أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لنفقد حريتنا ولا نفقد هويتنا

الشيخ كمال خطيب
خُيّرت شاة بين أن تسكن في كهف فيه ذئب نائم، أو تسكن في حظيرة فيها كلاب كثيرة تتهارش وتتصارع في ما بينها. فقالت الشاة إن تهارش الكلاب يفقدني راحتي، وأما دخولي في كهف الذئب فإنه سيفقدني حياتي.
ما ينطبق على الشاة واختيارها، هو نفسه ما ينطبق علينا نحن أبناء الداخل الفلسطيني ممن اختاروا الدخول إلى كهف الذئب، أو ممن اختاروا البقاء خارج كهف الذئب رغم كثرة المتاعب التي ستلحق بهم بسبب هذا الاختيار.
إن الذين اختاروا البقاء خارج الكنيست واللعبة البرلمانية، وعدم المشاركة فيها، فإن هذا ولا شك سيرجع عليهم بمتاعب كثيرة، وأثمان باهظة يدفعونها. إنها السهام التي ستصوب إليهم من كل جانب، والاتهامات التي ستُلصق بهم، والأكاذيب التي سيتم افتراؤها عليهم، ليس فقط من جانب أصحاب الكهف، وإنما من قبل الذين دخلوا هذا الكهف، وأصبحوا جزءًا منه، بل إنهم وكما يقال” أصبحوا كاثوليك أكثر من البابا“.
إن عدم القناعة بجدوى العمل البرلماني، وأنه لم يحقق لشعبنا حقوقنا ولا مطالبنا، وإنما على العكس تمامًا، فالمؤسسة الإسرائيلية كانت وما زالت حريصة على وجود هذا التمثيل بحيث وصل إلى حد أن يفاخر نتنياهو خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر 9/2019 بوجود نواب عرب في كنيست إسرائيل،” بل إنهم ينتقدوننا ويتهجمون علينا بحرية وديمقراطية “كما قال. وإن اسرائيل هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، لكن بالمقابل فإن نتنياهو نفسه، وكل ماكينة إعلامه فإنها تحرض ليلًا ونهارًا على من يرفضون المشاركة في مسرحية ديمقراطية إسرائيل بزعم أنهم يفعلون ذلك لأسباب أيديولوجية، وإنهم لا يعترفون بدولة اليهود، ولا بمؤسساتها.
إن مصطلحات التحريض هذه وغيرها قد قادت إلى قرار حظر الحركة الإسلامية يوم 17/11/2015 واعتبارها تنظيمًا خارجًا عن القانون، وإغلاق ٣٥ مؤسسة وجمعية، ومصادرة أموالها وممتلكاتها والتضييق على قياداتها، واستمرار ملاحقتهم. نعم إن بقاءنا خارج كهف الذئب، وبالرغم من متاعب وتضييق وملاحقات طالتنا وما زالت تندرج في ما قالته الشاة” إن تهارش الكلاب يفقدني راحتي “لكن يا ترى كيف سيكون الحال والمآل لمن ارتضوا لأنفسهم أن يناموا في كهف الذئب وفي حجره. إنه جعلهم تتميع هويتهم وتنمسخ شخصيتهم، وإنهم سعيًا لإرضاء ساكن الكهف وجحر الكنيست فقد أصبحوا يتعاملون بمصطلحات غريبة مثل قولهم” مستوطنون طيبون“، ولا أدري من أين وأين يوجد هذا المستوطن سارق الأرض، ومغتصب المقدسات الطيب. ومصطلح “صهيوني لايت“، ومصطلح” أبناء العمومة“، وادعائهم أن اليهود فرحوا بدخول عمر بن الخطاب إلى القدس، وسمح لهم ببناء معابدهم!
لا بل إنه لا يقل خطورة، إن لم يكن أخطر كيف وصل الحال في تقييم قيادات علمانية كحزب التجمع على سبيل المثال، والسلوك الجديد والطرح المتنور لقادة الحركة الجنوبية الذين تحالفوا معهم في انتخابات 9/4/2019 .فحين سئلت السيدة هبة يزبك مرشحة حزب التجمع يومها عن قناعاتها من تحالف يجمع بين حزب علماني وحركة إسلامية فقالت: ”نحن نستمر بالتمسك بمشروعنا الاجتماعي التقدمي، ومشروعنا السياسي أيضًا، والتحالف لن يزحزحنا قيد أنملة عن المفاهيم والقيم الاجتماعية، والمشروع الاجتماعي الذي نعمل على تطويره، بل على العكس فإننا نُشيد بالاجتهادات الحاصلة لدى أبناء الحركة الإسلامية الجنوبية من خلال ضمان مكان للنساء ضمن قائمتهم الانتخابية، ونقاشهم الجريء حول مشروعهم الاجتماعي التقدمي الذي نريد له أن يتطور“.
نعم هكذا وبكل وضوح إنها تنظر إلى المشروع الديني أنه متخلف ورجعي ولا بد أن يتم تطويره، ويلحق بركب التقدمية التي تمثلها هي، والحديث عن القيم الاجتماعية والسلوكية والأخلاقية، ومنها قضية الشذوذ الجنسي التي لطالما دافعوا عنها في حزبهم. فمن الذي يدعو من؟ ومن الذي يحافظ على ثوابته.
في مفهوم هبة يزبك والعلمانيين، فإنهم نجحوا في استقطاب ودعوة قادة الجنوبية، وتقريبهم وتطوير مفاهيمهم، وليس العكس بأن ينجح قادة الجنوبية في تقريب هؤلاء إلى الفكر الإسلامي. أليس هذا هو فقدان الهوية، بل ضياع الشخصية وضياع البوصلة؟ وإلا إنه الاستخفاف والاستهتار.
فأي الخيارين يمكن أن نختار: أن أفقد راحتي، وأن ألاحق ويضيق عليّ أو أن يفقد هؤلاء شخصيتهم وهويتهم وقد أصبح يشار إليهم بالمسلم المعتدل والواقعي والمرن والبراجماتي، ولعله سيقال عنهم يوما” المسلم الطيب “بعكس المسلم الشرير،” المسلم التقدمي “في مواجهة المسلم الرجعي.

عنتريات كاذبة
قال المرحوم الدكتور مصطفى السباعي في إحدى لطائفه: ” أكثر السياسيين كذبًا، أكثرهم احتقارًا لوعي الشعب“. إنهم الذين يظنون أن بإمكانهم التحكم في ذاكرة الشعب وفق منطق وجهاز التحكم عن بعد، فمرة الشعب قرر تفكيك المشتركة، ومرة ثانية الشعب يريد إعادة المشتركة، ومرة وجود قائمتين عربيتين هي إرادة شعب، في حين يصبح بعد حين أن مطلب الشعب هو قائمة مشتركة واحدة.
مرة قالوا عن بعضهم أن أموالًا جاءت من خلف البحار هي من شجعت أحمد الطيبي على شق المشتركة. يقصدون أموالًا إماراتية بواسطة دحلان. ومرة وإذا بنفس الأموال وأكثر منها قد وصلت لدعم القائمة المشتركة، فسكتوا عنها وانخرسوا. فإذا لم يكن هذا هو الكذب بعينه، فما هو الكذب إذا؟ وإذا لم يكن هذا هو الاحتقار لوعي الشعب، فكيف يكون الاحتقار؟
إن من يتتبع أدبياتهم ومصطلحاتهم، فإنه يجد مصطلحات ومفردات من يسمعها يظن أن صاحبها يسعر حرب كقولهم” سننتزع حقوقنا انتزاعًا“، وقولهم” سنقتحم عش الدبابير“، وقولهم” سنصرخ في وجوههم ونفضحهم في عقر دارهم“والمقصود بذلك الصراخ عبر منبر الكنيست.
لقد رأينا بعضهم في مسرحيات بهلوانية وهم يصرخون على أعضاء كنيست يهود بالقول” إنصرف“،” إنخرس“أو كقيامهم بتمزيق مسودة قانون القومية داخل الكنيست أو غير ذلك. نعم إنها مسرحيات بهلوانية مكشوفة وبايخة.
لقد رصدت وسائل الإعلام مرات كثيرة، إنه وبعد جولات التهريج هذه فإنهم كانوا يجلسون في كافيتيريا الكنيست يحتسون القهوة ويتبادلون التحيات والابتسامات مع من كان يظن المشاهد أنها حرب حقيقية لا رحمة فيها بينهم. لا بل إن الأخطر من كل ذلك، ما سبق وكشفت عنه صحيفة هآرتس العبرية يوم الخميس 15/8/2019 من وجود تنسيق وتوافق بين أحزاب عربية وخاصة “تحالف التجمع والجنوبية” في انتخابات 9/4/2019 لتبادل خدمات مراقبين للصناديق، حيث يتم تعيين مندوبين من حزب شاس ويهودات هتوراه كمراقبين لتحالف التجمع والجنوبية في مدن يهودية، بينما يقوم تحالف التجمع والجنوبية بتعيين نشطاء لهم كمراقبين لحزب شاس ويهوداة هتوراه في مدن وقرى عربية. والهدف ليس إلا تزوير الانتخابات وحصد أكبر عدد من الأصوات. هذا ما حصل كما ذكر التقرير في صندوق رقم ٨ في قرية جسر الزرقا حيث تم تسجيل مشاركة ٦٩٪ من أصحاب حق التصويت بينما في كل الصناديق المتبقية لم تصل النسبة سوى إلى ٢٠٪ من المشاركين في مقابل ٨٠٪ من المقاطعين.
أليست هي الشعارات الكاذبة والعنتريات الفارغة بادعاء المطالبة بخروج العرب للتصويت لأن في ذلك ضمان لإسقاط اليمين، فيما هم ينسقون ويتبادلون خبرات وخدمات للتزوير والتزييف مع عتاة وسفلة اليمين كحزب شاس ويهودات هتوراه.

فوضى المفاهيم والمصطلحات
إن من أسوء ما مُنيت به أمتنا خلال العقود الماضية هو تسلط حكام وحكومات يرفعون شعارات مثل التقدمية والاشتراكية والثورية والقومية، وما أن يصل هؤلاء إلى الحكم حتى ينسوا شعاراتهم وينقلبوا عليهم، ويتحولوا إلى دكتاتوريين وقياصرة وطواغيت، وباسم الحرية يخنق الحرية، وباسم كرامة الشعب يدوس كرامة الشعب. إنها فوضى المفاهيم والمصطلحات حيث يستخدمها هؤلاء مطية لتحقيق أهدافهم. ومع الأسف إن فوضى المفاهيم هذه أصبحت رائجة كذلك، ليس فقط عند رافعي هذه الشعارات، بل إنها باتت جزءًا من قاموس بعض الإسلاميين الذين اختاروا لأنفسهم السير في نفس الطريق. إنهم الذين يكثرون من استخدام مصطلحات الواقعية والمرونة السياسية والبراجماتية، والمشي بين النقاط في محاولة منهم لإضفاء مشروعية وهالة على المسار الذين اختاروه. بينما يوجهون سهام أقلامهم وألسنتهم على من يخالفهم هذا التوجه بأنهم متطرفون.
نعم وللأسف، بل ويا للعار أن يستخدم هؤلاء الإسلاميون مصطلح متطرفون على إخوة لهم فقط لأنهم يخالفونهم، ويرفضون أن يدخلوا معهم إلى وكر الذئب” الكنيست“، ويرفضون المشاركة في مسرحية ومهزلة اللعبة البرلمانية. وبهذا فإنهم يتساوون مع عتاة الأحزاب الصهيونية، بل مع قادة الأجهزة الأمنية التي تعرف الرافضين للمشاركة في الانتخابات، خاصة وتحديدًا أبناء الحركة الإسلامية المحظورة إسرائيليًا بأنهم متطرفون وإرهابيون.
نعم إن مصطلح متطرفون، وغير واقعيين، ومتهورون ومفتقرون لرؤية سياسية وعدميون هي بعض مصطلحات بل فوضى مفاهيم حلّت على قاموس هؤلاء. لكن الأخطر في قناعتي في هذه الفوضى هو استخدام أساليب استخدمها رجال الكنيسة في العصور الوسطى ضد مخالفيهم، خاصة من العلماء والمفكرين حيث قاموا باستخدام أسلوب التخويف بالله، ودخول النار لمجرد أنهم رفضوا السير على نهج رجال الكنيسة يومها.

إنه الفارق الكبير بين رجل جالس في بيته، وليس له من أمر الناس شيء، وبين رجل يتقلد موقعا سياسيًا وقياديًا. إن انتقاد القيادي السياسي حتى لو كان ملتزمًا دينيًا في قضايا ومواقف سياسية واجتماعية هو أمر طبيعي في عالم السياسة والاحزاب.
لقد أصبح في واقع فوضى المفاهيم والمصطلحات أن كل من ينتقد ويصحح ويصوب خطأ هؤلاء بأنه يتتبع عوراتهم، ويتربص بهم، وينشغل بعيوبهم ومثير للفتن، وبأن هذا حرام، ولا يليق دينيًا. بل إن عليه أن يحسن الظن وأن يتثبت، وألا يطعن في الظهر، وإلا فإن غضب الله سوف ينزل عليه والملائكة والناس أجمعين، وأن عليه أن يتذكر أن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب!
إن على هؤلاء أن يتذكروا أن انتقاد السياسي والقيادي أيًا كان فكره وانتماؤه شيء طبيعي، وأما الحديث لا سمح الله ومعاذ الله عن خصوصيات بيته وحرماته وعائلته فهذا هو التربص وتتبع العورات الذي يرفضه الشرع الحنيف، ونعوذ بالله أن نمارسه.

# لهّاية الكنيست
إن الانشغال والتلهي بمسرحية اللعبة البرلمانية هو مثل انشغال الطفل ب “اللهاية“، حيث تضعها أمه في فمه لتشغله عند انشغالها، وتلهيه عن جوعه، وآلامه، وبكائه، ليكتشف المسكين بعد ذلك أن اللهاية لم تغير من حقيقة جوعه وعطشه. الطبيعي والمنطقي يقول أن الطفل، وإن طالت فترة استعماله اللهّاية، إلا أنه يومًا سيفطم عنها، بل سيُعيّر بها ويضحك منه أقرانه إذا أصرّ على استمرار استعمالها.
ولكن غير المنطقي وغير الطبيعي أن البعض لا يريدون الفطام عن لهّاية الكنيست، ومصرون على الانشغال والتلهي بها رغم سبعين سنة مرت على استخدامها. إن البعض ورغم طول وتكرار تجربة استخدام لهّاية الكنيست، إلا أنهم مصرون على التعامل مع أبناء شعبنا وكأنهم أطفال، وكأنه لا يوجد في قاموسهم مصطلح جيل الرشد والبلوغ، وإنما فقط البقاء في جيل الطفولة، وفي أحسن الأحوال العبور إلى المراهقة السياسية. إنها لهّاية الكنيست لا تسمن ولا تغني من جوع.

رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى