جدل أخلاقي حول لجوء وكالات إغاثة إلى صور مولّدة بالذكاء الاصطناعي

يلجأ عدد متزايد من وكالات الإغاثة والمنظمات الصحية الكبرى إلى استخدام صور مولدة عبر الذكاء الاصطناعي لمشاهد الفقر المدقع والأطفال المعنَّفين والناجيات من العنف الجنسي، وهو ما يثير مخاوف أخلاقية لدى عدد كبير من الخبراء في مجال الصحة، بحسب ما نشرته صحيفة ذا غارديان البريطانية الاثنين.
تُظهر هذه الصور مشاهد مبالغاً فيها، مثل مجموعة أطفال في مياه موحلة، أو فتاة أفريقية تبكي وهي ترتدي فستان الزفاف، وهو ما يكرس صورةً نمطية سائدة، وهو ما وصفه الباحث أرسيني ألينيتشيف بأنّه “الموجة الجديدة من إباحية الفقر” (Poverty Porn 2.0)، موضحاً: “هذه الصور تُعيد إنتاج القواعد البصرية للفقر، أطفال يحملون أطباقاً فارغة، أرض متشققة، وصور نمطية مكرَّرة”.
ورغم صعوبة قياس مدى انتشار هذه الصور، قال ألينيتشيف أن استخدامها في تزايد من قبل المؤسسات العاملة في القطاع الصحي. وهو ما أكده نواه أرنولد من منظمة فير بيكتشر السويسرية المعنية بترويج استخدام الصور الأخلاقية في التنمية العالمية: “بعض المؤسسات تستعمل الذكاء الاصطناعي لتوليد الصور بشكل كبير، فيما العديدون ما زالوا يجربونه”.
ويرتبط هذا التحول بمخاوف تتعلق بالموافقة والتكلفة، الأمر الذي فاقمه خفض التمويل الأميركي لميزانيات المنظمات غير الحكومية، بحسب أرنولد، الذي أضاف: “من الواضح أن منظمات عدة بدأت تفكر في استخدام صور اصطناعية بدلاً من التصوير الحقيقي، لأنها رخيصة ولا تتطلب الحصول على موافقات من الناس وما إلى ذلك”.
وبحسب “ذا غارديان”، تنتشر الآن عشرات الصور المولَّدة بالذكاء الاصطناعي التي تُظهِر الفقر المدقع على مواقع الصور التجارية الشهيرة مثل “أدوبي” و”فريبيك”، وتظهر تحتها تسميات مثل: “طفل واقعي في مخيم للاجئين”، “أطفال آسيويون يسبحون في نهر مليء بالنفايات”، و”متطوع أبيض يقدم استشارة طبية لأطفال سود في قرية أفريقية”. لكن بالنسبة لألينيتشيف، فإن “هذه الصور عنصرية للغاية ولا ينبغي السماح بنشرها من الأساس، لأنها تمثل أسوأ الصور النمطية عن أفريقيا والهند وغيرها من المناطق”.
من جهته، رأى الرئيس التنفيذي لموقع فريبيك خواكين أبيلا، في حديث مع “ذا غارديان”، أن مسؤولية استخدام صور مثل هذه تقع على المستهلكين، وليس على المنصة. وأوضح أن الصور المولَّدة بالذكاء الاصطناعي تُنتَج من قِبل المستخدمين الذين يحصلون على أرباح عندما يشتري العملاء صورهم. أضاف أن المنصة حاولت معالجة بعض الانحيازات في مكتبتها، إلّا أنه رأى أن إمكاناتهم محدودة. أوضح: “الأمر يشبه محاولة تجفيف المحيط. نحن نبذل جهداً، لكن في الواقع، إذا أراد الزبائن حول العالم الصور بطريقة معينة، فلا أحد يستطيع فعل أي شيء”.
واستخدمت بعض الجمعيات الخيرية الكبرى الذكاء الاصطناعي لتوليد صور من أجل حملاتها في مجال الصحة العالمية. ففي عام 2023، أطلقت المنظمة الهولندية التابعة لجمعية بلان إنترناشيونال حملة فيديو ضد زواج الأطفال، تضمنت صوراً مولَّدة تُظهِر فتاة بعين سوداء ورجلاً مسناً ومراهقةً حاملاً. وبرّر متحدث باسم الجمعية قرارها استخدام صور مولّدة بحرصها على “حماية خصوصية الفتيات الحقيقيات وكرامتهن”، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن المنظمة تبنت إرشادات جديدة هذا العام تحثّ على عدم استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد صور للأطفال.
وفي العام الماضي، نشرت الأمم المتحدة فيديو على “يوتيوب” تضمن إعادة تمثيل لحوادث عنف جنسي أثناء النزاعات باستخدام الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شهادة امرأة من بوروندي تقول إنها تعرضت للاغتصاب من ثلاثة رجال تُركت بعدها لتموت في عام 1993 أثناء الحرب الأهلية في البلاد. وقد أُزيل الفيديو بعد أن تواصلت “ذا غارديان” مع الأمم المتحدة للتعليق. وقال متحدث باسم الأمم المتحدة للصحيفة: “أزلنا الفيديو الذي أنتج قبل أكثر من عام باستخدام أداة تتطور بسرعة، لأننا رأينا أنه يُظهر استخداماً غير مناسب للذكاء الاصطناعي وقد يهدد نزاهة المعلومات بدمجه لقطات حقيقية مع محتوى اصطناعي شبه واقعي”.
ولفت نواه أرنولد إلى أن الاتجاه المتزايد نحو استخدام صور الذكاء الاصطناعي يأتي بعد سنوات من النقاش داخل القطاع حول أخلاقية الصورة وكيفية تصوير الفقر والعنف، مضيفاً: “يبدو أن الناس يفضلون الآن الصور الجاهزة بالذكاء الاصطناعي التي لا تتطلب موافقة من أحد، لأنها لا تُظهر أشخاصاً حقيقيين”.
ومن المعروف أن أدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي تميل إلى تكرار التحيزات الاجتماعية القائمة، بل وتضخيمها أحياناً. يرى ألينيتشيف أن انتشار الصور المنحازة في التواصل بمجال الصحة العالمية قد يزيد المشكلة سوءاً لأن هذه الصور قد تنتشر على الإنترنت وتُستخدَم لاحقاً في تدريب أجيال جديدة من نماذج الذكاء الاصطناعي، ما يؤدي إلى تعزيز التحيزات القائمة.



