معركة الوعي (64): حصاد الخيبة…! ستظلون أداة في اللعبة وستبقون خارج اللعبة
حامد اغبارية
تحاول أحزاب الكنيست العربية اللعب في الوقت الضائع وفي الهامش الضيق الذي تبقّى لها، بعد مسلسل الخيبات التي مُنيت بها، وذلك في محاولة لإنقاذ ماء الوجه أو ما تبقى منه. والحديث عن جميع الأحزاب بلا استثناء، سواء تلك التي هنا أو تلك التي هناك، إذ لا فرق بين هذا وذاك، فكلهم في الكنيست سواء: هذا الذي “يصارع” كتلة نتنياهو، أو أولئك الذين “يصارعون” كتلة بنيت- لبيد، وحالهم كحال الذي يصارع طواحين الهواء وسيفه من خشب.
إن المبدأ الذي يمثل الحقيقة الدامغة هو أن الكنيست والمشاركة فيها (تصويتا وترشيحا) لم يثبت أنه حقق شيئا ذا وزن لفلسطينيي الداخل، ولم يرفع لهم شأنا ولم يحفف عنهم معاناة ولم يُرجع لهم حقا، بل أكثر من ذلك؛ أغرقهم في مستنقع التنازلات والاندماج القبيح والأسرلة، دون أي مقابل، وهذه وصمة على جبينهم، إن لم يروها اليوم فسوف تحرق جباههم غدا.
تسعى أحزاب الكنيست العربية أن تقنع الجمهور الفلسطيني في الداخل بأنها هذه المرة يمكنها أن تحقق إنجازات ذات ثقل من خلال ارتباك المشهد السياسي الإسرائيلي وفشل أي من الأحزاب الصهيونية في تشكيل حكومة جديدة يمكنها الاستمرار أكثر من سنة ونص السنة. ولكن الجمهور في الداخل الفلسطيني بات على قناعة أنه لن يحصد من وراء ذلك إلا العلقم، وسيرجع خالي الوفاض مائل الخُرج لم ينله سوى الانتظار الطويل تحت الشمس الحارقة…
لو تجاوزتنا مسألة المشاركة في الكنيست من الناحية المبدئية (وهي بالنسبة لنا مسألة محسومة أصلا، إذ أننا على قناعة بأن المشاركة في الكنيست هي أحد أهم أسباب ما نعاني منه من تراجع في كل شيء وعلى مختلف المستويات) فإن تسويق الوهم بإمكانية تحقيق ما يقولون للجمهور بأنه إنجازات غير مسبوقة هو بحد ذاته مصيبة، غذ أنه ليس له رصيد على أرض الواقع. مجرد كلام في الهواء وفقاعات سرعان ما سنفجر بصمت مخيب للآمال.
ولقد سمعنا هذا الكلام وأكثر في محطات سابقة. سمعناه أيام الكتلة المانعة عام 1992، التي ما يزال أصحابها يتغنّون بها وكأنها نصر من الله وفتح مبين، ولم تكن في حقيقتها سوى واحدة من ألعاب السياسة الإسرائيلية القذرة التي شكل فيها العربي مجرد أداة. كانوا (وما زالوا) أداة في اللعبة، لكنهم ظلوا وسيظلون خارج اللعبة…
في عام 1992 بعد فوز حزب العمل الصهيوني برئاسة مجرم الانتفاضة يتسحاق رابين، ورغم كل الدماء التي سفكها، والعظام التي هشّمها، ورغم انتهاك جيشه ومجرمي مستوطنيه حرمات البيوت الفلسطينية، إلا أن “جماعتنا” قرروا منحه كتلة مانعة بحجة عدم تمكين اليمين من تشكيل الحكومة، وكأن رابين هو أبو اليسار وأمه، وكأن اليسار هو طوق النجاة وشاطئ الأمان. وحظي رابين بدعم كتلة الجبهة (3 أعضاء) وكتلة حزب دراوشة (عضوين). وقد شهد ذلك الفيلم الحروق يومها مشاهد عبثية كان بطلها أرييه درعي الذي انضم إلى حكومة رابين ليشكل معه 67 عضوا، وكان يمكنه الاستغناء عن الكتلة المانعة. ولما اتضح الأمر وأبلغت الجبهة رابين أنه لم يعد بحاجة إليها، وقعوا في الفخ الذي نصبه لهم درعي حين أعلن أنه لن يكون الوحيد الذي سيدعم حكومة رابين. وتتذرع الجبهة إلى اليوم بأنها وجدت نفسها أمام خيار اللامفر وصوتت إلى جانب الحكومة!!! وهذه هي المشكلة أصلا… فما معنى اللامفر هذه؟ ولماذا لم تكن هناك خيارات أخرى؟ الجواب: أنت أداة في اللعبة ولكنك خارج اللعبة. بل وأكثر ما يثير الضحك في ذلك المشهد التراجيدي المضحك أن الكتلة المانعة قدمت نفسها على أن العلاقة مع حكومة رابين كانت نديّة، كما يقول أحد كتاب الجبهة ومروجي نظرياتها السياسية. وهذا طبعا أبعد ما يكون عن الحقيقة، والعبرة في النتائج. فلا بعرٌ ولا بعير ولا أثرٌ ولا مسير. وفي النهاية فإن الكلمة الأخيرة تكون في اختبار النتائج، فما الذي تحقق من وراء تلك الكتلة المانعة؟؟
يقول عبد الوهاب دراوشة في مقابلة له غداة انتخابات 2019، وعشية التوصية أمام رفلين للمرشح لتشكيل الحكومة، استقتل الرجل وهو ينصح المشتركة بالتوصية على مجرم الحرب غانتس، قائلا إنه قد يكون رابين (2): وضعنا شروطا لرابين منها كذا وكذا وكذا..”..
وماذا أخذ هؤلاء من رابين؟ يقولون إنهم نجحوا في تجميد مشروع الاستيطان في جبل أبو غنيم، وإلغاء قانون الإرهاب الذي يمنع التواصل مع منظمة التحرير والاعتراف بالقرى غير المعترف بها في النقب وملف التعليم… الخ..
أما مشروع الاستيطان في جبل أبو غنيم في القدس فقد توقف لأقل من سنتين، ثم نفذته حكومة الليكود… يعني أنهم لم ينجحوا في وقف الاستيطان، وفي التالي التجميد ليس عملا بطوليا، فقد كان نتنياهو يجمد مشاريع استيطانية دون كتلة مانعة ودون “شحار بين”!!
أما السماح باللقاء مع ممثلي منظمة التحرير فقد كان هذا حلم رابين الذي أسقط المنظمة في قاع مستنقع المشروع الصهيوني، وهي إلى الآن تتمرغ هنا.. أما قانون الإرهاب فقد أصبح اليوم أوسخ من ذي قبل. وأما القرى فلم يعترف بها أحد، وأما التعليم فالملف أمام الجميع، وهو في حالة يرثى لها، وكذلك الاقتصاد والبطالة والخدمات الصحية والبنى التحتية والسلطات المحلية والحريات الشخصية وحرية التعبير عن الرأي والتضييقات والملاحقات السياسية والقوانين العنصرية..
فإن كان الذين دعموا رابين بكتلتهم المانعة قد حققوا هذا كله، فلا حاجة اليوم إلى كل هذه الجهود العابرة للقارات من أجل تحقيق نفس الأمور التي جرى الحديث عنها عام 1992. وإن لم تكن تحققت في أجواء أكذوبة أوسلو، فهل يظن عاقل أو متدبّر أنها يمكن أن تتحقق الآن؟
أيها السادة لن تحققوا شيئا، وستبقون أداة في اللعبة، لكنكم ستبقون خارج اللعبة..



