من الشرع الديني الى الشرع السياسي

الإعلامي أحمد حازم
سنة مرّت على سوريا الجديدة، التي جلب لها الشاب الثوري احمد الشرع الحرية بعد أكثر من نصف قرن من حكم قمعي استبدادي. يقول التاريخ إن الشباب قادوا العديد من الثورات: شباب فجروا ثورة التحرير الجزائرية عام 1954 وشباب ثورة 14 يوليو عام 1958 في العراق الذين أطاحوا بالنظام الملكي، وهناك قادة شباب في التاريخ الإسلامي مثل محمد الفاتح (فتح القسطنطينية) وعبد الرحمن الداخل (صقر قريش) وهارون الرشيد، مما يظهر دورهم المحوري في التغيير عبر العصور.
الرئيس السوري احمد الشرع الشاب الذي فاجأ العالم بسرعة البرق بما فعله في النظام السابق، أصبح نجم العالم حتى باعتراف أمريكا. لقد فتح صفحة جديدة في التاريخ السوري. وأصبح من الشباب الذين قادوا ثورات عديدة عبر التاريخ.
في كتابه الذي يحمل عنوان «قادة تاريخيّون كبار في ثورات القرن العشرين» أدخل المفكر اللبناني كريم مروة أسماء شباب قادة ثورات سابقة ولا شك انه كان سيدخل اسم الشاب احمد الشرع في الكتاب لو قام الشرع بثورته مبكرا.
عام مضى على الاطاحة بنظام أذاق شعب سوريا المُرّ والأمرّ وبفضل شاب خرج من رحم هذا الظلم، أتى من خنادق إدلب، حرر هذا الشعب وأعاد له معنى الحياة. المفهوم العام لكلمة “عدوان” عند ذكرها والتطرق اليها، يقصد بها العدوان الاسرائيلي، هكذا يفهمها العرب ولا سيما الفلسطينيون. لكن عملية “ردع العدوان” تختلف عن ذلك. فهي اسم لمعركة تحرير في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، لتطيح بنظام بشار الأسد خلال 11 يوما، بعد أن حكم البلاد 24 عاما بالحديد والنار، استكمالًا لحكم والده بنفس الأسلوب لمدة ثلاثين سنة.
بدأت المعركة في محافظة حلب شمالا، وصولا إلى العاصمة دمشق، التي دخلها مقاتلو احمد الشرع فجر 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، معلنين الإطاحة بنظام بشار الأسد الذي هرب إلى موسكو.
روايات وأحاديث كثيرة تُروى عن منقذ الشعب السوري أحمد الشرع. يحكى أن أحمد الشرع، كان في شبابه يستشير والده حسين الشرع في كثير من الأمور، وذات يوم ذهب الابن أحمد الى والده وكان احمد حينها يُكنّى باسم أبي محمّد الجولاني، وقال له انه يفكر بعمليّة تستهدف حلب، ولا شيء ما بعد حلب. الوالد لم يقتنع ولم يشعر حينها بأنّ الفكرة ترقى إلى مستوى التنفيذ، لدرجة نصح ابنه بقوله: “يا ابني خلّيكو مستورين بإدلب”.
لكن الابن لم يصغ هذه المرة لنصيحة الأب لأن العمليّة لم تكن تستهدف حلب المدينة، بل مناطق ريفها، وتغيّر من موازين القوى. وبالتالي وصلت قوات الشرع الى حلب وما بعد حلب حتى وصلت دمشق. وما يميز العملية التي أطلقها القائد المسلم احمد الشرع، أن أحدُا لم يشعر بأعراض لها قبل تنفيذها ولم توحي بأنّ شيئاً يُدبَّر، لمستوى ما وصلت إليه مآلات العمليّة بعد 11 يومًا، والتي حققت نهاية سريعة لنظام الأسد. عملية الوصول الى دمشق وقبلها حلب كانت قرارا سوريا ثوريا بامتياز اتُّخذه أبو محمد الجولاني، الذي أجبر القوى الإقليمية والدولية على الاعتراف بالأمر الواقع.
ما فعله الرئيس السوري الشاب أزعج إسرائيل. لم يرق لها خسارة نظام الأسد وهو نظام طالما كان حاميا لإسرائيل وأمنها على حدود الجولان، حيث كان يقمع وبشدة كل عملية تخرج من هناك. إسرائيل لم يعجبها التحول الذي قام به الشرع، ولذلك سارعت (وكما يبدو انتقاما لسقوط الأسد) في ضرب مراكز عسكرية سورية وتدميرها.
إسرائيل فاجأتها عملية الشرع ورأتها خارجة عن خططها، وهذا الأمر دفع الصحافة العبرية الى القول “ان إسرائيل أعربت عن ذهول من حدوثها من وراء ظهر أجهزة استخباراتها”. ولذلك تعاملت إسرائيل مع سوريا الشرع باستخدام القوّة العسكرية من خلال الاعتداءات المتكررة، وفرضت نفسها حاميًا للدروز، ساعية لجعل نفسها الطرف الذي يقرِّر في مستقبل سوريا.
هذه الاعتداءا، التي لم يكن بمقدور الجيش السوري الرد عليها، لكنها لاقت ردًا قويا في بيت جن بمنطقة جبل الشيخ السورية. لقد أحدث يوم الثامن والعشرين من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، تغيرًا في الحسابات العسكرية لإسرائيل. ففي ذلك اليوم أطلق أهالي بيت جن النار على جنود إسرائيليين وأصابوا ستة منهم. رد أهالي بيت جن يأتي بالتزامن مع المجزرة التي ارتكبتها اسرائيل في بيت جن وراح ضحيتها 20 مدنيًا، بينهم أطفال ونساء.
ما جرى في بيت جن كان صفعة لإسرائيل. ويرى محللون “أن عملية بيت جن أظهرت أن المجتمع السوري حتى بعد سنوات من الحرب، ما يزال قادرًا على إنتاج ردود فعل سياسية وأمنية من خارج الأطر الكلاسيكية”.



