أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

شهادة محمد بركة في ملف الشيخ رائد صلاح في محكمة الصلح في حيفا

المحامي خالد زبارقة

لم تكن شهادة الأستاذ محمد بركة في محكمة الصلح في حيفا في ملف الشيخ رائد صلاح بالشهادة العادية، انما كانت شهادة تاريخية توثق لمرحلة تاريخية مهمة في مسيرة الشعب الفلسطيني في الداخل، وخاصة فيما يتعلق بمعركة الرواية الفلسطينية الحقيقية للأحداث أمام الرواية الإسرائيلية المزيفة.
أحد الجوانب المهمة في هذا الملف هو الدفاع عن الرواية بكل تفريعاتها؛ سواءً تلك التي تتعلق بالهوية والانتماء أو التي تتعلق بالأحداث التي مرت على شعبنا في هذه البلاد.
تحاول النيابة الإسرائيلية ومن يقف خلفها تجريم الرواية الفلسطينية، تجريم الأحداث التي مر بها شعبنا، تجريم تاريخ هذا الشعب؛ وتريد ان تظهر بمظهر صاحب الشرعية وصاحب الحق والسلطة وتحتكر الأخلاق والقيم الإنسانية؛ وبناءً عليه فهي تحاول بناء رواية تتماهى مع تلكم الأهداف وتحاول فرض هذه الرواية على المجتمع العربي بقوة السلطة والجبروت- اعتقالات، تحقيقات، اتهامات، محاكمات وسجون. هذا بالضبط ما تسعى اليه السلطات الإسرائيلية.
في ملف الشيخ رائد صلاح لم تقف محاولات السلطة الإسرائيلية عند هذا الحد، وانما حاولت وبكل ما أوتيت من قوة تجريم المفاهيم الدينية الإسلامية كمفهوم الشهادة والرباط ومفهوم الإيمان بالحق الإسلامي الخالص في المسجد الأقصى المبارك.
كما نجح المشروع الصهيوني العالمي في استعباد الفكر الغربي الى منظومته الفكرية بقوة القانون والسلطة وبنشر الخوف والذعر بين المجتمع بواسطة “بعبع اللاسامية”، حتى أصبح التعريف القانوني لمفهوم اللاسامية غير واضح وفضفاض وغير محدد؛ وأصبح الخوف من انتقاد اليهود أو انتقاد إسرائيل أو التعرض لجرائم الاحتلال في الأراضي المحتلة، يدخل في خانة معاداة السامية؛ طبعاً هذا تشويه لمفهوم السلطة والقانون وتشويه لمفهوم الصلاحيات القانونية ويضفي حالة من الغباش وعدم الوضوح في المفاهيم القانونية كون أن القواعد القانونية في تعريف الجرائم توجب الوضوح وتحديد حدود الجريمة، لان القاعدة القانونية تقول إن كل قيد يجب ان يكون محددا، حتى لا ينزلق المجتمع في متاهات المسموح والممنوع؛ وحتى تمنع تعدي “التجريم القانوني: على الحريات العامة والخاصة والحقوق الإنسانية للمجتمع سواءً الحقوق الجماعية أو الفردية.
وبالعودة إلى ملف الشيخ رائد صلاح؛ فإن ما تحيكه لنا المؤسسة الإسرائيلية، بكل أذرعها، هو محاولة تغيير المفاهيم والقناعات عند الافراد وعند الجماعات والمجتمع، وبالتالي تغيير الوعي والادراك بواسطة ما يسمى في علم السياسة “عملية كي الوعي” التي تنتهجها معنا كشعب فلسطيني بشكل عام، وفي هذا الملف على وجه الخصوص.
المهم في هذا الملف أن السلطات الإسرائيلية تحاول أن تتصادم مع المفاهيم الدينية كالرباط والشهادة والمفاهيم الوطنية كالهتافات والشعارات التي يرددها الشعب الفلسطيني في مسيرة نضاله الطويلة، وتحاول ايضاً ان تصادم المفاهيم اللغوية للغة العربية وصبغ كل ذلك بصبغة إرهاب وجريمة بما يلائم أهدافها التي أصبحت مكشوفة للعيان، وخلط كل المفاهيم بعضها ببعض حتى يفقد الانسان قدرته على التفريق بين المسموح والممنوع ويبقى عامل الخوف عند المجتمع ونشر الرعب، هو الأداة التي تستعملها لتجلد بها هذه المفاهيم.
شهادة الشيخ رائد صلاح على مدار ثمان جلسات، وشهادة الأستاذ محمد بركة، تمحورت حول التصدي لهذه المحاولات؛ وحتى نحدد للقارئ المفهوم أكثر فإننا نقول إن لائحة الاتهام التي نسب للشيخ رائد صلاح تمحورت حول عدة نقاط رئيسية: ما الذي حصل يوم 14/07/2017 في باحات المسجد الأقصى المبارك، هل هو عملية “إرهابية” بالمفهوم الإسرائيلي؟ في هذا الصدد تحاول المؤسسة الإسرائيلية أن تفرض علينا هذا المفهوم، وبالتالي هل شباب أم الفحم الذين استشهدوا في باحات المسجد الأقصى المبارك يعتبرون، حسب القانون الإسرائيلي إرهابيين، وبالتالي هل كل من يتعاطف مع هؤلاء الشباب يتهم انه تعاطف مع الإرهاب او يعتبر محرضاً على الإرهاب والعنف، أم أن ذلك يندرج تحت الحق في حرية التعبير عن الرأي؟
النقطة الثانية في لائحة الاتهام، هي أحداث باب الاسباط والتي حصلت في محيط المسجد الأقصى المبارك في الفترة الممتدة بين تاريخ 14/07/2017 حتى 28/07/2017، هل تعتبر من “الأعمال الإرهابية” التي يحاكم عليها “القانون” ويوصف بالمحرض على الإرهاب كل من اشترك فيها أو تعاطف معها؟
النقطة الثالثة: هل الرباط في مفهومه الشعبي والديني الذي كان حول المسجد الأقصى المبارك في تلكم الأيام يعتبر عملا إرهابيا يحاكم عليه القانون؟
النقطة الرابعة: هل وصف الشهداء الذين ارتقوا في تلك الفترة بالشهداء، يعتبر تعاطفا مع الإرهاب، وبالتالي الصلاة عليهم والدعاء لهم والترحم عليهم يعتبر تحريضا على الإرهاب؟
لا شك أن السلطات الإسرائيلية في هذا الملف تحارب مفاهيم دينية ووطنية بواسطة خلط الحابل بالنابل، وتعتدي على المعتقدات الدينية والتراث الوطني للكل الفلسطيني.
في ظل كل هذه الأجواء، تأتي شهادة الأستاذ محمد بركة، بصفته رئيس لجنة المتابعة للجماهير العربية في الداخل الفلسطيني، في المحكمة يوم 14/07/2019، ولهذا التاريخ رمزية معينة وهي الذكرى السنوية الثانية على أحداث الأقصى، موضوع لائحة الاتهام.
كانت إجابات الأستاذ محمد بركة على النحو التالي:
أولاً: بخصوص أحداث الأقصى التي حصلت يوم 14/07/2017: قال إن هذا الحدث يعتبر من الاحداث المهمة في تاريخ المجتمع العربي في الداخل، لقد رشحت معلومات جزئية عن طريق الصحافة وصدرت أخبار صحفية ومعلومات عن طريق اطراف محايدة وأطراف لها مصالح، كان هناك توتر كبير عندما سمعنا أن شباب من أم الفحم قتلوا في المسجد الأقصى وقتل شرطيين من الطائفة الدرزية، وهذا الحدث يحمل قوة انفجار هائلة في مكان مقدس وهو المسجد الأقصى، إلى ذلك يجب أن نضيف إغلاق المسجد الأقصى أمام صلاة المسلمين في يوم الجمعة ومنع الاذان، وهذه هي المرة الأولى في التاريخ يمنع فيها الأذان وصلاة الجمعة في المسجد الأقصى، وهذا ما زاد التوتر وحالة الغضب في الشارع الفلسطيني.
وأضاف الأستاذ محمد بركة، بدأنا مباشرة في التشاور مع مجموعة من القيادات العربية ورؤساء البلديات، وأصدرنا بيانا في الساعة الثالثة بعد الظهر، أكدنا فيه أن هذا الحدث فردي؛ وبعد ذلك دعوت إلى جلسة طارئة في نفس اليوم الساعة العاشرة ليلاً في مدينة الناصرة، وهناك علت علامات استفهام كبيرة على الرواية التي نشرتها الشرطة؛ وعلى ضوء تجاربنا مع روايات الشرطة الإسرائيلية وكذبها في عدة قضايا سابقة، أصدرنا بيانا باسم لجنة المتابعة، أكدنا فيه على أن النضال العسكري لا يعتبر احد أدوات نضالنا لتحقيق حقوقنا في هذه البلاد، وأذكر أن الشيخ رائد صلاح هو أول من صرّح بذلك. في اليوم التالي بدأنا ندقق في تفاصيل الأحداث وبدأت الاخبار تصل إلينا من هنا وهناك، وتابعنا تصريحات الشرطة الإسرائيلية وبدأت تتكون لدينا القناعة أن المخفي أعظم وأن الشرطة لا تقول الحقيقة، وحتى اليوم لم توضح لنا الشرطة الحقيقة، ولم تقم بإظهار كافة التفاصيل التي تتعلق بالحدث المذكور، وأذكر أنني رأيت تصوير فيديو يوثق استشهاد أحد الشباب على سطح قبة الصخرة، ولم يكن يشكل أي خطر على أحد، بل انه كان اعزل من أي سلاح وعند هروبه تم اطلاق النار عليه من طرف الشرطة الإسرائيلية وقتلوه، إنها عملية اعدام ميداني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى، بالإضافة الى إغلاق الشرطة للمسجد الأقصى ومنع الاذان على مدار الأيام التي تلتها، وهذا ما زاد الشكوك لدينا على رواية الشرطة.
بعد إغلاق المسجد الأقصى يوم الجمعة واستمرار إغلاقه يوم السبت ومنع الصلوات فيه، قلقنا جداً على المسجد الأقصى وبدأت تساورنا الشكوك أن شيئا ما يحصل لتغيير وضعية المسجد الأقصى، لذلك دعوت إلى اجتماع عندي في بيتي لكل مركبات لجنة المتابعة، يوم الاحد الساعة العاشرة صباحا، حتى نناقش سبل النضال الجماهيري والتصدي لمحاولات تغيير الوضع في المسجد الأقصى والمساس بحقوق المسلمين فيه، والنقطة الثانية هي تهدئة الأجواء التي توترت بعد نشر المعلومات المضللة حول مقتل الشرطيين؛ يوم الاحد وفي بداية الجلسة وصلت إلينا معلومات تفيد أن الشرطة قامت بوضع بوابات إلكترونية على مداخل المسجد الاقصى وهذا ما عزز لدينا القناعة بكذب رواية الشرطة.
كانت لدينا قناعة أنهم يريدون أن يفرضوا واقعا جديدا على المسجد الأقصى، نوايا الاحتلال الإسرائيلي بخصوص المسجد الأقصى معروفة للجميع ولا يمكن فصل الاحداث التي حصلت من الربط العام بالنوايا الإسرائيلية بخصوص المسجد الأقصى ونوايا الاحتلال من تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى والمساس بحق المسلمين الديني الحصري فيه.
عقدت الجلسة وقمنا بإصدار بيان شككنا فيه بالرواية الإسرائيلية وحذرنا السلطات الاسرائيلية من استغلال الظروف لتغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى وحملنا الشرطة الإسرائيلية المسؤولية عن الاحداث.
وتابع السيد بركة في شهادته: تجربتي الشخصية مع الشرطة الإسرائيلية والتي لا تتوانى في كيل الاتهامات من دون وجه حق لكل من هو من ذوي البشرة الداكنة حتى أنت يا سيادة القاضي ينظرون إليك بنفس النظرة، أنظر ماذا يفعلوا في يهود الفلاشا، هذه الأيام؛ قبل عدة سنوات اتهموني بأربع اتهامات كلها باطلة وتبين في المحكمة انها باطلة، وتجربتنا الجماعية في قضية استشهاد ثلاثة عشر من أبنائنا في أحداث أكتوبر وقضية خير الدين حمدان، وقضية يعقوب أبو القيعان وكثير من القضايا التي تبين كذب الشرطة وتزييفها للوقائع.
وللإجابة على السؤال هل الشباب الذين قتلوا في الأقصى هم شهداء؟ أجاب بركة: في الصراع المستمر والذي بدأت به الشرطة انطباعنا الأولي أن قتل العرب وذوي البشرة الداكنة هي الأولوية الأولى عند الشرطة، ولذلك نحن نصف من قتل على يد قوات احتلال، ننظر اليها على أنها قوات ظلم وبطش، كشهيد، هذه مقولة سياسية وشعبية متعارف عليها لأنه ضحية جهاز ظلم وبطش ولأن يد الشرطة خفيفة على السلاح عندما يكون الضحية عربي.
ما هي نظرتك للمرابطين والمرابطات، ردّ بركة: أنا أعرف أنه يوجد رباط وهو التواجد في الأماكن المقدسة والصمود على الأرض وانا أقدر كثيراً المرابطين والمرابطات الذين صمدوا في وجه الاحتلال ليعبروا عن احتجاجهم على وضع البوابات الالكترونية في مداخل المسجد الأقصى. إلى هنا شهادة الأستاذ محمد بركة.
وهذا هو جزء يسير من ملف الشيخ رائد صلاح الذي يدار في أروقة المحاكم الإسرائيلية على مدار عاميين تقريباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى