أخبار عاجلةمقالات

لنتأدب في نقدنا بأدب القرآن والسنة

د. أنس سليمان

بناءً على ما وعدت في المقالة السابقة التي كانت بعنوان: “ليكن أدب النقد بوصلة نقدنا”، سأخصص هذه المقالة للوقوف بالنصح والنصيحة عند من كتب في سياق رده على انتقاد الشيخ كمال خطيب للقاء الشرطة مع بعض الأئمة الأفاضل أن انتقاد الشيخ كمال خطيب يُفهم منه التكفير والتخوين بالتلميح والإشارة، ولا زلت أقول قرأت انتقاد الشيخ كمال خطيب لذاك اللقاء أكثر من مرة ولم أجد فيه تكفيراً ولا تخويناً، لا بالتلميح والإشارة، ولا بالتصريح ووضوح العبارة، ولذلك سأكتب هذه المقالة ليس بهدف الرد على ذاك الادعاء، لأنه ادعاء واضح البطلان ولا يحتاج إلى رد عليه، ومع ذلك سأكتب هذه المقالة حول ذاك الادعاء واضح البطلان بهدف التحذير من مخاطر هذا الادعاء، لأنه لم يكن مجرد عثرة قلم، ولا مجرد عثرة في أدب النقد، بل كان منزلقاً أسأل الله تعالى أن يكون المرة الأخيرة ، وألا يعود إليه أحدنا في خطابه الإسلامي انتقادا لأي طرف آخر بعامة، ولا لأي طرف إسلامي بخاصة، لأن خطاب تكفير الآخر وتخوينه بلا سبب مرفوض مهما اختلف معنا في مواقفه، ومن باب أولى أن يكون خطاب التكفير والتخوين للآخر مرفوضاً إذا كان هذا الآخر إسلامياً، هذا من جهة أولى، ومن جهة ثانية فإن خطورة اتهام الآخر أنه وقع في منزلق تكفير الآخرين وتخوينهم وهو لم يقم بذلك، كخطورة تكفيره بلا سبب، وكخطورة تخوينه بلا سبب، بمعنى أوضح وأبسط: إن خطورة تكفير وتخوين الآخر بلا سبب كخطورة الادعاء الباطل عليه أنه وقع في منزلق تكفير وتخوين الآخرين بلا سبب، ولذلك اعتبرت الادعاء الباطل على انتقاد الشيخ كمال للقاء الشرطة مع بعض الأئمة يُفهم منه التكفير والتخوين بالتلميح والإشارة هو منزلق خطير لم يكن ولو لمرة واحدة على مدار العقود الأخيرة الماضية التي شهدت في الداخل الفلسطيني حوارات داخلية بين حملة الخطاب الإسلامي، والتي شهدت انتقادات متبادلة داخلية حول بعض القضايا بين حملة الخطاب الإسلامي !! في الماضي كانت بعض تلك الحوارات الداخلية ساخنة، وكانت بعض تلك الانتقادات المتبادلة الداخلية ساخنة ولكنها لم تقع إطلاقاً ولو لمرة واحدة في منزلق تكفير وتخوين الآخر أو الادعاء الباطل عليه أنه وقع في منزلق تكفير وتخوين غيره.

ولذلك أقول غفر الله تعالى لمن وقع في ذاك المنزلق، وادّعى على الشيخ كمال خطيب ما ادّعى، وأتمنى على حملة الخطاب الإسلامي بعامة أن نحذر حذراً شديداً من الوقوع في ذاك المنزلق بألسنتنا أو بأقلامنا، بمعنى ألا ننزلق إلى تكفير وتخوين الآخر بلا سبب، وألا ندّعي عليه أنه وقع في منزلق تكفير وتخوين غيره بلا سبب، لأن خطورة تكفيره وتخوينه بلا سبب، كخطورة الادعاء عليه أنه وقع في منزلق تكفير وتخوين غيره بلا سبب.

وأتمنى- بخاصة- على الشيخ كمال خطيب وعلى الشيخ حماد أبو دعابس أن يقوما بدور صمام أمان في الخطاب الإسلامي يمنع الوقوع في ذاك المنزلق الخطير، وما قاما به كخطوة أولى مباركة من إصدار بيانات لأبناء المشروع الإسلامي يوضحون به هذه المخاطر أمر هام ومشكور، لكنهم مطالبون بتعزيز الموقف بكل وضوح وصلابة .

لذلك حزنت جداً عندما قرأت في بيان الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس الصادر بتاريخ 2019/01/15 الذي ردّ على إنتقاد الشيخ كمال خطيب للقاء الشرطة مع بعض الأئمة الأفاضل، وقعت في صدمة عندما قرأت فيه هذه الفقرة: “خطاب التكفير والتخوين بالتلميح والإشارة أسوأ من خطاب التكفير والتخوين الصريح، لأن صاحبه يعفي نفسه من واجب تقديم الأدلة والقرائن الشرعية والعلمية، ويكتفي بكلام شعبوي مناكف ومزايد.. “، فمن الواضح جداً أن هذه الفقرة التي وردت في هذا البيان على إنتقاد الشيخ كمال خطيب لذاك اللقاء، وهذا ما دفعني أن أقرأ انتقاد الشيخ كمال خطيب لذاك اللقاء أكثر من مرة، فلم أجد فيه تكفير وتخوين بالتلميح والإشارة، ولم أجد فيه كلاماً شعبوياً يشير إلى ذلك.

ودعوني أكون ناصحاً صريحاً مع الجميع، فإن ما زاد من خطورة منزلق الادعاء على الشيخ كمال خطيب أن إنتقاده للقاء الشرطة مع بعض الأئمة الأفاضل يُفهم منه التكفير والتخوين بالإشارة والتلميح، إن ما زاد من خطورة مُنزلق هذا الادعاء الباطل أنه صدر باسم “الحركة إسلامية بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس” ولم يصد باسم فرد واحد، حيث أنه لو صدر باسم فرد لكان منزلقاً خطيراً، ولكنه لمّا صدر باسم حركة كان منزلقاً أخطر، وأنا على يقين أن الذي كتب هذا البيان باسم “الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حمّاد” لو كان يتحلى بفهم واسع في الفقه الإسلامي، وخاصة بفهم واسع في العقيدة الإسلامية، لرفض أن يكتب هذه الفقرة التي اقتبستها في هذه المقالة من هذا البيان، لأن من أخطر الخطورة أن يتهم أحدنا مسلماً أقرّ بالشهادتين بالكفر بلا سبب أو أن يتهمه بتكفير الآخرين بلا سبب !! ولذلك كم أتمنى على كل حملة الخطاب الإسلامي أن يدركوا سلفاً أن مسألة تكفير الآخر أو إتهامه بتكفير غيره هي مسألة ثقيلة جداً، لا يجوز أن يتصدى لها، ولا يستطيع أن يتصدى لها إلا من فقهه الله تعالى في الدين، وهو الذي أراد الله تعالى به خيراً، كما قال رسول صلى الله عليه وسلم : ” من يرد الله به خيراً يفقه في الدين” !! لذلك ليس من السهل ولا يجوز شرعاً أن يخوض في هذه المسألة الثقيلة كل من أوتي حظاً متواضعاً من الثقافة الإسلامية!! فكما أنه لا يجوز لأحدنا شرعاً أن يخوض في مسائل الصلاة والصوم والزكاة والحج والميراث والأحوال الشخصية بلا علم شرعي، فكذلك لا يجوز له أن يخوض في هذه المسألة الثقيلة بلا علم شرعي.

وكم نحن مطالبون أن نعتبر من تاريخنا الإسلامي بعامة، ومن تجربة الذين خاضوا في هذه المسألة الخطيرة بلا علم شرعي بخاصة .
ففي الماضي خاض بعض المسلمين في هذه المسألة الثقيلة بلا علم شرعي فأدى ذلك إلى ميلاد ظاهرة الخوارج التي كانت نكبة على الأمة الإسلامية، حيث لم يترددوا بتكفير أئمة المسلمين وعلمائهم وعامتهم، ثم لم يترددوا باستباحة دماء المسلمين وأعراضهم ومساجدهم وأموالهم، وفي هذه الأيام خاض بعض المسلمين في هذه المسألة الثقيلة بلا علم شرعي، فأدى إلى ميلاد ظاهرة داعش التي كانت ولا تزال نكبة على الأمة الإسلامية إلا أن يتوب أتباعها إلى الله تعالى، وأن يقلعوا عما هم عليه من تكفير المسلمين واستباحة دمائهم ومساجدهم وأعراضهم ودمائهم !! .

لذلك أقول جازماً: أنا شخصياً لم أوافق الشيخ عبد الله نمر درويش -رحمه الله تعالى- في الكثير من مواقفه ومقالاته وتصريحاته، ولكنه لو كان حياً لما وافق أن تًكتب هذه الفقرة التي أشرت إليها في هذا البيان، ولأكد أنها ليست مجرد عثرة فرعية يمكن التغاضي عنهاـ بل هي منزلق خطير ما أحرانا أن نجنب حملة الخطاب الإسلامي على صعيد القيادات والأتباع هذا المنزلق الخطير، فأنا شخصياً يوم أن كنت شبلاً إلى أن انهيت دراستي الجامعية تابعت بعض محطات مسيرة الشيخ عبدالله نمر درويش -رحمه الله تعالى -مؤسس الحركة الإسلامية التي هي بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس اليوم، فكان له رأيه في الكنيست الإسرائيلي ولم أوافق على ذاك الرأي واعتبرته يومها رأياً شاذاً وكانت آراؤه وتصريحاته حول الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ولم أوافقه عليها واعتبرتها شاذة ومع ذلك لا زلت أؤكد أنه لو كان حياً بين ظهرانينا لما وافق على كتابة هذه الفقرة التي أشرت إليها في بيان باسم الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حماد أبو دعابس، ولا حتى في مقالة باسم أحد أبناء الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ حماد، ويبقى الفضل والشكر محفوظاً للشيخ عبدالله نمر درويش، وأسأل الله تعالى أن يجمعه مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين.

وكم أتمنى على الشيخ حماد أبو دعابس أن يقوم بمراجعة هذا البيان الذي أشرت إليه في هذه المقالة بهدف استخلاص العبر والدروس سيما وأن لكل جواد كبوة ، ولكل سيف نبوة، وكم أتمنى على نفسي وعلى الشيخ كمال خطيب وعلى سائر حملة الخطاب الإسلامي أن نجنب أقلامنا أية كلمة تحمل أي دلالة قاسية، ولنتأدب بأدب القرآن الذي نجده في قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم (” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”) وفي قوله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم (” وإنك لعلى خلق عظيم”) وقوله تعالى لنبيه موسى وهارون عندما أرسلهما الله سبحانه لفرعون: (” وقولا له قولاً لينا”)، ولنتأدب بالأدب النبوي الذي نجده في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” ما كان الحلم في شيء إلا زانه، وما نًزع من شيء إلا شانه”، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ” الكلمة الطيبة صدقة”، وفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ” انصر أخاك ظالماً أو مظلوما” قلنا: يا رسول الله هذا إذا كان مظلوماً، فكيف إذا كان ظالما؟! قال : ” تردعه عن ظلمه”)، فإذا كان جائز على الصحابيّ أن يكون ظالماً وفق حديث رسول الله، وإذا كان المطلوب من سائر الصحابة رضي الله عنهم أن يردعوه عن ظلمه، فما أحرانا نحن حملة الخطاب الإسلامي أن ندرك سلفاً ومن باب أولى أن أحدنا قد يكون ظالماً رغم أنه من حملة الخطاب الإسلامي، وقد يكون هذا الظالم أنا أو أنت أو أنتِ أو هو أو هي أو نحن أو هم أو هنّ، لذلك ما أروع أن نجد من يتلطف بنا ويقول لي أو لك : أنت ظالم في هذا الموقف أو في هذه المقالة أو في هذا البيان أو في هذا النقد، ثم يردعني عن ظلمي.

وما أحرانا أن نعلم بوعي وبصيرة أنه يوم أن يُقال على سبيل المثال للشيخ كمال خطيب أو للشيخ حمّاد أبو دعابس أو للشيخ رائد صلاح أو للدكتور منصور عباس: أنت ظالم في هذا المشهد من حياتك، فهذه ليست تهمة له ، بل هو نقد راشد بهدف أن نعينه وأن نردعه عن ظلمه، ويوم أن نقول له هذا القول فليس معنى ذلك أننا نحكم على كل حملة المشروع الإسلامي جميعاً هذا الظلم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى