي (بينجو) في سياق الحكم الذي أصدره بتجريم مقطوعات ومصطلحات من كتابات الشيخ رائد صلاح ومن خطاباته وأعطى لنفسه أن يكون مرجعاً للغة العربية وهو ليس كذلك، وأعطى لنفسه الحق بترجيح تفسيرات شهود النيابة لأقوال الشيخ رائد صلاح على تفسيرات الشيخ رائد صلاح لتلك الأقوال علماً أن القاضي (بينجو) لا يجوز له ذلك لأنه لا يملك المقومات العلمية لذلك، وهكذا خطفت الأذرع الإسرائيلية اللغة العربية إلى جانب خطفها للقرآن والسنة والثوابت والثقافة الفلسطينية والفلكلور الفلسطيني، وهكذا بات من السهل على هذه الأذرع الإسرائيلية إستناداً إلى ما حكم به القاضي (بينجو) أن تعتقل أي شاعر أو أديب أو خطيب أو محاضر أو إعلامي، وأن تفرض على أقواله المعنى الذي تختاره هي، ثم أن تحاكمه وأن تدمغه بالإرهاب وترجّ به في السجن!!
بناءً على ما تقدّم أقول باختصار سيكون حالنا بعد أن إصدار القاضي (بينجو) حكمه على الشيخ رائد صلاح، غير ما كان قبل إصدار ذاك الحكم، لذلك أقول وبيقين لا بد لنا أن نستعدّ لأيام صعبة، ستُحصى فيها علينا أنفاسنا، وقد نحاكم فيها على ما نرى في أحلامنا ونحن نيام، ومع ذلك الثبات والصمود والرباط!!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى