أخبار رئيسيةالضفة وغزةتقارير ومقابلاتومضات

واقع أهالي غزة… شبه حياة في شبه منازل

منذ انقشاع غبار الحرب، وبدء العودة التدريجية للأهالي إلى مناطقهم في قطاع غزة، يجد كثيرون أنفسهم أمام مشهد مروّع، فالكثير من المنازل التي غادروها تحت القصف باتت أكواماً من الركام، أو في أحسن الأحوال بلا جدران ولا نوافذ، وأحياناً بلا أسقف. ويصطدم الأهالي بالاختفاء التام لمواد البناء نتيجة تواصل الحصار وإغلاق المعابر، إذ يظل إدخال الإسمنت والحديد وغيرها من مواد البناء مستحيلا، وفي غيابها، لا يجد الفلسطينيون بديلاً سوى الحلول البدائية؛ فتوضع الشوادر البلاستيكية مكان النوافذ، وتُستبدل الأبواب بالأخشاب، بينما تبقى الفتحات الكبيرة في الجدران شاهدة على العجز الكبير.

لا يتمكن الفلسطيني صبحي الدهشان من إعادة إعمار منزله في مدينة غزة، والذي تضرر بشدة نتيجة قصف إسرائيلي لبناء مجاور، ودفعه نقص مواد البناء إلى الاستعانة بالشوادر والنايلون التي كان يصنع منها خيمته خلال فترة نزوحه في مواصي خانيونس، وتركيبها على جنبات غرفة وحيدة إلى جانبها مرحاض، ليكون الشكل النهائي أشبه بخيمة نزوح داخل شقة شبه مدمرة.

ويوضح الدهشان، أنه ترك حي النصر في وسط مدينة غزة بعد اشتداد القصف، وبدء الاحتلال تفجير الروبوتات المفخخة، وزيادة الخطر على حياته وحياة أسرته، وانتقل مكرهاً إلى الجنوب، ليفاجأ بعد عودته بالدمار الصادم.

ويقول: “عدت إلى منزلي بعد وقف إطلاق النار، فوجدت بيتي متضرراً بشدة، فبدأت تثبيت شوادر الخيمة مكان الجدران لإنشاء غرفة وحمام، فيما لم أتمكن من بناء الجدران بسبب عدم وجود مواد البناء، ما ينذر بظروف معيشية قاسية مع اشتداد البرد خلال فصل الشتاء”.

ومع كل يوم يمر، تتزايد مخاوف أهالي غزة من أن يتحول الحل المؤقت إلى واقع دائم تتآكل معه كرامة العائدين من النزوح وقدرتهم على البقاء، لا سيما مع اقتراب فصل الشتاء، والذي يحمل معه خطر الانهيارات نتيجة الرياح والأمطار، بينما هم لا يملكون مأوى بديلا.

يقول الفلسطيني خالد السويسي وهو يشير إلى ما تبقى من بيته: “لا يفصلنا عن الشارع سوى الشادر، وأصبحت الشوادر، رغم بساطتها، رمزاً مؤلماً للمرحلة، فهي وسيلة الستر الوحيدة المتوفرة، وسبيل حماية الأطفال الذين ينامون داخل منازل مدمرة ولا تصلح للعيش”.

ويضيف: “أصبحنا على أبواب الشتاء ولا يوجد ما يحمي أبنائي وأحفادي من البرد سوى النايلون والشوادر المتهالكة، والتي لطالما تنقلت معنا من منطقة نزوح إلى أخرى، ولم تعد صالحة لحمايتنا من الشمس أو من مياه الأمطار”.

ويبين السويسي أن “اختفاء مواد البناء من الأسواق في ظل الدمار الواسع في مختلف المناطق، والأضرار العميقة في المباني التي لا تزال قائمة يؤثر بشكل مباشر على استقرار الأسر وسلامة أفرادها وأمنهم، خاصة بعد أن تحولت المباني المتضررة إلى ما يشبه الخرابات المحاطة بالنايلون والشوادر المهترئة”.

ورغم محاولات الأهالي سد الفجوات الصغيرة، تبقى الأضرار الهيكلية الكبيرة من دون معالجة، فلا أعمدة يمكن صبّها، ولا جدران يمكن ترميمها من دون توفر المواد الأساسية، وكل شيء معلّق حتى إشعار آخر، إلى حين صدور قرار يسمح بدخول الإسمنت والحديد، فيما تزيد التقلبات المناخية القاسية من تعقيد المشهد.

عادت الفلسطينية ابتهال محيسن من مخيم المغازي للاجئين في وسط قطاع غزة إلى منطقتها السكنية غربي مدينة غزة، ولم تجد من بيتها سوى غرفة واحدة، بينما تحول باقي المنزل إلى ركام بعد أن استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية محيطه.

وتوضح، أن “الغرفة القائمة شبه صالحة للاستخدام رغم الأضرار الجسيمة، وقام زوجي بتغطية الفجوات بألواح الزينقو وقطع الأخشاب التي جمعها من بقايا الأثاث المدمر، لتصبح مأوى يضم أسرتي المكونة من سبعة أفراد”.

وتقول محيسن: “كان البيت مكوناً من ثلاث غرف، تم تدمير غرفتين والصالون بالكامل، وظلت الغرفة الداخلية فقط، فقمنا بتنظيفها وفرشها لتكون المأوى، وننتظر دخول مواد البناء للبدء بإصلاح ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية”.

بدورها، تشير الفلسطينية ريم مهنا إلى أن “الحصار لا يزال يفتك بأهل غزة بعدما توقفت الحرب التي دمرت أحلامنا وطموحاتنا وكافة تفاصيل حياتنا، والتي تسببت بتدمير أجزاء واسعة من بيتي”،

وتضيف: “تزوجت قبل فترة من بدء الحرب، وكنت أعيش في شقة صغيرة أسفل منزل عائلة زوجي، لكن القصف طاولها، ونحاول منذ عودتنا ترميم الأضرار بما تيسر من أدوات ومواد متاحة”.

تتابع مهنا أن “البدائل الموجودة، كألواح الزينقو والأخشاب والشوادر والنايلون، لا تغني عن مواد البناء، خاصة في ظل اقتراب فصل الشتاء، ونشعر كأننا في حرب لا تنتهي، إذ لا نستطيع حتى توفير كيس إسمنت صغير لترميم الأضرار وسد الفتحات”.

المصدر: العربي الجديد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى