إني أدق ناقوس الخطر.. ما أخطر مخلّفات لعبة الكنيست علينا جميعا
طه اغبارية
انتهت لعبة الكنيست الأخيرة، رقم اثنين وعشرين، ومن ظنّ من القوائم الكنيستية العربية، أنه ربح فهو خاسر، وإن كان سيقال له بعد تاريخ 17/9/2019 (عضو كنيست)، وبطبيعة الحال من خسر فيها، فهو خاسر، ممّا يعني أن الرابح والخاسر فيها سواء، فكلاهما خاسر!!، لماذا؟!، لأن الخطر كل الخطر الذي عانينا منه خلال الأيام الأخيرة التي سبقت يوم انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة، رقم اثنين وعشرين، وهو ما سنعاني منه في قادمات الأيام هو مخلّفات لعبة الكنيست، التي رمتنا بها هذه اللعبة الفتّانة الملغومة وانسلت، وهي مخلّفات متعددة، فبعضها مخلفات فكرية، وبعضها سياسية، وبعضها مخلّفات فقدان المناعة، وإن الخطر كل الخطر أن تحاول كل هذه المخلّفات الهيمنة على كل مسيرة حياتنا في الداخل الفلسطيني والتحكم بها، ولذلك فإنني أدق ناقوس الخطر من الآن، وحتى لا يبقى حديثي غامضا فإليكم التفصيل:
كان من عثرات الدكتور منصور عباس خلال الأيام الأخيرة التي سبقت انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة، أن قال علانية: إن من يرفض التصويت في انتخابات لعبة الكنيست، فليسلم هويته!! وكان هذا القول صادما للجميع لدرجة أن بعض مرشحي القائمة المشتركة التي تضم الدكتور منصور عباس كأحد مرشحيها، وبعض أنصار هذه القائمة قد تبرأوا من هذا القول الصادم كل وفق أسلوب كتابته!! ولدرجة أن البعض من جمهورنا الكادح في الداخل الفلسطيني قد اعتبر أن هذا القول الصادم يدعو إلى ترحيل كل من سيقاطع انتخابات لعبة الكنيست!! ولدرجة أن البعض من هذا الجمهور الكادح صرّح متألما وقال: إن هذا القول الصادم الذي صرّح به الدكتور منصور عباس لم يقله ليبرمان وغيره من عتاة الأحزاب الصهيونية، ولا شك أنه قول خطير ولكن الأخطر منه هو المخلّفات التي سيتركها هذه القول، حيث سيترك نهج تفكير جديد يستسيغ أن يقول: من يرفض التصويت في انتخابات لعبة الكنيست، فليسلم هويته!!، والأخطر أن هذا النهج الجديد من التفكير إذا استساغ لنفسه هذا القول الصادم، فماذا سيستسيغ لنفسه في قادمات الأيام تحت سقف لعبة الكنيست أو خارج مبناها، وعلى صعيد محلي أو فلسطيني أو إقليمي أو عالمي!! لذلك فإن خطر هذا القول الصادم لا يقف، عند حدود مدلول هذا القول فقط، بل الخطر كل الخطر في مخلفات هذا القول على كلنا في الداخل الفلسطيني، والخطر كل الخطر في النهج الفكري الذي صدر عنه هذا القول الصادم، وما هي المفاجآت الصادمة التي قد يتفتق عنها هذا النهج الفكري في قادمات الأيام القريبة والبعيدة.
كان من عثرات أيمن عودة خلال الأيام الأخيرة التي سبقت انتخابات لعبة الكنيست الأخيرة، رقم اثنين وعشرين، أن شارك في مظاهرة صهيونية قادها حزب أزرق- أبيض الصهيوني وحزب ميرتس الصهيوني ومخلفات حزب العمل الصهيوني، ثم لم يتوقف عند هذه العثرة، بل واصل عثراته وأعلن عن استعداده لعقد تحالف مع حزب ميرتس الصهيوني، ثم واصل عثراته وأعلن استعداده لدعم حكومة صهيونية بقيادة اليسار الصهيوني والوسط الصهيوني برئاسة الجنرال غانتس، وهذا السيل من العثرات يقول: إن أيمن عودة تعثر عن سبق إصرار، أي أنه يقصد ما يقول ولا يعتبر ذلك عثرة بدليل أنه واصل ارتكاب هذه العثرات عثرة بعد عثرة، وهو سلوك خطير، ولكن الأخطر منه هي المخلفات التي ستتركها هذه العثرات، ووصف مرتكبها أيمن عودة بالدهاء السياسي!! والأخطر والأخطر أن هذه العثرات ستشق الطريق لنهج تفكير جديد غير مسبوق وصادم لكل ثوابتنا السياسية، وإن من شأن هذا النهج من التفكير الجديد في قادمات الأيام أن يقفز عن كل مسلماتنا الوطنية، وأن يقدّم القضايا المطلبية على قضايانا الوطنية وعلى ثوابتنا السياسية، وأن لا يجد حرجا بالانسلاخ عن لجنة المتابعة العليا، وعن سائر اللجان المتفرعة عن لجنة المتابعة، وعن نضالنا الشعبي وأساليب هذا النضال، بل قد لا يجد حرجا في قادمات الأيام عن دعم حكومة صهيونية بادعاء أنه أراد من وراء ذلك إسقاط حكومة اليمين، أو أن يدعم رئاسة الجنرال غانتس للحكومة الإسرائيلية، بادعاء أنه أراد من وراء ذلك إسقاط نتنياهو!! ثم الأخطر والأخطر من كل ذلك أن تسوغ مخلّفات هذه العثرات مفاهيم جديدة لماهية القضية الوطنية وماهية الثوابت السياسية وماهية لجنة المتابعة العليا المطلوبة، وماهية النضال الشعبي، وهذا يقول إن هناك محاولة لصهر وعينا، وعندها الأسرلة، وعندها الكارثة!!
كان صريحا صراحة مرّة، عضو الجبهة وأحد العاملين في صندوق إبراهيم الصهيوني، ثابت أبو راس، عندما قال علانية على المكشوف، إن صندوق إبراهيم وجفعات حبيبا وبعض الصناديق الأمريكية التي تصب أموالها بلا حدود لدعم حملات دعائية في الداخل الفلسطيني، تدعو الأهل الكادحين في الداخل الفلسطيني للتصويت في انتخابات لعبة الكنيست، رقم اثنين وعشرين، وكان صريحا عندما قال إن هذه العناوين كانت تدعم في الماضي لنفس الهدف، ولكنها في هذه المرّة ضاعفت من مبالغ تبرعاتها المالية، وضاعفت من نشاطاتها، وهو ما يؤكد ما كانت تؤكده صحيفة المدينة طوال الوقت، أن القائمة المشتركة تلقت أموالا خيالية من صناديق أمريكية وإماراتية!! والخطورة في كل ذلك مخلفات هذا السلوك الانبطاحي الذي سيؤدي لا محالة إلى فقدان المناعة في مسيرتنا في الداخل الفلسطيني، فيوم أن بدأ البعض يجاهر بالبث المباشر أنه يتلقى دعما ماليا من صناديق أمريكية، فهذا يقول إن هؤلاء البعض يحاولون ربط مصير جماهيرنا الكادحة في الداخل الفلسطيني بهذه الصناديق، وبذلك يحاولون فرض تبعية هذه الجماهير الكادحة لهذه الصناديق الملغومة، ويحاولون فرض المثل القائل: ( من يريد أن يأكل من خبز السلطان فيجب أن يحارب بسيفه) على هذه الجماهير الكادحة، وفي ذلك دفع هذه الجماهير إلى تيه لا ندري إلى أين سيصل بها!! اللهم استر بما هو قادم.
ولأن هذه المخلفات الفكرية والسياسية ومخلفات فقدان المناعة صنعت أجواء قفز عن ضوابط الثوابت السياسية والقضايا الوطنية، فقد ارتفعت أصوات وجهرت بقول لم نسمعه على مدار السبعين عاما الماضية، وعلى سبيل المثال لم يجد مرشح القائمة المشتركة، وليد طه حرجا أن يعلن عن استعداده لدعم حكومية يمينية برئاسة نتنياهو، مقابل بعض المصالح المطلبية، فإذا ترسّخت أجواء القفز عن ضوابط الثوابت السياسية والقضايا الوطنية، فنحن أمام مشهد كارثي قابل أن يحدث كل توقع مهما كان غريبا وشاذا وصادما، بين جدران لعبة الكنيست وخارجها، ونحن أمام مواقف مفصلية قد تكون صعبة جدا، ولكن لها إيجابية واحدة، وهي أنها ستغربلنا إلى فسطاطين: فسطاط الثوابت السياسية والقضايا الوطنية واستراتيجية الصمود، مقابل فسطاط القضايا المطلبية تحت قبة لعبة الكنيست وبريق فتنتها!! وعلى كل واحد منّا أن يحدد لنفسه أي فسطاط يختار.