أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتشؤون إسرائيليةمحلياتومضات

كيف يقرأ د. مهند مصطفى المشهد السياسي الإسرائيلي بعد حل الكنيست والتوجه إلى انتخابات خامسة؟

د. مهند مصطفى:


-حاولت الحكومة الإسرائيلية الهروب من المسألة الفلسطينية
ولكن الأخيرة طاردتها حتى سقوطها

-تجربة القائمة المشتركة انتهت.. والقائمة الموحدة أخفقت في تجربتها وعليها الاعتراف بذلك

-أتوقع أن تكون نسبة المقاطعة مثل المرة القادمة على الأقل 45%

 

تتجه المؤسسة الإسرائيلية نحو انتخابات عامة خامسة في غضون نحو ثلاث سنوات. وفي حال المصادقة على حل الكنيست بالقراءات الثلاث، الأسبوع المقبل، ستجري الانتخابات العامة للكنيست في موعد بين نهاية تشرين الأول/ أكتوبر وبداية تشرين الثاني/ نوفمبر المقبلين.

ويُرجَّح أن تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية خلال الأشهر المقبلة التي تسبق الانتخابات المرتقبة، تطوّرات هامّة وتجاذبات بين الأحزاب والكتل المتنافسة على مقاعد الكنيست.

للحديث عن مستجدات المشهد السياسي الإسرائيلي في ظل المتغيرات المتلاحقة وتجربة القائمة المشتركة والقائمة الموحدة- الشريك في الائتلاف الحكومي-، أجرت موطني 48″ هذا اللقاء مع الدكتور مهند مصطفى- رئيس قسم التاريخ في المعهد الاكاديمي العربي في الكلية الاكاديمية بيت بيرل، ومدير عام مركز مدى الكرمل.

طه اغبارية

موطني 48: إلى أين يتجه المشهد الإسرائيلي بعد المستجدات الأخيرة؟

مهند: على الأغلب ستكون هنالك انتخابات في تشرين الأول- أكتوبر، وهي الخامسة خلال أقل من ثلاث سنوات. وهو أمر غير مسبوق في النظم البرلمانية، حتى أكثرها اهتزازا مثل: إيطاليا واسبانيا واليونان. فإسرائيل تجاوزت هذه الدول بمعدل إجراء انتخابات في فترة زمنية قليلة، مع العلم أنه منذ العام 1988 لم تكمل حكومة إسرائيلية مدتها القانونية. وأظن أن الانتخابات المقبلة ستكون حاسمة.

موطني 48: لماذا ستكون حاسمة؟

مهند: هذه المرة، سيكون الخيار إمّا حكومة برئاسة نتنياهو أو انتخابات سادسة، الخيارات الأخرى ضعيفة، وربما غير موجودة. قوائم الائتلاف الحالي لا تصل حتى إلى 55 مقعدا، بينما قوائم معسكر نتنياهو تصل إلى 60 مقعدا، وهذا يعني أن معسكر نتنياهو قد يصل إلى 61 مقعدا، ولكن، حتى لو وصل إلى 60 أو حتى 59 مقعدا فلا يزال هنالك خيار ضم كتلة من كتل الائتلاف الحالي، مثل حزب “يمينا”، أو حتى “أزرق-أبيض” (كحول لفان). الخيار المعاكس غير وارد، فلن تنضم كتلة من معسكر نتنياهو لكتل الائتلاف الحالي لتشكيل حكومة.

موطني 48: هل يمكن أن ينضم غانتس مرة أخرى لحكومة نتنياهو بعد أن خدعه الأخير قبل ذلك؟

مهند: الأمر وارد جدا، فالثقافة الديمقراطية وحتى السياسية في إسرائيل هي من أسوأ الثقافات في النظم البرلمانية الأوروبية. ومع ذلك أرجح أن يوافق غانتس إذا تمّ التوجه إليه وذلك لسبب مركزي وأساسي، هو أن غانتس عمل خلال العام الماضي بمثابرة على التحضيرات العسكرية، وبناء الجيش ومنظوماته الدفاعية والهجومية والتسليحية لمواجهة إيران. عمل غانتس كوزير دفاع مستقل في حكومة لها ثلاثة رؤوس هو واحد منها، فهو لن يضيع هذا الإنجاز ويعطيه لنتنياهو أو لوزير دفاع جديد. وسيكون مبرره استمرار التحضير لضربة عسكرية شاملة على إيران، وإنقاذ الديمقراطية من حزب “الصهيونية الدينية” التي ستكون في حكومة نتنياهو القادمة، وهو أيضا سيكون مُبرر حزب “يمينا”. ولكن ليس من إنقاذ الديمقراطية، بل لمنع انتخابات سادسة.

موطني 48: لماذا فشلت الحكومة؟

مهند: هذه الحكومة جاءت لهدف واحد، وهو منع نتنياهو من تشكيل حكومة، وهذا كان السبب الأساس في الحفاظ عليها في بداية الأمر، وكان سببا في دفع كتل متباينة سياسيا وايديولوجيا للتحالف في حكومة واحدة. وبالفعل نجح هذا العامل لفترة في الحفاظ على الحكومة، ولكنه لم يكن كافيا مع اصطدام الحكومة بمسائل هامة، مثل سؤال الدين والدولة، والسياسات الاقتصادية، وأهمها المسألة الفلسطينية، ولاحظ كلما هربت الحكومة من هذه المسألة لاحقتها. لا يمكن تغييب الفلسطيني، وحتى غيابه هو حضور. وعمليا فإن المسألة التي اسقطت الحكومة هو التصويت على قانون المستوطنين. والمفارقة هنا، أن هذا القانون كان يتم تجديده كل خمسة أعوام دون أن يثير نقاشا، وحتى المعارضة كانت تصوت عليه، كان أمرا روتينيا. هذه الحكومة التي حاولت تغييب حقوق الفلسطينيين أو الهرب من المسألة الفلسطينية للحفاظ على تماسكها، رغم انها استمرت بالاستيطان، أسقطها قانون لم يسمع عنه الإسرائيليون، أو لم يلاحظوا وجوده. حاولت الحكومة الهروب من المسألة الفلسطينية، ولكن الأخيرة طاردتها حتى سقوطها. وهنالك أسباب أخرى لسقوط الحكومة، وهو ما عرف بالثقافة السياسية الإسرائيلية، بظاهرة “التحصين” في القوائم، والمفارقة أن الذين تمردوا على الحكومة هم أعضاء كنيست دخلوا قوائمهم عبر التحصين، لا سيّما في حزب يمينا، وأيضا ميرتس والقائمة الموحدة. هم أعضاء لم يمارسوا العمل الحزبي، ولم يجربوا الحراك الحزبي التنظيمي الداخلي، والتزامهم بحركاتهم هو هشّ، وقابليتهم للتأثر بالضغط الخارجي هو أكبر من ضغط التنظيم الحزبي وقراراته.

ولكن لا يمكن إنكار سبب جوهري أخر، فكون الحكومة جاءت لمنع نتنياهو من تشكيل حكومة، وقبلت مركباتها أن تكون في حكومة مع قوائم متباينة عنها سياسيا وايديولوجيا، هذا دفع كل قائمة للعمل على تحقيق إنجازات لها للتعويض عن هذه الشراكة، وأصبحت الحساسية بينها أكبر من حساسية مركبات في حكومة أخرى، فاليمين يريد الاستيطان للتعويض عن وجوده مع ميرتس مثلا، وليبرمان يريد تقليص ميزانيات المتدينين بشكل متطرف للتعويض عن جلوسه مع القائمة الموحدة، والأخيرة تريد إنجازات للمجتمع العربي للتعويض عن جلوسها في حكومة كانت معادية للفلسطينيين والمسجد الأقصى بسلوكها اكثر من الحكومة السابقة وهكذا. عقدة التعويض هذه تفاقمت، فأصبح امتناع أعضاء وقوائم من الائتلاف الحكومي نفسه عن التصويت ضد قرارات حكومية أمرا غير مسبوق بالنظام السياسي الإسرائيلي بكثافته، ففشلت الحكومة في تمرير قوانين بصورة لم تكن موجودة في أي حكومة في تاريخ إسرائيل.

موطني 48: لماذا بادر بينيت ولبيد لحلّ الكنيست؟

مهند: جاء القرار بحلّ الكنيست بعد أن أدركا-بينيت ولبيد- أن الحكومة لا تستطيع إدارة الائتلاف الحكومي في ظل التركيبة الحالية، وقد فشلت الحكومة في تمرير قانون المستوطنين، وهي المرة الأولى التي تفشل فيها حكومة بتجديد القانون منذ عام 1967. وقد حاولت تجاوز الأزمة الحالية من خلال الضغط على أعضاء كنيست للاستقالة من الكنيست، لكن هذه المحاولات فشلت أيضا. كما أعلن عضو الكنيست عن حزب “يمينا”- أورباخ- عن امتناعه عن التصويت مع الحكومة في الكنيست، وهذا يعني عمليا فشل الحكومة حتى في تمرير قوانين عادية، لا سيّما وأن المعارضة اتخذت قرارا بالتصويت ضد كل اقتراحات القوانين التي تعرضها الحكومة، حتى لو لم تعارضها مبدئيا، وذلك لإظهار ضعفها وعجزها وعدم قدرتها على إدارة شؤون الدولة. ولا شك أن بينيت ولبيد اتخذا هذه الخطوة الاستباقية من أجل تحقيق هدفين: الأول: منع المعارضة برئاسة نتنياهو من طرح قانون حلّ الكنيست، وبذلك كان يمكن أن تكون المبادرة لحلها من المعارضة، مما يضاعف من فشل الحكومة. لذلك فإن مبادرتها لحلّ الكنيست يضعها في موقع سياسي أفضل بالمقارنة لو جاء الاقتراح ونجح من المعارضة. الثاني: منع نتنياهو من تشكيل حكومة بديلة في ظل الكنيست الحالية، خاصة وأن الليكود مارس ضغوطات على النائب نير اورباخ من حزب “يمينا” لدعم مثل هذه الحكومة، من خلال حجب الثقة عن الحكومة الحالية.

موطني 48: ما مصير القوائم العربية؟

مهند: اعتقد أن تجربة القائمة المشتركة انتهت، حتى لو تم الحفاظ على هذا الاسم في الانتخابات القادمة، فهو لسبب دعائي، فالقائمة المشتركة كما ظهرت فكرتها عام 2015 انتهت. كل حزب الان يقوم بحسابات مغايرة للانتخابات القادمة، عن تلك الحسابات التي فرضت نفسها في إطار القائمة المشتركة. الجبهة تفكر الآن بشكل مختلف، وكذلك التجمع، وحتما القائمة الموحدة، التي أخفقت في تجربتها وعليها الاعتراف بذلك، بغض النظر عن الأسباب. أتوقع نسبة مقاطعة ستكون مثل المرة القادمة على الأقل (45%)، وأتوقع أن تفرض الجبهة شروطها على مركبات القائمة المشتركة، لتكون في الحقيقة قائمة الجبهة وحلفائها، وليس القائمة المشتركة، حتى لو سُميت بهذا الاسم. في المجمل كل هذه التجربة تحتاج الى مراجعة، فالقائمة المشتركة هي التي انتجت أو شجعت نهج منصور عباس، ولا يمكن لها التنصل من ذلك مهما حاولت، والقائمة المشتركة ساهمت في ردة في الخطاب السياسي الفلسطيني في الداخل، وأضعفت حزبا هاما مثل التجمع الوطني، دون تجريد الأخير من مسؤوليته عن ذلك.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى