أخبار وتقاريرأدب ولغةمقالاتومضات

الجار الحميد

عامر عواودة- باحث في التراث (كفر كنا)

يقول رجل “كان عندي جار فقير جدًا، وكان يعمل في بيع الخبز في الطرقات، ولا يجني الكثير من المال من باب هذا الرزق البسيط، وهو يعول أسرة كبيرة تعيش من بيع الخبز، ورغم ذلك أراه دومًا سعيدًا مبتسمًا، وكأنه يمتلك كنوز الدنيا”.

فقلت: كيف يستطيع هذا الجار أن يبتسم رغم حالته المادية البسيطة ورغم أن مصدر دخله قليل جدًا؟ أين هي تلك السعادة، لماذا لم أشعر بها حيث أن حالتي المادية جيدة ولدي منزل كبير ولدي رصيد في البنك، وعندي كل ما أحتاجه ولا ينقصني شيء. شعرت بالإحباط وقررتُ أن أعرف ما هو السر وراء سعادته.

يتابع الرجل: انتظرتُ قدوم يوم الجمعة، وكان يوم إجازة رسمية، ثمَّ أفطرتُ مع عائلتي وركبتُ سيارتي وتوجهت الى المكان الذي يقف فيه الرجل (جاري) ويبيع الخبز، ثمَّ بقيت أراقبه من بعيد، وكان لم يبع شيئًا بعد..

وبعد انتظار طويل جاءت طفلة صغيرة، وقام الرجل بوضع الكثير من الخبز بداخل كيس، ثمَّ أخذت الطفلة الخبز ورحلت. صدمتُ كيف يعطيها كل هذه الكمية مجانًا دون أن يأخذ ثمنها وهو لم يبع بعد قطعة واحدة!! بقيت في حيرة، كيف سيكسب المال وهو يقوم بتوزيع الخبز مجانًا رغم أن مصدر رزقه بسيط جدًا.

ولكن المفاجأة الحقيقية حصلت بعد مغادرة الطفلة ببضع دقائق، فقد احتشد الناس أمامه وكأنه لا يوجد بائع غيره وكنت أشاهد وأنا غير مصدق ما يحدث. وكنتُ أتساءل: من أين خرج كل هؤلاء الناس؟!

ثم انتظرتُ حتى باع كل ما لديه. ثمَّ اقتربتُ منه، وقلت له: ما شاء الله، لقد بعت كل ما لديك. أجابني: الحمد لله هذا من فضل الله، هل تريد خبزًا
فقلت له: نعم، ولكن لم يعد لديك المزيد.

أجاب: سوف أعطيك حصتي.

فقلت له: لا بأس سأشتري من مكان آخر، ثمَّ طلبتُ منه أن أوصله إلى المنزل في طريقي للعودة. فأخبرني أنه ينتظر أحدا،

فقلت حسنًا سننتظر معا.

وبعد قليل جاءت تلك الطفلة، وقام بوضع بعض المال في يدها وطلب منها أن تغادر على الفور الى المنزل.

ثمَّ صعدنا الى السيارة وتحركنا. فقلت له: ما قصة هذه الطفلة. أجابني: إنها ابنة صديقي كان يبيع الخبز بجواري، ولكن أصيب بمرض وفارق الحياة تاركًا خلفه أسرة جميعهم من الإناث وذات يوم رأيتُ هذه الطفلة وأختها الكبيرة يبحثان بين القمامة عن الطعام. فسألتهما عن ما يفعلنه، فقالتا لي: انهن لم يأكلن منذ يومين فقررتا جمع بقايا الطعام من القمامة.

قررتُ حينها أن أتكفل بهن بقدر المستطاع. يقول الرجل: تأثرتُ كثيرًا ولم استطع حبس دموعي، وعرفتُ ما سر تلك السعادة، وتعلمت درسا بأنه: “لا ينقص مال من صدقة”. كما جاء في الحديث النبوي الشريف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى