خسارة 200 مليار دولار لبيتكوين خلال أيام من التقلبات الشديدة

شهدت سوق العملات المشفرة واحدة من أكثر فترات تقلبها منذ مطلع العام، بعد أن فقدت حوالي 200 مليار دولار من قيمتها السوقية بين مساء الجمعة وليلة الأحد، نتيجة موجة بيع حادة دفعت بيتكوين إلى كسر مستويات الدعم النفسية المهمة.
بعد أن لامست العملة الأشهر نحو 124 ألف دولار الشهر الماضي، هبطت بسرعة إلى ما دون 112 ألف دولار، قبل أن ترتد جزئيًا يوم الأربعاء لتسجل حوالي 112,581 دولارًا بارتفاع طفيف قدره 0.8%. ووصف المحللون هذا الصعود الأخير بـ”الارتداد الحذر”، مشيرين إلى أن العوامل التي أدت للانهيار لم تتغير، رغم خفض الاحتياط الفيدرالي الأميركي للفائدة ربع نقطة مئوية، حيث شدد رئيسه جيروم باول على أن المسار النقدي المقبل سيظل مرتبطًا بالبيانات الاقتصادية، ما خفّض توقعات المستثمرين في دورة تيسير واسعة تدعم الأصول عالية المخاطر.
في الوقت نفسه، حاولت الأسواق التقاط أنفاسها مع إعلان هيئة الأوراق المالية والبورصات الأميركية قواعد جديدة تسمح بإطلاق صناديق مؤشرات فورية لعملات مثل ريبل ودوجكوين، بتداولات يومية تجاوزت 55 مليون دولار. كما عزّز صندوق “بلاك روك آي بيت” حضوره بحيازة نحو 750 ألف بيتكوين، أي ما يعادل 4% من المعروض العالمي، ما يمنحه نفوذًا كبيرًا في سوق يُفترض أنها لا مركزية، إلا أن هذا النفوذ يبقى سلاحًا ذا حدين: جاذبًا للسيولة المؤسسية من جهة، ومصدرًا لمخاطر التركز في حال حدوث موجة خروج كبيرة.
الخسائر تفاقمت بفعل التصفية القسرية للمراكز ذات الرافعة المالية، إذ أُغلقت عقود بيتكوين طويلة بقيمة قاربت مليار دولار خلال ساعة واحدة فقط مساء الأحد، لتصل إجمالي التصفيات خلال 24 ساعة إلى حوالي 1.7 مليار دولار. وبدأت الموجة بعمليات بيع ضخمة من “الحيتان” على الإيثيريوم، تلتها تفاعلات تقنية مثل تفعيل أوامر وقف الخسارة ودخول خوارزميات التداول، ما أدى إلى ذعر بين المتداولين الأفراد وسرّع الانهيار.
كما تحوّلت السيولة نحو أسواق الأسهم الأميركية، حيث واصل مؤشر ستاندرد آند بورز 500 تسجيل قمم تاريخية، ما دفع مستثمرين وصناديق لتسييل مراكزهم في العملات المشفرة لصالح قطاعات مثل الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة. ووصف المحللون هذا التحول بأنه “إعادة تموضع المحافظ الاستثمارية”، إذ أصبحت العملات الرقمية خزانًا مؤقتًا للسيولة يُسحب منه عند الحاجة.
ويرى الخبراء أن ما يحدث لا يختلف عن دورات تصحيح سابقة لبيتكوين بين 2017 و2021، حين كانت تفقد بين 20 و30% من قيمتها قبل استعادة مسارها الصاعد. واعتبرت المحللة لين تران أن السوق تمر بمرحلة “تصحيح ضرورية” لامتصاص ضغط جني الأرباح وتصفية المراكز المبالغ فيها، ما قد يمهّد لبناء قاعدة سعرية أكثر صلابة إذا توفرت الظروف الاقتصادية المناسبة.
وبينما تبقى القيمة السوقية العالمية للعملات المشفرة عند نحو 3.89 تريليونات دولار، وحجم التداولات اليومية حوالي 162 مليار دولار، يبقى السؤال الأهم للمستثمرين: هل تمثل هذه التراجعات محطة عابرة في مسار صعود طويل الأمد، أم بداية مرحلة أكثر قسوة من “شتاء كريبتو” جديد؟ ويشير المحللون إلى أن التذبذب الحالي قد يكون فرصة لإعادة بناء قاعدة سعرية مستقرة، خصوصًا إذا استمرت مؤشرات الاقتصاد الكلي في دعم الأصول عالية المخاطر، بينما يبقى المستثمرون الأفراد يراقبون السوق بحذر وسط حالة من الغموض وعدم اليقين حول الاتجاه القادم للعملات الرقمية.


