أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

معركة الوعي (7).. لأي شيء كل هذا “الاندلاق”؟!

حامد اغبارية
نحن على إعتاب الانتخابات الثالثة الكنيست الصهيوني، خلال أقل من سنة، بعد فشل كل محاولات تشكيل الحكومة الإسرائيلية القادمة.
وفي الحقيقة لا تهمني شخصيا الأسباب التي عطلت تشكيل الحكومة، لأنه أساسا لا تهمني الحكومة ولا من سيشكلها، ولا من سيكون رئيسها، ذلك أنني، كواحد من أبناء هذا الشعب، أشرب من كأس القمع والظلم وكبت الحرية والملاحقة السياسية والأمنية والاضطهاد السياسي والديني، الذي سقتنا وتسقينا منه جميع حكومات المؤسسة الإسرائيلية بلا استثناء، منذ نكبة شعبنا الفلسطيني عام 1948 ولغاية هذه اللحظة. وغاية ما يمكنني قوله في هذه النقطة إن المؤسسة الإسرائيلية دخلت، منذ انتخابات نيسان الماضي، مرحلة مفصلية في تاريخها تحمل إشارات على الانهيار التدريجي، وهو انهيار نهايته معروفة. ولديّ قناعة أن هذه المؤسسة لن تعود كما كانت، ولن تستطيع بعد اليوم لملمة شعثها وضبط بوصلتها. إنها أقرب ما تكون إلى مقدمات الإصابة بالنوبة القلبية القاتلة. وقد تطول هذه المقدمات وقد تقصُر، ولكن مهما طالت، فإنها لن تطول كثيرا.
ومع ذلك يبدو أن القائمة المشتركة، ورغم كل الإهانات التي لحقت بها أثناء لعبة الكراسي العبثية المسماة مفاوضات الائتلاف، لديها أجندة مختلفة؛ هي في الحقيقة أجندة غريبة عن قيم شعبنا وأهدافه، بل هي غريبة أيضا عن أجندتها التي حملتها لجمهورها في انتخابات عام 2015، وتلك التي حملَتْها قائمتا انتخابات نيسان الماضي. فما الذي حدث ويحدث في كواليس المشتركة؟ هل هناك أمور يُفترض أن يعلمها جمهور الناخبين الذي صوت للمشتركة، والذي تقول إنها تمثله وتسعى إلى تحقيق أهدافه وطموحاته وحل مشاكله وأزماته، لكنها تخفيها عنه؟ هذا ليس سؤالا استفزازيا، ولا سؤالا للمماحكة السياسية، بل هو سؤال يُفترض أن يسأله كل مواطن فلسطيني في هذا الوطن، خاصة بعد كل الذي رأيناه وتابعناه من نهج المشتركة منذ ظهور نتائج انتخابات أيلول الماضي (الأخيرة) وحتى الآن. ومن حق كل مواطن فلسطيني في هذا الوطن المقهور أن يشكَّ في أن هناك ما يجري في الكواليس المعتمة. فقد استماتت المشتركة كي تكون جزءا من اللعبة السياسية، لا أقول الإسرائيلية بل الصهيونية. وواصلت ذات النهج رغم كل الصفعات المهينة التي تلقتها من كافة الأحزاب الصهيونية، وعلى رأسها بالذات حزب “كحول لفان” برئاسة غانتس، ذلك الحزب الذي بنَتْ (وتبني) المشتركة عليه أحلامها، عفوا! أوهامها.
إن على الجمهور الفلسطيني في الداخل أن يعي ويدرك ويستوعب أنه لم يكن أكثر من أداة، ولم يكن إلا مخزون أصوات، وأنه تعرض ويتعرض لعملية غسيل دماغ. ويدل على ذلك أنه لا يصبح (أي الجمهور) ذا شأن وأهمية، ولا “يتصدر ” المشهد إلا أثناء الحملات الانتخابية، ثم لا يلتفت إليه أحد، لا حكومة ولا أحزاب، لا عربية ولا غير عربية ولا يحزنون.
والسؤال: إلى أين تريد القائمة المشتركة أن تصل؟ بل إلى أين تريد أن توصل هذا المجتمع؟ يبدو لي، مما يمكن أن تقرأه في نهج وسياسة المشتركة بكافة مركباتها، أنها ذاهبة إلى الأسرلة التامة، وإلى الذوبان في أتون السياسة الصهيونية، متخلية بذلك عما تبقى لها من بقايا هويتها، ظنًّا منها أنها بذلك ربما ستنجح في تحصيل ما تتوهم من إنجازات لم يتحقق منها شيء على مدار سبعة عقود.
وإن مما يلفت الانتباه أنه رغم اجتماع الأضداد في القائمة، ورغم أن الأحزاب الأربعة تحمل أجندات وإيديولوجيات مختلفة، تكاد تكون في أغلبها متصادمة فيما بينها، إلا أن الخطاب الذي يصدر عن قياداتها، الممثلين في الكنيست الصهيوني، هو في الحقيقة خطاب الجبهة المبني أساسا على إيديولوجية الحزب الشيوعي القائمة على الاندماج التام في المجتمع الإسرائيلي والتسليم بأدوات اللعبة السياسية الصهيونية، واستخدام تلك الأدوات في أدائها السياسي. وهذا يعني أن المشتركة لا تملك خطابا خاصا بها يميزها، ويُظهرها على أنها تمثل جمهورا مختلفا، له قضايا مختلفة مغايرة، وهوية مختلفة وانتماء مختلف. ومعنى هذا أيضا أن المشتركة تريد- وبكل قوة- أن تصبح جزءا من اللعبة السياسية الصهيونية، ليس لأن هذه اللعبة فُرضت عليها رغم أنفها، بل لأنها هي التي اختارت لنفسها هذا النهج. وفي الحقيقة هذا توجه خطير ستكون له تبعات وآثار وتداعيات خطيرة، سيدركها الجمهور في لحظة ما، ولكنه سيدركها للأسف بعد فوات الأون، إلا إذا استوعب الآن، قبل الانتخابات القادمة في آذار، واتخذ قرارا مختلفا بخصوص المشاركة في تلك الانتخابات، التي ستكون نتائجها أسوأ بكثير من سابقتها، وستكون سببا في مزيد من القهر والتضييق والتراجع على كافة المستويات، ومزيد من انحدار نهج المشتركة أكثر وأكثر نحو هاوية الملعب السياسي الصهيوني، والتي فيما يبدو لي، أنها لن تكون قادرة بعد الآن على التراجع والعودة، على الأقل، إلى المربع الذي وقفت فيه في انتخابات 2015. وهذا ليس مدحا لمواقفها في تشكيلتها السابقة، وإنما هي للمقارنة فقط.
ولعلنا جميعا نتذكر كيف أن قيادات مشتركة 2015 كان بعضها يثور ويصدر بيانات ويعلق بغضب على تصريحات تصدر عن رئيسها أيمن عودة على سبيل المثال، والتي كان يعبر فيها عن نهجه الحزبي في الاندماج والأسرلة. ولكن حتى هذه الأصوات الاحتجاجية داخل المشتركة خفتت واختفت ولم نعد نسمع لها همسا ولا ركزا. وهذا بحد ذاته يحمل في طياته أشياء كثيرة، أقلّها رضا جميع مركبات المشتركة عن هذا النهج. أما ما يجري خلف الكواليس فهو كثير وخطير. ومن مخاطره ازدواجية الخطاب، بحيث تخاطب من تزعم أنه “جمهورنا الذي نمثله” بلغة ومصطلحات نارية تدغدغ مشاعره، وتخاطب المستمع الإسرائيلي الصهيوني بمصطلحات الانكسار التي وصلت حد الاستجداء، والتي يعبر عنها نهج الأسرلة والاندماج اللاواعي. هكذا يبدو لي الأمر على الأقل من وجهة نظري.
وحتى نقرّب الصورة أكثر أضرب مثالا واحدا من الأيام الأخيرة.
على صفحته على فيسبوك نشر أحد قيادات المشتركة من أعضاء الكنيست الصهيوني فقرة يقدم فيها لفيديو يحمل كلمةً له من دقيقة واحدة ألقاها في الكنيست الصهيوني حول الانتخابات القادمة، حيث تجد التناقض الغريب بين ما قاله وهو يقدم للفيديو وبين ما يقوله في الفيديو.
فهو يتساءل في تدوينته قائلا: هل سنتمكن من اختراق الحواجز العنصرية والفاشية ونمضي لتحقيق حقوقنا ومطالبنا؟ جمهور ناخبينا … يريدنا أن نتحدى السقف وأن نفرض أنفسنا في المعادلة وألا نعفي الآخر الإسرائيلي من مسؤوليته السياسية والأخلاقية عن أوضاع قرانا ومدننا وأهلنا، ومن سؤال الاحتلال والحصار لشعبنا.
هذا تقريبا نص ما كتبه على صفحته كمقدمة للفيديو. وقبل أن أناقش ما جاء في الفيديو، لعله من المهم أن نسأل المشتركة، بمن فيها عضو الكنيست المشار إليه: ما المقصود بفرض أنفسكم في المعادلة؟ هل المقصود أن تكونوا جزءا (أصيلا) من اللعبة السياسية الصهيونية، كما هو ظاهر لنا؟ وما هي المعادلة؟ هل هي معادلة تشكيل الحكومة؟ أم هي معادلة صياغة سياسة هذه الحكومة (القادمة)؟ وهل تظنون فعلا أنكم يمكن في يوم من الأيام أن تكونوا جزء فعليا من تلك المعادلة؟ هل تعتقدون أنكم يمكن أن تنجحوا في إقناع “الآخر الإسرائيلي” بالقبول بكم في ملعبه، وفي صياغة أجندته التي هي أصلا مبنية على إلغائكم ورفض التعاطي معكم، اللهمّ إلا من كونكم في نظرهم جزءاً من خطأ تاريخي ارتكبته الحركة الصهيونية، وقد حان الوقت لتصحيحه، كما يقولون هم؟ ثم إنك تتحدث عن اختراق العنصرية والفاشية في التدوينة وهو ما لم تتطرق إليه في الفيديو، الذي يبدو كنوع من الغزل السياسي!!! فهل “محاربة العنصرية والفاشية” هي مجرد مصطلحات ندغدغ بها مشاعر الجمهور المسكين، الذي يعلم في قرارة نفسه، بل بات في أغلبه على قناعة أن ملعب الكنيست ليس هو الطريق إلى اختراق العنصرية والفاشية المتغلغلة عميقا في ثنايا العقلية الصهيونية على جميع توجهاتها وتياراتها.
في كلمته في الفيديو يبدو عضو الكنيست عن المشتركة شديد الحرص على خزينة المؤسسة الإسرائيلية وهو يقول إن الانتخابات الثالثة ستسبب خسارة المليارات لاقتصاد البلاد. وهذا في حقيقة الأمر مدهش لغاية. فأن تكون حريصا على “اقتصاد الدولة” التي تقهرك على مدار الساعة، يحمل مؤشرات تدلل على النهج الجديد، أو قل التجديدي في الخطاب!! فلا يقول هذا إلا من يعتبر نفسه جزءا من المؤسسة الحاكمة. أنا على الأقل أفهم الأمور بهذا الشكل. ربما أن عضو الكنيست لم يقصد هذا، وإنما كان يقصد إقناع زملائه بعدم جدوى خوض انتخابات ثالثة، والقبول بالمشتركة كشريك في مفاوضات الائتلاف. ولكن في الحالتين فإن الأمر خطير. بل إن تقديم المشتركة نفسها كشريك ائتلافي هو الأخطر، لأنه انحدار في هاوية السياسة الصهيونية. ويؤكد ذلك إشارته إلى حملة نتنياهو “ضد أي نوع من الشراكة السياسية المدنية مع القائمة المشتركة”، يقول هذا وهو يعرض المشتركة على أنها كان يمكن أن تكون المنقذ الوحيد للمؤسسة الإسرائيلية من أزمتها المستمرة “مما يسمح بتشكيل حكومة طبيعية لجميع مواطني الدولة…” . فهل تحولت المشتركة إلى طاقم إنقاذ يمنع انهيار السياسة الإسرائيلية؟ هل هذا هو ما يريده جمهور المشتركة؟ أن تتحول القائمة إلى طوق نجاة تتعلق به المؤسسة الإسرائيلية لتنجو من الغرق؟
وهل كانت الحكومات الإسرائيلية السابقة (بما فيها حكومات نتنياهو) طبيعية ولجميع مواطني الدولة؟؟ أنا أقرأ في هذا الخطاب توجها شديد الخطورة!!
ثم يريد عضو الكنيست أن تكون المشتركة جزءا مهما من النظام السياسي، وليس مجرد ديكور ديمقراطي!! هل تدركون معنى هذا الكلام وخطورته؟ ماذا يعني مصطلح “النظام السياسي”؟ أليس هو الحكومة التي تنفذ سياسات دولتها؟ أهذا ما يريده جمهور المشتركة؟ أن يكون جزءا من مصممي السياسة التي تسدُّ عليه كل مُتنفّس، وتذبح شعبه صباح مساء، وتخطط في أروقة الموساد والشاباك والمخابرات العسكرية كيف تفتك بالأمة كلها، وتضرب كل من يفكر برفع رأسه ورفع شأن هذا الشعب وهذه الأمة؟
ثم يقول إن المشتركة ستظل تمثل الجمهور الذي انتخبها وستسعى جاهدة لتحقيق مطالبه. فما هي مطالبه؟؟؟!! هلَّا تكرمتم وفصلتم ما هي هذه المطالب؟
وختاما ملاحظة على الهامش ولكنها ليست هامشية بل في صلب الموضوع: في الفيديو قال عضو الكنيست باللغة العبرية الجملة التالية: “عندما قام رئيس وزراء إسرائيل الديمقراطية بحملة ضد أي نوع من الشراكة…”
لكن الترجمة إلى العربية جاءت كالتالي: “عندما قام رئيس الوزراء “الديمقراطي” بحملة ضد أي نوع من الشراكة…”. فهل كانت الترجمة مقصودة بهذه الصيغة أم هي خطأ من المترجم؟ أم تدليس منه؟ ولماذا وضعت لفظة “الديمقراطي” بين مزدوجين؟ إن استخدام المزدوجين يعني أنه غير مقتنع بالديمقراطية، ويستخدمها بهذه الصيغة كي ينفيها عن الآخر. ولكن في الجملة الأصلية استخدم (حكومة إسرائيل الديمقراطية) دون مزدوجين، حتى أنه لم يشر بالمزدوجين بيديه وهو يتحدث بالفيديو. فهل هي ديمقراطية، أم “ديمقراطية”؟ وإن كانت “ديمقراطية” بمزدوجين، فكيف تطمع المشتركة بـ “شراكة حقيقية” وبـ “تحقيق” مطالب الجمهور الذي انتخبها؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى