أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

سيناريوهات محتملة للمشهد السياسي الإسرائيلي بعد الانتخابات

حامد اغبارية
لا يستطيع أحد أن يقرأ بدقة مستقبل المشهد السياسي الإسرائيلي بعد النتائج المربكة جدا، التي أفرزتها انتخابات الكنيست الصهيوني. فقد أدخلت تلك النتائج الإسرائيليين في حالة من “الحيص بيص”، حتى لم يعودوا يستوعبون ما يحدث لهم. فلا نتنياهو في إمكانه تشكيل حكومة يمينية خالصة، ولا جانتس يستطيع إخراجهم من أزمتهم التي يبدو لي أنها لن تتوقف عند هذا الحد، بل ستتفاقم بصورة غير متوقعة. فقد انتهت مرحلة “ملك إسرائيل” ودخلوا في مرحلة “ملوك الطوائف”، إن جاز التعبير.
كيف سيكون المخرج إذاً؟ هل هناك احتمال في أن تشهد الحالة الإسرائيلية انتخابات ثالثة في أقل من نصف سنة، لتصبح أشبه بالحالة الإيطالية في التسعينات؟ في الحقيقة أن تحقق هذا الاحتمال ضعيف جدا، وهو أكثر الاحتمالات استبعادا، لأن الوضع الإسرائيلي لا يتحمل أعباء انتخابات ثالثة سياسيا واجتماعيا وربما اقتصاديا أيضا. ولكن يبقى الباب مواربا أمام هذا الاحتمال.
ولعل أقرب السيناريوهات المحتملة إلى التحقيق هو تشكيل حكومة “وحدة وطنية” تضم الحزبين الكبيرين؛ أزرق أبيض والليكود، وربما أيضا يسرائيل بيتينو. بل إن يسرائيل بيتينو سيعمل على أن يكون داخل الحكومة، رغم تصريحات ليبرمان من أنه يريد حكومة وحدة، حتى لو بقي خارجها. فقد مارس في السابق هذه العادة السيئة، ولا يمكن تصديقه.
لكن هذا السيناريو في ظاهره يواجه مشكلة أو عثرة تسمى نتنياهو الشخص. فحزب جانتس أعلن أنه لن يجلس في حكومة واحدة مع نتنياهو الذي يواجه تحقيقات جنائية قد توصله إلى لائحة اتهام. وللخروج من هذا المأزق فإن أمام جانتس مساحة ضيقة جدا، تتمثل بإمكانيتين كلاهما صعب، ولكن تحقيقهما أو تحقيق أحدهما ليس مستحيلا، خاصة إذا وصل إلى طريق مسدود قد يقود إلى ما لا يريدون، وهو إعادة الانتخابات.
طبعا حتى الآن لم ينته فرز الأصوات نهائيا، وفي التالي فإن نتائج الانتخابات ليست نهائية، بحيث يبني عليها رئيس الدولة الإسرائيلية رؤوبين رفلين قراره بشأن الشخص الذي سيكلفه بتشكيل الحكومة. ولكن أيا كانت النتائج النهائية فإن التكليف بتشكيل الحكومة سيكون من نصيب أحد الرجلين، نتنياهو أو جانتس. وفي السيناريو المطروح الآن ليس مهمًّا أي شخص منهما سيكلف رفلين، لأن كليهما في ورطة حقيقية وفي مأزق كبير.
الاحتمال الأول أن يستغل المكلف بتشكيل الحكومة، وعلى الأغلب سيكون رئيس الحزب الذي حقق أكبر عدد من المقاعد، وهو جانتس، الوقت الممنوح قانونيا لإطالة أمد مفاوضات تشكيل الحكومة، إلى الشهر القادم، الذي سيشهد جلسة استماع لنتنياهو بخصوص الملفات المعلقة ضده، والتي يحتمل أن يقدم فيها ضده لائحة اتهام، وذلك لكي تتضح الصورة أمام جانتس ويسير في مفاوضات تشكيل لحكومة بناء على مصير نتنياهو. فإن تقرر تقديم لائحة اتهام، وهو احتمال وارد بقوة، فإن جانتس سيتنفس الصعداء، لأن نتنياهو عندها سيضطر إلى الاستقالة من رئاسة حزب الليكود، وإن لم يفعل بمبادرته فقد يضطر الحزب إلى إقالته حفاظا على مستقبل الحزب السياسي. وعندها ستزول العقبة التي يشكلها نتنياهو في تشكيل حكومة وحدة، حتى لو اضطر جانتس إلى التضحية باتفاقية التناوب على رئاسة الحكومة مع شريكه يئير لبيد. وهناك احتمال إذا ما حدث هذا فعلا أن يفض لبيد الشراكة مع جانتس. وعندها ستكون هناك إمكانية أن تنضم إلى الائتلاف قوى أخرى من اليمين واليسار، وربما حزب شاس، الذي لا يمكنه أن يبقى خارج السلطة التنفيذية، وهو مستعد لتقديم كل التنازلات الممكنة ليبقى داخل المشهد.
الاحتمال الثاني، وهو الأصعب، أن يقرأ حزب الليكود الوضع بصورة مختلفة، ويقرر في لحظة ما أن يتنازل عن نتنياهو من الآن، وبغضّ النظر عن مصير الملفات المتعلقة ضده. وربما أن ما يجري الآن وراء الكواليس داخل حزب الليكود وأحزاب اليمين، يحمل دلالات تقود إلى هذا الاحتمال. فقرار نتنياهو إلغاء سفر إلى الأمم المتحدة وإرسال وزير خارجيته لإلقاء كلمة بدلا منه، له معان كثيرة، ودلالات تثير تساؤلات كثيرة. أضف إلى ذلك التصريحات التي صدرت عن قيادات يمينية مثل شاكيد، والتي تشير إلى وجود ضبابية في تصريحات نتنياهو بشأن الكتلة اليمينية المانعة التي تتعهد بالدخول في حكومة يمينية فقط برئاسة نتنياهو، ما يعني التشكيك في نوايا نتنياهو. ثم التصريح الأخير لنتنياهو أمس الخميس، والذي دعا فيه جانتس إلى حكومة وحدة، مناقضا تصريحاته من أول أمس أنه سيوقع مع أحزاب اليمين اتفاقا لتشكيل حكومة برئاسته. ولا أشكك للحظة أن روبي رفلين لعب دورا في هذا التحول، من وراء الكواليس، إضافة إلى ليبرمان بطبيعة الحال. فالتصريحات العلنية شيء، وما يحاك وراء الكواليس شيء آخر، وهو الذي يحسم الأمور، ويعكس حقيقة ما يجري وما سيجري. لقد كانت كمية المياه التي شربها نتنياهو أثناء إلقائه خطابه فجر الأربعاء مؤشرا على أن الرجل في مأزق كبير، سيقوده إلى دفع ثمن كبير سياسيا وشخصيا.
لا يستطيع نتنياهو شخصيا أن يبقى خارج المشهد، لأسباب شخصية تتعلق بملفاته الجنائية، ولأسباب سياسية إيديولوجية، تتمثل في بقاء حزب الليكود بأفكاره وأجنداته داخل المشهد. ولذلك فإن نتنياهو فيما يبدو حتى الآن، مستعد أن يتقدم خطوة بل خطوات نحو تشكيل حكومة وحدة برئاسة جانتس، وربما يقضي الاتفاق بينهما على التناوب المشروط، بحيث يكون جانتس هو رئيس الحكومة في الفترة الأولى، ويكون نتنياهو رئيسا في الفترة الثانية، ولكن فقط في حالة عدم تقديمه للمحاكمة، فإن قدمت ضده لائحة اتهام، يستقيل ويُستبدل بشخص آخر من قيادات الليكود، ربما يسرائيل كاتس، وربما جدعون ساعر.
بعض المحللين الإسرائيليين رأوا أن هذه الخطوة من نتنياهو هي خطوة تكتيكية هدفها حشر جانتس في الزاوية، وإلقاء المسؤولية عليه في الفشل في تشكيل الحكومة، ومن ثم تعود الكرة إلى نتنياهو ليتسلم زمام الأمور ويقود تشكيل حكومة برئاسته، على صورة حكومة يمينية، أو حتى حكومة وحدة لا يكون جانتس رئيسها. وهذا احتمال وارد كذلك. ولعل ما لم يذكره المحللون الإسرائيليون أن هذه الخطوة من نتنياهو تهدف أيضا إلى استبعاد احتمال أن يحظى جانتس بدعم من القائمة المشتركة، ومن ثم تبقى المشتركة خارج اللعبة وخارج المشهد، ولا يمكنها تحقيق شيء من الأهداف التي وعدت جمهورها بتحقيقها. هذا وارد أيضا وبكل قوة.
وفي كل الأحوال وأيا كانت النتيجة، فإن الحزبين الكبيرين أعلنا مسبقا أنهما يريدان حكومة يهودية صهيونية خالصة، ليس للصوت العربي فيها أي دور ولو من بعيد. واعتقادي الشخصي أن هذا هو الذي سيحدث في نهاية المطاف. وستبقى المشتركة نسخة أخرى عن نسخ كثيرة يصل عددها إلى 21 نسخة، هي عدد انتخابات الكنيست السابقة.
ولنقرأ جيدا ما قاله نتنياهو لجانتس أمس: تعال نشكل حكومة وحدة اليوم قبل الغد.. ما معنى هذا؟ إن نتنياهو يبحث عن مخرج من مأزقه قبل جلسة الاستماع في الشهر القادم. وربما تكون قد حدثت أمور هذه الليلة (بعد نشر هذا المقال)، لنستيقظ صباح الجمعة على مفاوضات تشكيل حكومة حدة يقودها جانتس… وتبقى كل الاحتمالات مفتوحة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى