أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لن نسمح للعاعة الكنيست أن تزاحمنا على واجباتنا

د. أنس سليمان أحمد
التديّن فطريّ في حياة الأنسان منذ القِدم، ولم تمر مرحلة من حياة الإنسان على الأرض إلا ومارس فيها مظهراً من مظاهر العبادة، سواء كانت العبادة توحيدية أو شركية أو وثنية، وقد صدق من قال: قد تجد شعوباً بلا مصانع ولكنك لن تجد شعوباً بلا معابد، بغض النظر عن ماهية هذه المعابد، وعن ماهية مظاهر العبادة التي تمارس فيها، ويبدو أن بعض أنصار المشاركة في لعاعة الكنيست قد وصلوا خلال أيام الدعاية لهذه اللعاعة من أجل تحسينها في أعين الناس ودفع الناس للتصويت لقائمة مرشحيهم، قد وصلوا إلى قناعة أنه لا يمكن لهم الاستغناء عن الخطاب الديني من أجل التأثير على الناس وإثارتهم ودفعهم للتصويت في يوم لعاعة الكنيست، فهذا أيمن عودة المجاهر بلا دينيته لم يتردد أن يتحدث عن المسجد الأقصى وعن ضرورة الدفاع عنه، ولا أدري كم مرة زار المسجد الأقصى للصلاة فيه، ولكن الحديث عن المسجد الأقصى في حساباته يعني دغدغة مشاعر الناس الدينية ودفعهم للتصويت في انتخابات لعاعة الكنيست، ووفق هذه الحسابات أكثَرَ د. منصور عباس الحديث عن المسجد الأقصى في الأيام التي سبقت انتخابات لعاعة الكنيست ، بل لم يتردد أن يستخدم خلال خطاباته في هذا الأيام مصطلح: “هذا حرام” فهو مصطلح مؤثر جداً يلامس فطرة الناس ويؤثر عليهم أشد من تأثير ألف خطاب سياسي، وهذا أحد خطباء النقب المحسوب على الحركة الإسلامية الجنوبية لم يتردد أن يستشهد خلال خطاب له قبيل انتخابات لعاعة الكنيست بقول الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا} ثم دعا الحضور من أهلنا في النقب الذين كانوا يستمعون إلى ضرورة التصويت في لعاعة الكنيست، وضرورة خوض معركة إسقاط اليمين في انتخابات لعاعة الكنيست، وضرورة إتاحة الفرصة لقيام حكومة يسارية (صهيونية) سيراً مع هذه الآية القرآنية وفق حساباته!! وعلى فكرة خطابه مسجل بالصوت والصورة والكل يستطيع منا العودة إلى هذا الخطاب في مواقع التواصل، ثم كانت ثالثة عندما أصدر الشيخ رائد بدير – غفر الله لنا وله-فتواه الفردية الشخصية الشاذة، على اعتبار أنه اعتبر المشاركة في لعاعة الكنيست ضرورة شرعية، وهو ما لم يقل به أحد من علماء المسلمين في كل الأرض ولن يقوله أحدهم حتى قيام الساعة. كل ما ذكرت صدر عن بعض القادة المسؤولين، إلى جانب الكثير من السلوكيات الفردية التي صدرت عن بعض أنصار التصويت للعاعة الكنيست مثل الأخ من مدينة طمرة الذي دعا ركاب حافلة متجهة إلى المسجد الأقصى للتصويت في يوم انتخابات لعاعة الكنيست، ومثل الأخ الشيخ جابر جابر من جلجولية الذي حمل سماعة المسجد وبدأ يدعو الناس للتصويت للقائمة المشتركة ووجوب الذهاب للتصويت لها.
ولذلك فأنني أتوجه إلى كل أبناء المشروع الإسلامي سواء كان أحدهم مع أو ضد لعاعة الكنيست وأقول لهم: هل هذا هو صفاء وطهارة وتجرد الخطاب الديني الذي تربينا عليه في حاضنة المشروع الإسلامي؟! وهل هذا هو الخطاب الدعوي الإصلاحي التغييري الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي جمعنا الله تعالى عليه منذ بضعة عقود وألّف الله تعالى قلوبنا وجعل منها قلباً واحداً، وجعل من أجسادنا جسداً واحداً؟! وهل هذا الخطاب الإسلامي الراشد الذي سهر عليه قيادتنا، وبذلنا وبذلوا لنصرته نهارا، وضحّوا في سبيله الغالي والرخيص، لا بل دخلت بعض قيادتنا بسببه السجون مرة بعد مرة فما لانت لهم قناة؟! وكان من أوائل من دخل بسببه السجون الشيخ عبدالله نمر درويش رحمه الله تعالى.
يا أبناء المشروع الإسلامي في مجتمعنا في الداخل، أؤكد أنني أحبكم، ولكن حبي لا يمنعني من مصارحتكم، لذلك أصارحكم وأقول لكم: هل يرضيكم أن تتطاول لعاعة الكنيست على هذا الخطاب الإيماني الرباني الشامخ الذي ورثناه عن رسول الله، والذي ارتفعنا بسببه في ميزان الله تعلى إلى خير أمة أخرجت للناس؟! وهل يرضيكم أن نسكت عن مشهد لعاعة الكنيست وهي تتغول عليه طامعة بتقزيمه أو تشويهه أو ترويضه في أضعف الأحوال، وهو الخطاب الممتد من عهد نبي الله آدم حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الخطاب الذي جعل منّا ورثة ميراث كل الأنبياء وحملة رسالة توحيدهم الواحدة وأنصار نبوتهم الواحدة ودينهم الواحد الذي جاؤوا به من عند الله تعالى منذ عهد نبي الله آدم وحتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذي قلّدنا منصب خدمة تاريخهم الطويل الذي أرسوا فيه راية التوحيد في الأرض، والأمناء على نصرة هذه الراية وتمكينها في كل الدنيا وبين كل الشعوب؟! يا أبناء المشروع الإسلامي في كل الداخل الفلسطيني أما آن الأوان أن نحاسب أنفسنا على هذا الحال المأساوي الذي يريد البعض أن يسجن فيه هذا الخطاب الراشد الحضاري من أجل لعاعة الكنيست التي هي أرخص من جناح بعوضة في ميزان الله تعالى؟! أما آن الأوان لنا أن نجدد عهد الوفاء والصفاء والإخلاص والنصرة لهذا الخطاب؟! أما آن الأوان لنا أن نقول: بئست لعاعة الكنيست، ولن تتجاوز قدرها الصفري، ولن تسحرنا ببريقها الدجالي الفتّان، ولن تنطلي علينا في يوم من الأيام، وحاشا لله تعالى أن نجعل من التصويت لها واجباً او عملاً نتقرب به إلى الله تعالى، فواجبتنا كثيرة، لا مكان فيها للعاعة الكنيست، وواجباتنا معلومة لنا وهي أكثر من أوقاتنا، ولن نسمح للعاعة الكنيست أن تزاحمنا عليها في يوم من الأيام ، ويوم أن نتحدث عن واجباتنا، نتحدث ونحن رافعون رؤوسنا بها، والعجب كل العجب أن أحد الأخوة الكرام ردّ عليّ عندما نشرت تعقيباً على فتوى الشيخ رائد بدير، وقال لي في ردّه: إن الشيخ رائد بدير لم يقل في فتواه إن التصويت للعاعة الكنيست هو واجب شرعي، بل قال هو ضرورة شرعية وواجب وطني، فيا للعجب!! ألا يعلم هذا الأخ الكريم أن نعت التصويت للعاعة الكنيست بالضرورة الشرعية هو أشد من نعتها بالواجب الشرعي في ميزان فهمنا الشرعي مما يؤكد أشد وأشد أنها فتوى فردية شخصية شاذة، بل وتجعل الحليم حيرانا بنعتها بالضرورة الشرعية فغفر الله تعالى لي وللشيخ رائد بدير ولذاك الأخ الكريم؟! ألا يعلم هذا الأخ الكريم أن معنى الضرورة الشرعية هي: (الضرورة التي يحصل بعدمها حصول موت أو مرض أو العجز عن الواجبات) كما ورد ذلك في مجموع الفتاوى لأبن تيمية، فهل لعاعة الكنيست هي كذلك حتى تكون ضرورة شرعية؟! ويا لعجب البعض الذي قال إن الشيخ رائد بدير لم يُفتِ، بل قال مجرد قول إن المشاركة في الكنيست هي ضرورة شرعية!! وهل هذا القول إلا فتوى؟! وهل هذه الفتوى إلا فتوى فردية وشخصية وشاذة؟! لذلك لا يسعني في ختام هذه المقالة إلا أن أقول لنفسي ولكل أبناء المشروع الإسلامي: ألم يأن لنا أن تخشع قلوبنا لذكر الله وما نزل من الحق، وأن ننفض عنها أدنى غبار لعاعة الكنيست لو كانت بحجم مثقال ذرة؟!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى