الاقتصاد الإسرائيلي في ظل التطبيع الإماراتي
د. أنس سليمان أحمد
هي تغريدة واحدة من الرئيس الأميركي هزّت العالم العربي والإسلامي بل مجتمعنا في الداخل، وكان مفاد هذه التغريدة: “توصُّل الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل إلى اتفاق سلام وصف بـ “التاريخي” يسمح للبلدين بتطبيع العلاقات بينهما”، ضجت وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بكل تعابير الرفض، فيما صفق عدد من الدول، وبينها بلدان تستعد للدخول في تجربة مماثلة.
ولكن، هذا الاتفاق يأتي في ظل أزمة كبيرة يواجهها كل من الاقتصادين الإسرائيلي والإماراتي، وبالذات الاقتصاد الإسرائيلي الذي يواجه انكماشاً حادا، أدى إلى انهيار كبير وغير مسبوق منذ 40 عاما، إذ انخفض الإنتاج الاقتصادي الإسرائيلي بنسبة 28% خلال الربع الثاني من هذا العام قياساً بالربع الأول، وفقاً لمعطيات نشرتها دائرة الإحصاء المركزية.
وكان لأزمة كورونا تأثير على جميع المركبات الأساسية للناتج القومي الإسرائيلي، كما أن الإستهلاك الشخصي تراجع إلى 43.3% قياساً بالفترة ذاتها من العام الماضي، علاوة على قفزة كبيرة في سوق البطالة إذ وصل إلى 23.5 % ومن المتوقع ان تزيد مع نهاية هذا العام.
وبيّنت العديد من التقارير أن ما يقارب 65% من الشركات الصغيرة في مجال التكنولوجيا تتوقع توقف أعمالها في الأشهر الستة المقبلة.
وعليه فإن إسرائيل ستكون المستفيد الأكبر اقتصادياً من هذا التطبيع من حيث ضخ الأموال الإماراتية إليها، إذ إنها تتذيل قوائم تصنيف منظمة الاقتصاد الأوروبية الإسرائيلية.
فبهذا التطبيع ستكتمل أضلاع المثلث الذهبي، فقد كان ضلعاً غائباً وهو المال الخليجي، فمن الأضلاع التي كانت في حوزة إسرائيل قبل هذا التطبيع كل من مصر والأردن، وحتى مع الفلسطينيين أنفسهم، ومع وجود هذا التطبيع الاماراتي اكتملت الأضلاع؛ فقد كان حلم إسرائيل دائما هو إقامة مثلث ذهبي للعلاقات مع الدول العربية تكتمل فيه ثلاثة أضلاع هي التكنولوجيا الإسرائيلية، والمال الخليجي، والكم العربي.
فالتطبيع مع الإمارات سيفتح السوق الإماراتية والخليجية للمنتجات الإسرائيلية من خلال منطقة جبل علي التي تمثل أكبر مركز لإعادة التصدير في العالم العربي، كما سيفتح خزانة رؤوس الأموال الخليجية لتمويل مشروعات في إسرائيل، أو بالمشاركة معها في الإمارات، وكذلك التمويل من خلال سوق ناسداك دبي للأوراق المالية، الذي تستطيع حكومة وشركات إسرائيل أن تستخدمه في إصدار سندات لتمويل كافة الأنشطة الاقتصادية باكتتابات من البنوك الإماراتية والخليجية.
فالإمارات وفق خفايا هذا التطبيع ستضخ حصة من استثمارات صناديقها السيادية في قطاعات الاقتصاد الإسرائيلي، خصوصا في شركات التكنولوجيا الرائدة المتعطشة أصلاً إلى التمويل.
فكما هو معلوم فإن الإمارات تشغل أكبر حجم من الأصول الاستثمارية العربية في الخارج من خلال صناديق وهيئات الاستثمار الحكومية، إذ يصل مجموع قيمة الأصول الاستثمارية للإمارات وفقاً لبعض خبراء التمويل بنحو 1.2 تريليون دولار بما يعادل 14.6 % من قيمة كل أصول صناديق الاستثمار السيادية في العالم.
هذا يعني بأنَّ ثروات العرب سوف تتدفق نحو إسرائيل، لأن أبوظبي تمتلك واحداً من أكبر صناديق الاستثمار السيادية في العالم مما يُحدث تأثيراً مهماً لدى الدولة هنا، الأمر الذي سيؤدي إلى إنقاذ الاقتصاد الاسرائيلي من الانهيار وبأموال عربية.
كما أن إسرائيل ستستفيد من نفط الإمارات والذي يمثّل 6% من نفط العالم، فاليوم تستورد إسرائيل النفط من المناطق الكردية في العراق وذلك عبر تركيا، وهذه المسافة تعمل على رفع أسعار النفط، فكما هو معلوم فإن المسافة تدخل في مكونات الإنتاج، وعليه هذه فرصة اقتصادية واستراتيجية كبيرة لإسرائيل لخفض تكاليف الإنتاج، كما أن الفرص الحقيقية لإسرائيل ستكمن في مجال الاستثمارات التجارية والعقارية، إذ تعد دبي مركزاً دولياً للدول العربية والغربية، فهناك آلاف الشركات من دول ليس لها علاقات مع اسرائيل، مثل إيران والسعودية ودول شمال إفريقيا، لها مكاتب في أبو ظبي ودبي، وكذلك الشركات الروسية والأوروبية والأمريكية.
وهذا يخلق فرصًا لإجراء اتصالات تجارية وترتيب صفقات لتصدير منتجات إسرائيلية أو استيراد منتجات إلى إسرائيل بأسعار قد تكون أرخص بكثير من استيرادها من بلدهم الأصلي.
ولذلك يسيل لعاب تل أبيب على هذه الاتفاقية والتطبيع مع الإمارات، فالمستفيد الأول والأخير هي تل أبيب والصهيونية العالمية.


