فاطمة الزهراء السعدي.. فلسطينية مبدعة في فن الرسم تتحدث لـِ “المدينة” من لبنان: حوّلت المعاناة إلى لوحات تعبيرًا عن ارتباطي بقضيتي الفلسطينية
حاورها: أحمد حازم
رئيسة وزراء إسرائيل السابقة غولدا مائير قالت ذات يوم عن الفلسطينيين: “الكبار يموتون والصغار ينسون”. صحيح أن الأجداد انتقلوا إلى جوار ربهم، لكن الأجيال الفلسطينية المتعاقبة لم تنس أبدًا وطنهم وبالعكس من ذلك، فكل جيل كان يسلم الأمانة للجيل التالي. والرسامة الفلسطينية فاطمة الزهراء السعدي خير مثال على ذلك. فبالرغم من أنها لم تُكمل بعد سن السادسة عشر، إلا أن المستمع إليها يشعر بوضوح عمق تفكيرها وتعلقها بالقضية الفلسطينية. الفتيات أمثالها يندرجن تحت إطار (قاصرات) كونها لم تبلغ بعد الثامنة عشر من العمر. لكن فاطمة الزهراء تختلف عنهن كليًا فهي ليست قاصرة تفكيريًا، بل إن قدرتها الكلامية أكبر بكثير من سنها. تتحدث عن فلسطين وشعبها برسوماتها التي نالت شهرة واسعة في لبنان. تستخدم صياغات وعبارات وكأنها عاشت النكبة فعلًا وليس قراءة. فمن هي هذه الفتاة المبدعة في فن الرسم.
في هذا اللقاء الأول على صعيد فلسطينيي ألـ 48 تتحدث المبدعة فاطمة الزهراء لـ “المدينة”:
المدينة: في البداية قدّمي نفسك للقراء؟
فاطمة: أنا اسمي فاطمة الزهراء محمد قاسم عبدالمجيد السعدي، أبلغ من العمر 16 عامًا، وُلدت في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين شمال لبنان، فأنا فلسطينية الدم والعروق من عائلة آل السعدي الأشراف، وأنحدر من والدين فلسطينيين، أمي من بلدة الدامون، وأبي من صفورية. منذ نعومة أظافري وبداية نشأتي في المخيم، عشت طفولة تعتصر ألمًا وتحديات جسيمة وعصيبة. ففي السنة التي ولدتُ فيها كانت حرب تموز 2006، ثم بعدها بعام دُمّر مخيمي عام 2007 في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل وكنت وقتها أبلغ السّنة من عمري، طفلة صغيرة في حضن والدتها وحنان أبيها، لكنّ ذلك الحنان لا أذكره، ولا أذكر ضحكات والدي يوم كان يلاعبني بين ذراعيه، لقد أسرت السلطات اللبنانية يومها والدي، وهو منذ آب 2007 حتى اليوم وهو بعيد عني لكنه قريب مني كل القرب، بروحه ودعمه ومساندته لي إن كان من خلال الزيارة أو الاتصال. نعم، لقد تربيت وترعرعت في كنف أسرة ربّها مظلوم ومُبعد في غياهب السجن، لكنني قطعت عهدًا على نفسي أن أواصل المسير وأن لا ايأس وأن اكافح هذه الحياة التي ظلمتني وظلمت اسرتي.

المدينة: كيف بدأت حياتك مع الرسم؟
فاطمة: درست واجتهدت وتفوقت ونلت المركز الأول في جميع مراحل دراستي داخل مدارس الأنروا في المخيم، وأنا الآن أتابع تعليمي في الصف العاشر، كنت ولا زلت طموحة ونشيطة في مجال النشاطات الصيفية والتخييم. منذ صغري وأنا دائمًا أحب ان اشارك في النشاطات والرسومات الصيفية للمواد التعليمية، ودائمًا ما أحظى على أفضل رسمة أو نشاط لأية مادة، وبدعم وتشجيع من معلماتي وثناء امي واخوتي على رسوماتي هذا شجعني أكثر على أن التقط الريشة وأحاول بكل ما اوتيت من عزيمة وقوة رسم الطبيعة والوجوه، ورسم بلادي ومعاناة شعبي. فأنا عندما ألتقط الريشة والقلم تسبح روحي بهما في سماء الخيال، ومحاكاة الواقع الأليم على ورقة الرسم، أستشعر نشوة إبداع العقل مع ترانيم أناملي التي حملتني كقوس قزح في كل الرسومات وبين كل المتسابقين في أي مركز او نشاط مدرسي، كنت دائمًا متميزة برسوماتي.
المدينة: هل تعلمت الرسم في معهد أو مدرسة خاصة؟
فاطمة: يقال: “إن في كلّ محنة منحة”. فلقد منحتني هذه الموهبة ثباتا ومحبة وقبولا في مجتمعي، لقد شاركت بعدة مسابقات رسم وكانت كلها محاولات مني ومن موهبتي الربانية بالفطرة، لم أجد مركزًا يعطي دروس تنمي الرسم، ولا حتى في مدارس الانروا، لا يوجد حصص رسم بمعلم مختص في هذا المجال، إنما كانت أناملي تخط الرسم من داخل روحي الجريحة حتى عانقت الفوز والتألق.
المدينة: حدثينا عن الجوائز التي حصلت عليها؟
فاطمة: لقد حصدت جوائز وشهادات تقدير منها- مسابقة أفضل موهبة فلسطينية/ شمال لبنان في ديسمبر 2021 وحصلت على شهادات تقدير في مسابقات رسم عديدة في مركز غسان كنفاني عن الوطن والغربة، والتراث خلال أعوام 2015-2016-2017 ومسابقات رسم في مدارس الأنروا خلال دراستي فيها. أمّا بالنسبة لمشاركتي في مسابقة “أفضل موهبة فلسطينية في شمال لبنان”، كانت بدايتها بتشجيع من عمتي التي دائمًا تدعمني وتساندني وتشجعني على الرسم، وعلى المشاركة في هذه المسابقة وغيرها. وحسنًا فعلت، فقد حصلت على أفضل موهبة، وحصدت محبة كبيرة وتشجيع وشهرة عبر وسائل التواصل، وهذا ما زاد فخر والدي وعائلتي بي.
المدينة: كيف تنظرين إلى فن الرسم؟
فاطمة: هذه الموهبة في الرسم، ما هي إلا تفجير لطاقة مكبوتة في داخلي، طاقة قهر واحساس بظلم عظيم يكابد الروح. فأنا أنظر يمينًا، فأرى بلادي مسلوبة مغتصبة، تعاني ويلات ظلم الاحتلال وغدر إخوانها بها من العرب، وأنظر يسارًا فأرى والدي مظلومًا في غياهب السجون اللبنانية بعيدًا عني يناشد الحرية والعدل ولملمة جراح عائلته.
أنظر امامي، فأرى آثار دمار حرب فتكت بشعبي وأهل مخيمي، الذين لا يزالون يعانون منها حتى هذا اليوم، وأنظر خلفي، فلا أجد ذاكرة طفولة متنعمة، فما أذكره أني عانيت طفولة مشردة “بدون أب” كانت ذكرياتي بئيسة، لعينة ودموع أمي كل ليلة وهي تحترق على فراق أبي.
المدينة: أمنيتك في الحياة؟
فاطمة: زاد إصراري على تحويل هذا الويل والمعاناة إلى لوحات ورسومات متنوعة أجد فيها متعتي وقوتي وصبري على مكابدة الصعاب حتى احصل على ما أريد من هذه الحياة، أنا أتمنى أن أصبح طبيبة، أداوي آلام شعبي وأبنائه، وأريد أن أنمي واطور موهبتي في الرسم وأن احصل على مرسم خاص بي تتوفر فيه كل احتياجاتي لأداء موهبتي، فهي الحياة الثانية التي أهرب إليها من سجن الحياة، وظلمها. لكن هذه الموهوبة، تتمنى أن تحصل على فرصة خارج هذا البلد الذي ظلمها وظلم أهلها وسلبها أغلب حقوقها كإنسانة. أريد ان اتابع تعليمي العالي في بلد يحتضنني ويؤمن بقدراتي وموهبتي حتى أكون إنسانة حرة تسعى لتغيير العالم نحو الأفضل، ومقاومة الظلم والاضطهاد بالشعوب، ولأحارب من أجل بلادي بعلمي ورسوماتي. سأحمل القلم بيميني والريشة بيساري، وسأمضي بهما مسيرة حياتي نضالًا وكفاحًا حتى التحرير وعودة القدس الشريف. ولأن الرسم يشبه النسيان، سيبقى للأبد عشيقي، حزينة يسعدني، باكية يواسيني، فاقدة يعوضني، وحيدة يرافقني.



