تنامي التصدعات في المؤسسة الإسرائيلية

عبد الاله معلواني
باتت تزداد الشواهد التي تشير إلى اتساع رقعة التصدعات في مصير المؤسسة الإسرائيلية، وقد تحدثنا عن هذا الموضوع في عدد صحيفة “المدينة” السابق (6/12/2019) بعنوان: (تصريحات تحذير إسرائيلية حول مصير المؤسسة الإسرائيلية)، وها نحن نواصل الحديث عن هذا الموضوع من خلال الإشارة إلى ما يلي:
باتت كل المعطيات تؤكد فشل مشروع “تهويد الجليل” الذي طالما دعت إليه المؤسسة الإسرائيلية منذ أيام “بن غوريون” الذي لمّا اقتحم الجليل ذات يوم، ولمّا لم يجد فيه أثرا لحياة إسرائيلية قال: إنني أشعر أنني في دولة عربية!! ثم دعا إلى تهويد الجليل!! وتبعه في ذلك “كينغ” صاحب وثيقة “كينغ” المشؤومة التي دعا فيها إلى تهويد الجليل!!
ولكنه وفق معطيات جمعتها “مجموعة بارتو للاستشارة الاقتصادية والاستراتيجية” فقد غادر منطقة صفد (مركز الجليل) التي تشمل 64 بلدة صغيرة وتمتد إلى سهل الحولة 5300 شخص خلال العام الماضي!! كذلك جرى تسجيل هجرة سلبية من مناطق عكا ومرج بن عامر وطبريا!!
ووفقا لمجموعة بارتو فإنه منذ عام 2000 فقد غادر منطقة الجليل قرابة 30% من الشبان اليهود حتى سن 25 عاما!!
إلى جانب هذه الهجرة اليهودية من الجليل فإنها تلغي النمو الطبيعي “للسكان اليهود في الجليل”!!
تشير المعطيات إلى أنه غادر كريات- شمونة (الخالصة)- أحد أطراف الجليل- منذ بداية الاستيطان فيها 200 ألف شخص.
وهكذا رغم المغريات لليهود للاستيطان في الجليل مثل السكن في بيوت فارهة وإعفاء من الضرائب فقد فشل مشروع “تهويد الجليل”!!
إلى جانب فشل مشروع “تهويد الجليل” فقد فشل مشروع الاستيطان في المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة!! فقد كشفت نتائج استطلاع إسرائيلي عن أن 1/4 سكان المستوطنات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة لا يشعرون بالأمان ويفكرون بالرحيل!!
أوضحت نتائج الاستطلاع الذي أجراه مركز الكنيست للأبحاث والمعلومات أن 40% من سكان المستوطنات المحاذية لقطاع غزة لا يشعرون بالأمان، وأوضحت نتائج الاستطلاع أن 42% من سكان هذه المستوطنات يعيشون دون ملاجئ!! وأن 24% منهم يدرسون مغادرة أماكن سكناهم!!
طالما تفاخرت المؤسسة الإسرائيلية أنها دولة قانون تقوم على مبدأ فصل السلطات وسيادة القانون، ولكن تداعيات محاكمة نتنياهو بدأت تقول غير ذلك، سيّما إصراره على البقاء في السلطة كرئيس حكومة رغم أنه بات متهما بالغش والرشوة وخيانة الأمانة!! لدرجة أنه بات لا يكترث إلا بشخصه، وكيف له أن ينجو من خطر الدخول إلى السجن بضع سنين، حتى لو أدى ذلك إلى إعادة انتخابات لعبة الكنيست لمرة ثالثة خلال بضعة أشهر!!
الأمر الذي دفع سبعة من كبار رجال الأعمال الإسرائيليين أن يقولوا في رسالة وجّهوها إلى أعضاء الكنيست: (النمو والازدهار الاقتصادي يتطلب وجود نظام ديموقراطي راسخ ومستقر، وهذا الأمر يتطلب وجود سلطة خالية من الفساد، تحترم القيم الديموقراطية، بما في ذلك استقلال منظومة القضاء والصحافة الحرّة، وبناء على ذلك ندعو أعضاء الكنيست الحالية إلى السعي لتشكيل حكومة خالية من الفساد السلطوي لتكون قادرة على رأب الصدع في المجتمع الإسرائيلي)!!
وهكذا بدأ التصدع يتهدد في نظر هؤلاء السبعة: النمو الاقتصادي والاستقرار الداخلي السياسي واستقلال منظومة القضاء وحرية الصحافة ونزاهة السلطة من الفساد، وتماسك المجتمع الإسرائيلي!!
ذات يوم حاولت المؤسسة الإسرائيلية أن تخدع العالم العربي وأن تعيد بناء “الشرق الأوسط” لتنقله من “شرق أوسط” عربي إلى “شرق أوسط” جديد!! وهكذا كان يتغنى شمعون بيرس على سبيل المثال.
ولكن معطيات اليوم تقول غير ذلك، سيّما بعد خطوات ترامب المجنونة التي شملت نقل السفارة الأميركية من تل- أبيب إلى القدس المحتلة، والاعتراف بضم الجولان السوري المحتل إلى السيادة الإسرائيلية، وإضفاء الشرعية القانونية على المستوطنات الاحتلالية الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، إلى جانب تصريح نتنياهو المتواصل أنه سيضم غور الأردن إلى السيادة الإسرائيلية.
كل هذه الخطوات المجنونة دفعت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أن تحذر من خطورة هذه الخطوات وأنها قد تقود إلى إلغاء اتفاقية “وادي- عربة” التي تم توقيعها عام 1994 بين الأردن والمؤسسة الإسرائيلية.
لا بل دفعها أن تحذر أن هذه الخطوات قد تشكل خطرا على عرش الملك عبد الله الثاني وقد تقود المنطقة إلى فوضى مقلقة.
وأن موجة الاحتجاجات التي باتت تشتعل في المناطق الفلسطينية سرعان ما ستنتقل إلى الأردن، وستثير عاصفة من الغضب الشعبي الأردني إلى جانب الفلسطيني!! ثم قد تتسع.
بناء على كل المعطيات الواردة أعلاه، فإن المنطقة التي نعيش فيها بدأت تتمخض وقد تلد أحداثا مصيرية مهولة!! فالثبات الثبات.



