أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

خواطر في مواجهة لعنة العنف التي تضرب مجتمعنا

الشيخ كمال خطيب
من اللحظة التي أدرك فيها دهاقنة المشروع الصهيوني، السياسيون منهم والأمنيون فشل رهانهم على أسرلة ومسخ هوية شعبنا في الداخل الفلسطيني، واستعصائه على كل مشاريعهم الخبيثة والذي ظهر واضحًا جليًا في مثل هذه الأيام من العام 2000 وحيث انضم أهلنا في الداخل الفلسطيني إلى بقية شعبهم في الضفة والقدس الشريف وغزة انتصارًا ودفاعًا عن المسجد الأقصى، وقدموا لذلك كوكبة من شهدائهم الأبرار وهم ثلاثة عشر شهيدًا ليكونوا ضمن قائمة بأسماء قريبًا من 4500 شهيد ارتقوا في هبة وانتفاضة الدفاع عن الأقصى الشريف.
منذ تلك الصدمة والمفاجأة التي قالت لهم أن 52 سنة من عمر النكبة يومها لم تكن كافية لأن ينسى أهلنا هويتهم ولا انتماءهم ولا امتدادهم لشعب فلسطيني هم ضلع من أضلاعه، فعمدوا إلى سياسة الإفساد والتخريب من الداخل عبر مشاريع ممنهجة وممولة وتقف على رأسها مؤسسات حكومية رسمية اتخذت لها أذرعًا خفية في أحيان وظاهرة للعيان في أحيان أخرى. من هذه المشاريع مشروع نشر المخدرات والسموم ونشر الرذيلة وإثارة الفتن العائلية والطائفية، وفي مقدمة هذه المشاريع كان مشروع فوضى السلاح ونشره بين أوساط الشباب العابثين، ليكون هو وسيلة تمزيق وضرب النسيج الاجتماعي لشعبنا في الداخل.
إنها سياسة بريطانيا “فرق تسد”، وإنها سياسة فرنسا عندما أحضر نابليون ضمن أسطوله العسكري لاحتلال الشرق سفينة مملوءة بالمومسات، فلمّا سُئل عن ذلك قال: “إن أثر البارود يذهب ويزول، ولكن أثر هؤلاء يستمر ويطول”. نعم إنها الحرب الفكرية وأداتها الكلمة، والحرب العسكرية وأداتها الرصاصة، والحرب الأخلاقية وأداتها الرقاصة!!!
لسنا بحاجة إلى ذكاء خارق ولا إلى تحليل عميق للوصول إلى أن المؤسسة الإسرائيلية السياسية والأمنية تعرف وهي من يخطط ويضبط كيفية وصول وانتشار السلاح بين أيدي وجهات عابثة من شباب مجتمعنا، فوزير الأمن الداخلي “جلعاد أردان” هو من صرّح قبل أيام قليلة من أن النسبة الكبرى من السلاح المنتشر مصدره جنود ومخازن الجيش الإسرائيلي، إما عن طريق السرقة وإما عن طريق بيع وتهريب الجنود للسلاح وبيعه لجهات وعناوين معروفه بنشاطها الفاسد والإجرامي في الداخل الفلسطيني. نعم إنها سياسة التغافل الخبيث وغض الطرف المدروسين. هذا التغافل يتوقف وغض الطرف ينتهي عندما تشتم رائحة أن قطعة سلاح واحدة ستستخدم ضد أمن الدولة أو في عمليات ذات دوافع وطنية أو قومية، عند ذلك فما بين عشية وضحاها يتم الوصول إلى السلاح ومصادرته ومحاكمة صاحبه، بعكس طريقة التعامل مع من يحملون السلاح للأهداف الجنائية والإجرامية داخل مجتمعنا.
ومع الأسف الشديد فإن نسبة لا بأس بها من السلاح الذي يعبث بمجتمعنا إضافة إلى سلاح الجيش الإسرائيلي، فإنه السلاح القادم من الضفة الغربية وأماكن سيطرة سلطة رام الله، هذه السلطة المبدعة جدًا واليقظة جدًا في إلقاء القبض على أي سلاح يستخدم ضد جيش الاحتلال وفق اتفاقية التنسيق الأمني المشبوه، بينما هي ليس أنها فقط تغض الطرف بل إنها جهات وعناوين ذات مراكز قيادية تقف خلف عمليات تهريب السلاح إلى داخلنا الفلسطيني مع علمهم أنه سيستخدم فقط للجريمة والعبث بالأمن الداخلي والنسيج الاجتماعي الفلسطيني. إنهم في نظري أكثر إجرامًا وإفسادًا بحق شعبنا في السلطة الفلسطينية منهم في السلطة الإسرائيلية.
وكما قال هنري كيسنجر وزير خارجية أمريكا السابق وهو من أصول يهودية، وخلال الحرب بين إيران والعراق في إجابته على سؤال لماذا لا توقفوا بيع السلاح للعراق وإيران فقال: “دعوا الأطفال يلعبون بالسلاح”، فلمّا أنهكوا بعضهم بعضًا ودمّروا بعضهم بعضًا، ثم قام صدام حسين بعد احتلاله الكويت باستخدام سلاحه ضد إسرائيل لم يعودوا أطفالًا يلعبون بالسلاح، وإنما هم خطر على اسرائيل ويجب تدمير العراق. هكذا كان القرار الأمريكي وهذا ما حصل. وهذا ما يحصل هنا مع أي سلاح يخرج عن دائرة استخدامه التي لأجلها سهلت عملية وصوله، فإنه يتم ضبطه وملاحقته ومحاكمة من يحمله.
لم يعد الأمر يتوقف على سلوك فردي لأفراد يحملون هذا السلاح، وهذا ما سعت لأجله المؤسسة الإسرائيلية، بل إنه أصبح يتخذ له شكل مجموعات وعصابات تمتهن العنف والاجرام، وصل إلى حد أن صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية وقبل شهرين قامت بنشر مخطط بأسماء مناطق ونفوذ ثمانية من هذه المجموعات العابثة في وسطنا العربي من النقب جنوبًا حتى الجليل شمالًا، وهي معلومات مصدرها الشرطة كما قالت الصحيفة، مما يعني أن الجهات الرسمية مطلعة وبأدق التفاصيل على هذه الجماعات والعصابات التي تنشط في نشر المخدرات ونشر الرذيلة وفي تمويل القروض الربوية الفاحشة حيث عواقبها المدمرة على البيوت والأعراض، بل إنها التي تنشط في فرض الخاوة على المحلات التجارية، بل إنها التي تتدخل في دعم وتمويل بعض المرشحين لانتخابات المجالس والبلديات لفرض مزيد من النفوذ عليهم، وهي نفسها التي تستخدم أفرادها والمليشيات التابعة لها في تهديد وقتل حسب الطلب، حيث بات أي خلاف بين شخصين أو عائلتين أو حتى شريكين تجاريين، وإذا باسم إحدى هذه العصابات يظهر عبر تهديد أحد الأطراف بأنه سيلجأ إليهم طالبًا مساعدتهم ضد الطرف الآخر، ولا أبالغ إذا ما قلت أن إحدى النساء هددت زوجها باللجوء إلى إحدى هذه العصابات لتأديبه.
وإلا فماذا يعني وهل هناك دليل قاطع على أن هذه السياسة التي تم انتهاجها قد أتت أكلها عبر سيل القتلى المستمر والنزيف الذي لا يتوقف من أبناء شعبنا حيث تحقق بذلك أهم أهداف المخططين حيث ننشغل حتى في يوم ذكرى هبة القدس والأقصى الأخيرة 1/10/2019 وبدل الحديث عن ذكرى الشهداء الثلاثة عشر فلقد تحول الحديث عن 1385 قتيلًا سقطوا في أعمال العنف منذ العام 2000 وحتى اليوم، منهم 71 قتيلًا في الأشهر التسعة التي مضت من العام2019، ومنهم 11 ضحية خلال شهر أيلول الأخير فقط.
لقد وقع البعض من قيادات شعبنا في الفخ حينما أصبحوا يتحدثون مطالبين الحكومة بالعمل الجاد لجمع هذا السلاح المجرم ونحن معهم ولا شك في هذا لأننا نعلم خلفية هذا السلاح وأهدافه، ولكن الفخ الذي وقعوا فيه هو مطالبتهم بجمع السلاح غير القانوني وغير المرخص الذي يستخدم في أعمال الجريمة، وكأن السلاح الآخر، السلاح المرخص القانوني وهو سلاح العمالة والخيانة قد أصبح مسكوتًا عنه، لذلك قلنا وسنظل نقول أن السلاح غير المرخص يغتال أجسادنا ويسفك دماءنا، وأن السلاح المرخص يغتال أرواحنا ويمسخ هويتنا. نعم إنه سلاح العمالة الذي قدمته المؤسسة الإسرائيلية لأصحاب الخدمات الجليلة في خدمة المشروع الصهيوني.
يا أهلنا يا أبناء شعبنا، إننا نمر بمرحلة فاصلة من تاريخ شعبنا، فإما أن نظل عبيد دهاقين السياسة والمخابرات الإسرائيلية يعبثون بنا كيف يشاؤون عبر أدوات من أبناء شعبنا المغرور بهم والذين انحرفت بوصلتهم وتشوهت هويتهم وانعدمت ضمائرهم، وبذلك سنظل نصبح على جريمة ونمسي على أخبار لجرائم أخرى، كما هو حاصل في هذه الأيام، وإما أن تكون هي لحظة صدق وصفاء وصحوة ضمير منا جميعًا ندرك من خلالها حاجتنا للعودة الجادة إلى أصولنا وديننا وأخلاقنا وأصالة شعبنا. وأننا أحوج ما نكون إلى لُحمة ووحدة حقيقية بين شعبنا بكافة مركباته الدينية والطائفية والحزبية والاجتماعية.
نعم نحن على قناعه بأن صحوة الضمير والالتزام بالشرائع السماوية والعادات والأخلاق الأصيلة لشعبنا لا تكفي دون العنصر الرادع الذي لا غنى عنه لبعض المارقين والمفسدين، ولكن إذا كان هذا السيف سيف الردع والقانون مسلط على رقابنا، فعلى الأقل ألّا نتخلى عن الرادع الإيماني والأخلاقي الذي أساسه الهوية الدينية والتربية الاجتماعية الفاضلة.
فما أحوجنا إلى نشر معاني الحب والتسامح والصفح والإيثار والأخوة، لتحل هي محل معاني ومصطلحات البغضاء والفظاظة والتسلط والانتقام والعصبية، ولنتذكر أننا جميعًا في سفينة واحدة تتلاطم بها أمواج المشروع الصهيوني تريد إغراقها، إننا إذا نجونا نجونا جميعًا، وإذا خرقت السفينة غرقنا جميعًا.
فما أجمل من أن نتذكر قول الله تعالى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} آية 32 سورة المائدة. ونتذكر قول الله تعالى على لسان ابن آدم يقول لاخيه {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} آية 28 سورة المائدة. وأن نتمثل بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار”. وقوله صلى الله عليه وسلم: “لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم”.
نعم إن الدين لا يمحو غرائز الانسان ولكنه يروضها ويضبطها، وإن التربية لا تغيّر طباع الإنسان ولكن تهذّبها وتليّنها. ففي زمان انفلتت فيه غريزة الأنانية والوحشية، وانحرفت وتشوهت الطباع والأخلاق، فإننا أحوج ما نكون فيه إلى الدين والتربية بهما نعود إلى إنسانيتنا على الأقل وفي الحد الأدنى.
لا يمكن ولا نطمح بأن نصبح ملائكة، ولكن يجب ألّا نتحول إلى وحوش بل إلى شياطين. أسأل الله تعالى أن يحفظ علينا دماءنا وأموالنا وأعراضنا وأرضنا وشعبنا، وللمفسدين والأشرار أقول “اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندفعك اللهم في نحورهم”.

رحم الله قارئًا دعا لي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى