أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

طغيان المطلبي على الوطني لدى “الكنيستيين”

توفيق محمد
رغم نقاشنا المبدئي مع أعضاء الكنيست العرب حول مبدأ المشاركة في انتخابات الكنيست من عدمه، الا اننا دائما عملنا وما نزال في ساحات النضال المختلفة التي تعنى بقضايا شعبنا الحارقة في كل المواقع والأماكن.
لكن مع إقرار هذه الحقيقة، هناك حقيقة أخرى أعتقد انها توجب إخضاعها لمراكز الدراسات للبحث والتحليل في أسبابها ودوافعها وإسقاطاتها على قضايانا الجماعية في الداخل الفلسطيني خصوصا، وعلى قضية شعبنا الفلسطيني عموما، وهي انخفاض السقف الوطني في الخطاب السياسي والإعلامي لأعضاء الكنيست العرب تدريجيا في العقدين الأخيرين الى ان وصل اليوم الى لا سقف، حيث أعضاء الكنيست والمترشحون لها باتوا يعلنون عن استعدادهم للمشاركة في الحكومة الإسرائيلية القادمة حتى وان كانت حكومة يمين متطرف لصالح المطلبي على حساب الوطني.
جبهة الحزب الشيوعي الإسرائيلي على سبيل المثال ومنذ تأسيسها، بل وقبل ذلك عندما كان الحزب الشيوعي يخوض الانتخابات باسمه، كانت هي والحزب واضحين في رؤيتهما السياسية لمستقبل الداخل الفلسطيني، حيث رأوا في الاندماج في الدولة والمجتمع الإسرائيلي والمساواة التامة (والمساواة التامة تعني مساواة في كل شيء وعليها أكثر مما لها) جزءا من برنامجهم السياسي، وقد تختلف معهم أو تتفق معهم في هذه الرؤية، لكنهم دائما كانوا واضحين في هذه المسألة، ولذلك مما أذكره في مظاهرات الأول من أيار التي كانت تجوب شوارع بلداننا، كان الحزب الشيوعي يرفع العلم الإسرائيلي، تأكيدا على الهوية الإسرائيلية التي يريد ترسيخها في المجتمع العربي الفلسطيني، وكما قلت لك ان تتفق مع هذا ولك أن تخالفه، لكنهم كانوا وما يزالون واضحين في الموقف من الاندماج الكامل والتام في الدولة والمؤسسات والمجتمع.
مع ذلك حاول قسم من أعضاء الكنيست الجبهويين الذين قادوا العمل الجبهوي من داخل الكنيست إبراز الحس الوطني الى جانب سعيهم الاندماجي بالدولة والمؤسسات والمجتمع الذي يعتبرونه خدمة للمجتمع العربي، ومع اختلافنا المبدئي معهم في هذه المسألة، لكون الكنيست بالنسبة للعربي كالسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا أتاه لم يجد سوى الرمل الكثيف الذي يعفر وجهه ووجه مجتمعه في كل مرة، مع ذلك فإن من سبق عضو الكنيست أيمن عودة على سبيل المثال في هذا المنصب وهو السيد محمد بركة ومع ما نختلف معه في مواقف وما نتفق معه في أخرى، إلا انه كان ما يزال يمثل قسمات الوجه الوطني للجبهة، وكان ما يزال يحافظ على هذا الخطاب، وكان يحاول الا يرجح خطاب الخدمات والمطالب اليومية الحياتية على الخطاب الوطني، وعندما تتاح له فرصة الحديث المنفتح الخالي من الرسميات فإنه يقول لك :”يا زلمي انت مالك أنا فلاح” في إشارة الى تمسكه وحبه للأرض، وهذا كان ديدن قسم آخر من أعضاء الكنيست العرب في تلك المرحلة من مختلف الأحزاب، ومع أنني والسواد الأعظم من أبناء شعبنا الفلسطيني نعتبر أن مشاركة أعضاء الكنيست العرب ليست سوى مسحوق تجميل على الوجه المضطهِدِ الظالمِ لشعبنا على كل خارطة الوطن التاريخية، لكن ذلك كان خيار قسم من أبناء شعبنا الذين نختلف معهم في هذه الجزئية من جزئيات عدة ونتفق معهم في جزئيات أخرى.
المرحلة الحالية التي نعيش فصولها الآن هي استمرار لمرحلة سبقتها إبان إقامة الدولة (من حيث مطالب الإندماج والإنخراط في الدولة والحياة والمجتمع) يوم أن احتج عضو الكنيست عن الحزب الشيوعي الإسرائيلي الراحل توفيق طوبي “على عدم تجنيد العرب لجيش الدفاع الإسرائيلي” (جريدة دافار 17.1.1950) وهو نفسه الذي قال في خطابه الأول في الكنيست ان “إقامة إسرائيل “انتصار لكل قوى الحرية والديموقراطية” (-https://he.wikipedia.org) وهو نفسه الذي امتدح صمود إسرائيل في حرب عام 1948 أمام ما وصفه “مؤامرات التدخل الامبريالية” (-https://he.wikipedia.org) أيضا في خطابه الأول في الكنيست، هكذا نظر الحزب الشيوعي الإسرائيلي للصراع العربي الفلسطيني في تلك الأيام.
وقد قطعت تلك المرحلة من الحياة الكنيستية مرحلة الثمانينيات والتسعينات يوم أن استيقظ الحس الوطني للداخل الفلسطيني بعد يوم الأرض ومجزرة صبرا وشاتيلا التي غذَّت الحس الوطني لأهل الداخل الفلسطيني وأعادتهم الى فلسطينيتهم التي كادت تندرس تحت وطأة المطالب اليومية والحقوق المدنية، ونشأ جيل جديد خاصة بعد تأسيس لجنة المتابعة العليا جعل للحس الوطني مكانة عليا في خطابه السياسي الاحتجاجي في الكنيست، وهو وإن لم يعدو كونه خطابا احتجاجيا -كما أرى- أضفى شرعية على الاحتلال الإسرائيلي للجزء المحتل من وطنه عام 1967 لأنه يمارس الاحتجاج الخطابي، لكنه سيكون بعد التصويت على مجمل قرارات الاحتلال في الكنيست جزءا من الكينونة التشريعية التي أقرت منظومة الظلم الممارس على شعبنا على كل خارطة الوطن التاريخية.
أما أعضاء كنيست اليوم فقد طغى عندهم المطلبي على الوطني، وبات جل مطلبهم تغليب المصالح الحياتية اليومية على المصالح الوطنية العليا، ولذلك بتنا نسمع أن عضو الكنيست أيمن عودة يقبل بتقسيم القدس الى قدسَيْن، ويستعد لدعم حكومة الجنرالات في حال أقيمت وهم ليسوا الا جزاري شعبنا منذ سنين قليلة جدا في المعارك على غزة (غانتس واشكنازي ويعلون) وبراك حليفهم الطبيعي الذي كانت آخر مجازره بحق شعبنا إبان هبة القدس والاقصى يوم ان قتلت قواته 13 شابا من أبنائنا وبلغ عدد شهداء أبناء شعبنا في الضفة الغربية وقطاع غزة في الانتفاضة التي بدأت في عهده واستمرت أكثر من 5000 شهيد.
وبتنا نسمع عن استعداد المرشح السادس في القائمة المشتركة السيد وليد طه لدعم حكومة اليمين عندما قال: إن دعم حكومات اليمين لن يكون بالمجان، وهو الاستعداد الواضح لدعم حكومة يمين برئاسة نتنياهو مقابل بعض الحقوق المدنية في الميزانيات للسلطات المحلية العربية وغير ذلك، وهي على فكرة وظيفة رؤساء السلطات المحلية العربية التي يجيدون القيام بها بمعزل عن أعضاء الكنيست لأن هؤلاء وظيفتهم في الكنيست تشريعية وليست تنفيذية، كرؤساء السلطات المحلية العربية.
وكتصريحات عضو الكنيست عن القائمة العربية الموحدة الدكتور منصور عباس الذي ادعى فرح اليهود بالفتح العمري لبيت المقدس، وبعد ذلك وخلال الإعلان عن انطلاق القائمة المشتركة من جديد تحدث عن “أبناء العمومة” في وصفه لمن من الممكن ان يؤيد القائمة المشتركة من الإسرائيليين، وفي كلتا الحالتين تعمل هذه التصريحات غير الصحيحة تاريخيا على تغيير الحالة الوجدانية لدى جمهور الهدف الذي يخاطبه الدكتور منصور عباس، وتهيئة الوجدان والعقل لدى جمهوره يتقبل “أبناء العمومة” وقهرهم وظلمهم لشعبه الفلسطيني بالحب والرضا.
عليه فان القائمة المشتركة وفق تصريحات قيادييها البارزين ذاهبة باتجاه الأسرلة التامة والذوبان في الدولة والمؤسسة والمجتمع الإسرائيلي، ويأتي ذلك على حساب تغييب الهم الوطني الكبير تحت حجة الواقع العربي المترهل.
والسؤال المطروح هو هل نسمح لهم بهذا الانزلاق أم نقول لهم لا للكنيست، ويكفي تجربة 70 عاما ما ازددنا فيها سوى انتكاسة بعد انتكاسة، وتعالوا لنجرب حياتنا بعيدا عنها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى