أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالاتومضات

انزعجْ ولا تستغرب يا صديقي…

توفيق محمد

انزعج صديقي العزيز كثيرا من صمت القائمة العربية الموحدة إزاء الاقتحامات الاحتلالية الأخيرة للمسجد الأقصى المبارك التي انعطفت كثيرا في الأسبوع الأخير، الى ناحية تغيير الوضع القائم بشكل عملي في الأقصى، فالمقتحمون الذي كانوا بالآلاف هذه المرة رفعوا العلم الإسرائيلي داخل ساحات المسجد، وأدوا الصلوات التلمودية هناك، ما يشير إلى تجاوز خطير لكل ما “التزمت”!- ولو قولا- به الحكومات الإسرائيلية منذ احتلال الأقصى في العام 1967 إلى الآن، فكلها التزمت بالحفاظ على ما يعرف بـ “ستاتوس كفو” أي الواضع القائم، وكلها خرقت هذا الوضع بصورة أو أخرى، ليس المجال لتفصيلها هنا، لكن هذه الحكومة التي التزمت مركباتها المتناقضة بالابتعاد عن كل المختلف عليه، وبالذات في الجانب السياسي على مستوى قضية شعبنا الفلسطيني، فلا تقوم بإنشاء مستوطنات جديدة، أو ضم أراض فلسطينية، وهو ما يتوافق مع سياسة الجناح اليميني فيها، ولا تتقدم على مستوى المفاوضات مع السلطة الفلسطينية باتجاه الدولة الفلسطينية، وهو ما يدعيه الجناح اليساري، وتكتفي بحل مشاكل الدولة على مستوى السياسة الداخلية الاجتماعية والاقتصادية ….، هذه الحكومة بهذه المواصفات خرقت المتفق عليه ليس فقط على مستوى الائتلاف الحكومي فحسب، بل على المستوى الدولي العام، فاتفاق الوضع القائم يضمن للملكة الأردنية الهاشمية حق الوصاية والإدارة للمسجد الأقصى المبارك دون منازع، وهي أي الأردن مطالبة بممارسة هذا الحق على أرض الواقع فعلا وعملا.

لكن في العودة إلى الحكومة الإسرائيلية الحالية، فإنها مع التزام مكوناتها بما ذكرت آنفا إلا أنها في مسألة واحدة تمثل الإجماع الصهيوني، أعطت الضوء الأخضر لجماعات الهيكل المزعوم، وهم مَنْ جاء رئيس الحكومة الحالي من محيطهم الواسع، ليس أن تقتحم الأقصى فحسب، بل أن تقوم برفع العلم الإسرائيلي وأداء الصلوات اليهودية، وممارسة الطقوس الدينية المختلفة على أبواب وفي داخل ساحات المسجد الأقصى المبارك في إشارة إلى فرض السيطرة على المسجد الأقصى مما يعتبر تغييرا صريحا وتجاوزا خطيرا للوضع القائم ويضع المسجد الأقصى في دائرة الخطر الكبير والمباشر.

صديقي العزيز المنزعج أصلا من مشاركة القائمة الموحدة في الحكومة، منزعج جدا من عدم قيامها-بما أنها هناك- باستغلال أوراق ضغطها، كونها تستطيع إسقاط هذه الحكومة، ولو بالمناورة باشتراط التصويت على الميزانية الوشيكة بوقف الانتهاكات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، بل منزعج من عدم سماع موقف لممثليها في هذه القضية.

بعيدا عن النقاش المثري مع صديقي العزيز، فأنا لم أستغرب مما استغرب هو منه، لأن القائمة العربية الموحدة يوم قررت المشاركة في انتخابات الكنيست في دورتها الأخيرة أعلنت صراحة أنها تريد أن تضع جانبا كل المسألة الفلسطينية لصالح الاهتمام بقضايا “الوسط العربي” كما قالت، وعليه كان تصريح عضو الكنيست وليد طه حتى قبل ان يُنتخب للكنيست وهو ما يزال مرشحا أنه: “لن يكون دعمنا لحكومات اليمين بالمجان”، وهي كانت أستاذة المكونات الحكومية الحالية بوضع كل المُختلف عليه سياسيا جانبا لصالح العمل على حل المشاكل الداخلية للدولة وقبولها بتركيبة حكومية هجينة، وعليه وإن كنت مستهجنا ومستنكرا وغاضبا من كل الأداء السياسي المخجل لها بدءا من المشاركة في انتخابات الكنيست وصولا إلى ما وصلت إليه الآن، لكنني لست مستغربا له، بمعنى أن هذا هو المُتوقع منها، لأنها أعلنت سلفا أن كل اهتمامها سينصب فقط على القضايا المطلبية لـ”الوسط العربي” كما قالت.  يا صديقي عليك أن تدرك، واظنك كذلك أن كل شيء في حياتنا له أسعار وأثمان، فلا يمكنك أن تكون إلى جانب قضايا شعبك المختلفة بإخلاصٍ وتفانٍ ومبدئيةٍ، ثم تكون في نفس الوقت في الجانب الآخر من المتراس، لا يمكن الجمع بينهما، إما أن تكون هنا أو أن تكون هناك، إما أن تحمي الأقصى بما تملك من وسائل معنوية وإعلامية وسياسية ووجودية وإرادية (من الإرادة) وإما ان تبقى تلهث خلف فتات “مليارات” ! و”قرارات”! وخطط لـ “مكافحة” الجريمة والعنف الآتية أصلا من مدرسة السكوت عنها بل التواطؤ معها.

يا صديقي للمواقف أثمان تُدفع، منها ما يجعل أصحابها خلف القضبان لكنهم أحرار في ضمير ووجدان شعوبهم وأهلهم، ومنها ما يجعلهم أسرى في كل منبر إعلامي يتأتئون وهم يبررون بقاءهم في ائتلاف يقتل يوميا أهلهم في الضفة والقدس، ويقتحم الأقصى ويرفع أعلامه في ساحاته ويؤدي الصلوات اليهودية داخله ويمكن أن يشن حربا على غزة، ويمارس كل الموبقات إلى درجة أن يسعى لشراء شعبنا الفلسطيني بالمال وفق ما أسماه السلام الاقتصادي مقابل التنازل عن الوطن المستقل.

أليس الأفضل لحكومة من هذا القبيل وجود مكون من مكونات ائتلافها تعرِّفه باسم الحركة الإسلامية لتمرير كل بوائقها بختمه وتوقيعه!!! وهو يبرر ذلك بمصلحة ناخبيه و”وسطه العربي”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى