من سيتكفّل ببناء الهيكل، الإمارات أم السعودية أم كليهما؟
الشيخ كمال خطيب
سيكون الجواب واضحًا وسهلًا على الشق الأول من السؤال، من سيتكفّل ببناء الهيكل؟ إنهم اليهود، إنها إسرائيل، إنها أمريكا بدعمها السياسي والعسكري والاقتصادي لإسرائيل. إن الدولة العبرية ليس أنه ينقصها المال، فأثرياء اليهود في كل أنحاء العالم قدّموا وهم جاهزون لتقديم شيكات مفتوحة لتغطية كل ما هو مطلوب، ولكن المعلوم أيضًا وهو ما تم الحديث عنه في أكثر من مناسبة أن كل ما يتطلبه بناء الهيكل الثالث فإنه قد تم تجهيزه وهو موجود في أماكن خاصة أعدت لذلك، وسواء كان هذا هو خشب الأرز أو خشب الأبينوس الذي بني منه الهيكل الثاني قبل حرقة أو أنه الشمعدان الذهبي الذي يزن سبعين كيلو غرامًا من الذهب الخالص، وسواء كانت هي الأواني الفضيّة والنحاسيّة والملابس الخاصة التي يستعملها الكهنة الذين تم إعدادهم وتدريبهم على خدمة الهيكل، فكل هذا قد تم إعداده بل وحتى الحجارة التي قطّعت من صخور جبال النقب بوسائل يدوية، وليست بوسائل حديثة لقطع الأحجار كما هي الفتاوى الدينية، فكل هذه فإنها جاهزة.
ما دام أن كل متطلبات بناء الهيكل جاهزة، وما دام أثرياء اليهود جاهزون، وما دام ترامب ومعه ثمانون مليونًا من الانجيليين الأصوليين يدعمون سياسته في دعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا، لأن هؤلاء يعتقدون أن وجود إسرائيل هو ضمان قرب نزول المسيح المخلّص الذي سينزل على أرض يحكمها اليهود كما يعتقدون. وهذا الوصف لا يصلح في أي بقعة إلا على فلسطين، ولذلك فإن دعمهم ليس حبًا في إسرائيل وإنما أملًا بقرب نزول مخلصهم وقد صرّح ترامب قبل أسبوع فقط أنهم هم من كانوا وراء قرار نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. فماذا ينقص إذن لبناء الهيكل؟
أما الجواب على السؤال كاملًا فقد سبق وأجاب عليه فضيلة الدكتور سفر الحوالي ابن مكة المكرمة والمسجون حاليًا في سجون آل سعود مع ابنيه وشقيقه رغم أنه مصاب بجلطة دماغية منذ الحملة الشهيرة لاعتقالات الدعاة وأصحاب الفكر والقلم والعلماء في العام 2017. إنه الدكتور سفر الحوالي الذي تشرفت بزيارته في بيته في العام 1998 بمعية أخي الشيخ رائد صلاح. إنه قد أجاب على السؤال في كتابه “المسلمون والحضارة الغربية” والذي يتكون من تسعة أجزاء، والذي كانت نسخته الإلكترونية جاهزة للطباعة قبيل اعتقاله لكنه لم يطبع بسبب الاعتقال ولكن نسخته الإلكترونية قد انتشرت حيث يقول في صفحة 2797 وفي الجزء بعنوان – نصائح للدعاة -: “ولو أن المليارات الفلكية التي أعطيت لترامب وشركاته غير ما أعطي من الهدايا أنفقت لقضايا المسلمين وفكاك أسراهم لكان خيرًا حتى في السياسة الدنيوية، ولو أننا اشترطنا على أمريكا إلغاء قانون جستا (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب، والذي تم تشريعه في أمريكا عام 2016 وبموجبه يحق لأي أمريكي ملاحقة الدولة السعودية نفسها بطلب تعويضات عن ضحايا أحداث نيويورك عام 2001) لوجدت المخارج القانونية لذلك، ولكن الله بحكمته جعل الناس يرزق بعضهم بعضًا وتقول العامة -رزق الهبلان عالمجانين- أقول أننا نستحق ذلك لأننا سكتنا ولم ننكر المنكر، ورضينا بالحياة الدنيا من الآخرة، وما بقي إلّا تكلفة بناء الهيكل، فهل تبنيه الإمارات مثلًا؟ تلك الإمارات التي تشتري البيوت من المقدسيين وتعطيها لليهود، أم تبنيه السعودية وتحفر القناة في البحر الأبيض وخليج العقبة لينجح مشروع “نيوم” وأقوال ترامب نفسه مقدمة لذلك، وقد بدأ التطبيع الفعلي مع اليهود وشعاره أعطنا ما نريد نعطيك فوق ما تريد”.
التطبيع العلني، الإمارات، السعودية، هذه المصطلحات والأسماء خطها الدكتور سفر الحوالي أسأل الله أن يفرج كربه في كتابه، إنها كلمات السر في الإجابة عن سؤال من سيتكفّل ببناء الهيكل؟ بات واضحًا أن الأمر لا يتعلق بالتكلفة المالية وإنما الأمر يتعلق بظروف تتهيأ وغطاء يعطي الشرعية لتلك الخطوة.
فهل يشك عاقل بعدما قاله وكتبه الشيخ سفر الحوالي، وبعد الذي قامت به الإمارات من الإعلان عن اتفاقية سلام بينها وبين إسرائيل التي أعلن عنها ترامب من مقرّه في البيت الأبيض، فهل يشك عاقل أن الدور الإماراتي الذي ما كان ليحدث دون علم وموافقة السعودية على الرغم من البيانات الخجولة التي صدرت والتي تفيد بالتزام السعودية بالمبادرة العربية التي صدرت عن قمة بيروت عام 2002.
إن حملة التشكيك بحقنا الأوحد بالمسجد الأقصى المبارك بل والطعن بقدسية المسجد الأقصى المبارك لم تكن عفوية ولا هي من بنات أفكار ذلك الكاتب أو ذلك المدوّن السعودي أو الإماراتي. أن يصل الأمر بكاتب سعودي أن يقول بأن أي مسجد في أوغندا هو أكثر قدسية من المسجد الأقصى المبارك، وأن يقول آخر إن هذا المكان هو هيكل اليهود، وأما المسجد الأقصى فإنه موجود في الطائف وليس في القدس فهو أقصى مكة، ففي الوضع الطبيعي من المفترض أن تقوم الحكومة السعودية بمحاكمة هؤلاء ومعاقبتهم على هذا الطعن في الثوابت العقائدية وفي مخالفة الموقف الرسمي للدولة السعودية، ولكن هذا لم يحصل ليكون هذا هو الدليل على أن هؤلاء لم يقولوا ما قالوه بمحض إرادتهم ولا هو من بنات أفكارهم، وإنما هو موقف متفق عليه يراد من خلاله خلق أجواء من التشكيك بحقنا كمسلمين في المسجد الأقصى المبارك.
وإن ما قامت به الإمارات والأدلة القطعية على صفقات تسريب بيوت وعقارات في القدس اشتراها رجال أعمال اماراتيون وما لبثت أن ظهرت ملكيتها لجمعيات يهودية، للذي يشير بشكل واضح على دور الإمارات في تهويد ما حول الأقصى حيث هذا هو الدور المطلوب للإمارات عليها أن تتكفل به وليس هي الأموال تبني بها الهيكل.
إن أكثر ما حظي من حديث في وسائل الإعلام والبيانات الرسمية عن شخصيات أمريكية واماراتية هو إظهار المكاسب التي ستتحقق بهذه الاتفاقية عبر زيارات العرب والمسلمين للمسجد الأقصى المبارك، فهل سيكون هذا مقدمة لتحقيق ما سبق ورسخ في وسائل الإعلام عن نية إسرائيل الموافقة لجعل الوصاية على المسجد الأقصى المبارك هي للسعودية ونزعها من الأردن، وعند ذلك فهل سيسهل على السعودية وبدعم الإمارات القبول بمشاريع التقسيم المكاني والتي يضمن بموجبها لليهود بناء هيكلهم المزعوم في واحدة من ساحات المسجد الأقصى المبارك، وحيث الحديث الآن يكثر عن مشاريع حاقدة لشيء يراد فعله في الساحات الشرقية للمسجد الأقصى المبارك والتي تمتد من باب الرحمة شمالًا وحتى المصلى المرواني جنوبًا.
وهل شخص محمد بن زايد الذي قام ببناء كنيس لليهود في الإمارات على نفقة الدولة، والذي سمح ببناء عشرات الكنائس في هذا الجزء من جزيرة العرب بما يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم بل والذي سمح ببناء معبد للهندوس يعجّ بالأصنام، وبناء معبد للبوذيين تعبد فيه النار، بل إنه أقام بناء ضخمًا يضم مسجدًا وكنيسًا وكنيسة سماه بيت إبراهيم في إشارة إلى وحدة الأديان بما يخالف دين محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن الذي نزل عليه، والذي يقول {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}.
فمثل هذا الشخص هل سيكون صعبًا أو مستهجنًا عليه أن يكون هو الغطاء لبناء هيكل اليهود على مكان المسجد الأقصى المبارك؟ وهو الذي صمت على قول أحد كتاب بلاطه لمّا قال: “إذا كان قدوة الإرهابيين هو محمد بن عبد الله فإن قدوة الإماراتيين هو محمد بن زايد”.
وهل طموح محمد بن سلمان وجنون العظمة الذي يعيشه قد يوصله لعدم الاكتفاء بلقب خادم الحرمين الشريفين بل إنه يسعى ليسجل ويكتب عنه التاريخ أنه خادم المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة والمسجد الأقصى في القدس الشريف. مع العلم أن لقب خادم الحرمين الشريفين فإن أول من سمى نفسه بهذا الإسم هو السلطان العثماني سليم الأول وذلك بعد أن هزم الشاه اسماعيل الصفوي الشيعي هزيمة نكراء وهزم بعده السلطان المملوكي “قانصوه الغوري”، حيث كليهما كانا يهددان باحتلال الحرمين الشريفين، فلمّا دخل السلطان سليم الأول مصر وكانت الحجاز تتبع مصر إداريًا، فقد قام أحد الخطباء في مصر خلال استقباله وهو في طريقه إلى الحجاز وقال له: من الآن فأنت حاكم الحرمين الشريفين. فقال السلطان سليم وهو يبكي وقد حمل مكنسة ووضعها على رأسه وقال: بل أنا خادم الحرمين الشريفين وليس حاكم الحرمين الشريفين”.
لقد نال السلطان سليم ذلك اللقب وهو يدفع الشرور ويطرد من كان يسعى ليدنّس ويدمر الحرمين الشريفين، فماذا يفعل محمد بن سلمان وبن زايد الآن سوى الدعم والتأييد والمباركة والتطبيع مع من يخططون لتدنيس بل وهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم على أنقاضه.
إنه محمد بن سلمان الذي صمت كذلك على قول أحد علماء بلاطه لمّا قال: “لقد بعث الله محمد بن عبد الله ليصحح عقيدة إبراهيم الخليل ويبدو أننا بحاجة لمن يصحح عقيدة محمد بن عبد الله”. المقصود محمد بن سلمان.
لقد حاول الحاخام “غرشون سلمون” اليهودي المتطرف رئيس ما تسمى منظمة “أمناء جبل الهيكل” يوم 8/10/1990 اقتحام المسجد الأقصى المبارك لوضع حجر الأساس لبناء الهيكل، وتصدى له المسلمون الفلسطينيون وتدخل الجيش الاحتلال وارتكب مجزرة استشهد فيها في ساحات الأقصى 22 فلسطينيًا كان منهم الشهيد عدنان خلف ابن مدينة طمرة وابن الحركة الإسلامية التي حظرتها المؤسسة الإسرائيلية لاحقًا. وهكذا وقف شعبنا بالمرصاد وسيظلٍ يقف لكل محاولة للمساس بالمسجد الأقصى، فهل ما فشل به ابن سلمون ستتكفل به أنت يا ابن سلمان؟ فتصبح بذلك ليس خادم الحرمين وإنما خادم الهيكل؟!.
إننا نعيش في مرحلة الرويضات حيث السفيه يتكلم في أمر الناس وهذا التافه لكع ابن لكع “اللئيم ابن اللئيم” هو من يتصدر المشهد. إننا في زمن السنين الخدّاعة التي فيها يخوّن الأمين ويؤتمن الخائن، ويصدّق الكاذب ويكذّب الصادق. إننا في الزمن الأصفر الذي يصبح الحليم فيها حيرانًا، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تقوم الساعة حتى يكون أسعد الناس بالدنيا لكع بن لكع”. قال الإمام الصنعاني: “اي أن أحظاهم بطيّباتها ومالها ورياستها وجاهها للكع بن لكع ويصير اللئام هم رؤوس الناس”.
ولكن هذا الزمن وبما يحدث فيه من فتن يصبح بسببها الحليم حيرانًا، فإن المسلم الصادق مع الله سبحانه هو الذي يزن الأشياء بميزان يختلف وينظر إلى الأشياء بمنظار يختلف، فإذا ظن الناس أن هذا هو الزمن الذي به تلفظ الأمة أنفاسها الأخيرة، فإن المؤمن الصادق يعتبر أن ما يحدث هي اللحظات الأخيرة من عتمة الليل التي تسبق الفجر بقليل.
لقد حدّثنا القرآن الكريم في مطلع سورة الإسراء عن هذا الميزان الذي به يزن المسلم الأشياء بما يختلف عن ميزان غيره. فالمسلم وهو يقرأ آيات سورة الإسراء تتحدث عن بني إسرائيل وتتحدث عن المسجد الأقصى المبارك فإنه يطمئن قلبه وتسكن نفسه وهو يرى هذا الواقع السياسي المضطرب، وهو يرى هذا التهافت والهرولة لتقبيل يد بل رجل قادة المؤسسة الإسرائيلية.
فإن إساءة الوجوه ودخول المسجد الأقصى وتتبير وتدمير علوّهم {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيراً} آية 7 سورة الإسراء، فإن هذا الحال يسبقه العلوّ الكبير والمال الكثير والعدد والنفير {وَقَضَيْنَا إِلَىَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنّ فِي الأرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَتَعْلُنّ عُلُوّاً كَبِيراً، فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَاداً لّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُواْ خِلاَلَ الدّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعْولًا} آية 46 سورة الإسراء.
أليس إقبال دول عربية وإسلامية على التهافت والهرولة لنيل رضى إسرائيل والتطبيع معها هو من العلوّ الكبير الذي قال عنه نتنياهو “إنه سلام القوة” أي أننا فرضنا السلام بسبب قوتنا وليس هو السلام لأجل السلام. أليست الأموال قد كانت تتدفق عليهم وستصبح أكثر من ذلك عبر أموال الإمارات والتي سيتم استثمارها هنا كلها من مظاهر العلوّ الكبير والنفير الكثير الذي تحدث عنه القرآن في مطلع سورة الإسراء، سورة بني إسرائيل. لكن أليس بعد هذا العلوّ والنفير فإنه إساءة الوجه والتتبير والسقوط المريع الذي لا نهوض ولا قيام بعده أبدًا بإذن الله تعالى.
وكما سجّل التاريخ عن أبي رغال أنه سهّل على الأحباش الوصول إلى مكة لهدم المسجد الحرام فإن التاريخ سيسجل على محمد بن سلمان ومحمد بن زايد أنهم سهّلوا وهيأوا الأسباب لليهود لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم، لكن كما الله سبحانه ردّ كيد الأحباش وجعل أبا رغال آية وعبرة وحمى المسجد الحرام فإنه سبحانه سيردّ كيد الإسرائيليين، وسيجعل ابن سلمان وابن زايد ومن هو على نهجهم آية وعبرة، وإن غدًا لناظره قريب.
أقصانا لا هيكلهم.
رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون


