أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

لعبة الكنيست والخلل في تحديد الخلل

صحيفة المدينة
مثلنا ومثل لعبة الكنيست كقوم ركبوا حافلة خربة قد أكل عليها الدهر وشرب ولا تقبل الإصلاح، ثم انتدبوا أحدهم كي يسوق بهم تلك الحافلة حتى تقلهم إلى وجهتهم المنشودة، فحاول ذلك السائق عبثا أن يسوق تلك الحافلة إلا أنه مُني بالفشل ولم ينجح بتحريك إطارات تلك الحافلة ولو خطوة واحدة للأمام أو الخلف، فقال له اولئك القوم ركاب الحافلة، لقد فشلت في سياقة الحافلة، ولذلك قررنا أن نستبدلك بسائق آخر منا!! وغاب عنهم أن الخلل هو في ذات الحافلة وليس في السائق الأول!! ثم حاول السائق الثاني أن يسوق تلك الحافلة إلا أنه مُني بالفشل كذلك، وأنّى له أن ينجح بسياقتها وما هي إلا خردة حديد وإن بدت للعيون في مظهرها أنها حافلة، ثم لما فشل السائق الثاني بتحريك إطارات تلك الحافلة ولو بضع سنتمترات صاح فيه اولئك القوم ركاب الحافلة: لقد فشلت في سياقة الحافلة، ولذلك تباحثنا ونظرنا في أمرك وقررنا أن نستبدلك بسائق ثالث!! وغاب عنهم للمرة الثانية أن الخلل هو في ذات الحافلة وليس في السائق الثاني ثم بعد أن مُني السائق الثالث بالفشل ولم ينجح أن يحرك إطارات تلك الحافلة ولو قيد أنملة استبدلوه بسائق رابع وظل غائبا عنهم أن الخلل هو في ذات الحافلة وليس في السائق الثالث، وهكذا وعلى هذا الأساس ولأنهم ظلوا يعانون من الخلل في تحديد الخلل استبدلوا السائق الرابع بسائق خامس ثم بسائق سادس ثم بسائق سابع وثامن وتاسع … وهم يظنون طوال الوقت أن الخلل ليس في ذات الحافلة بل في كل سائق حاول سياقتها بداية من السائق الأول وصولا إلى ما لا نهاية له من عدد سائقين، كلهم كانوا فاشلين في نظر اولئك القوم ركاب الحافلة، وكلهم قاموا باستبدالهم، لان اولئك القوم ركاب الحافلة ظلوا يعانون من ذات الخلل وهو الخلل في تحديد الخلل، وهكذا مضى عليهم وقت طويل وهم يستقلون الحافلة طامعين أن تتحرك تلك الحافلة عساها أن تقلهم إلى وجهتهم المنشودة ولكن هيهات هيهات، حيث ظلت تلك الحافلة متسمرة في مكانها لا أمل أن تتحرك إطلاقا، فقام أولئك القوم ركاب تلك الحافلة وطلوها بلون جديد ظانين أن الطلاء الجديد سيعين سائقهم الجديد جدا جدا أن ينجح بتحريك تلك الحافلة، إلا أنها ظلت على حالها: كأنها وتد في الأرض حتى بعد ان طلوها بلون جديد، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر؟!
ومع شديد الأسف بدل أن يعيد اولئك القوم ركاب الحافلة النظر في فشلهم الطويل وفي فشل كل سائقيهم في تحريك تلك الحافلة ، وبدل أن يبحثوا عن الخلل الحقيقي الذي منع تحريك تلك الحافلة على مدار وقت طويل، بدل كل ذلك انقسموا على أنفسهم إلى أحزاب وراح كل حزب منهم ينتصر لأحد السائقين الذين فشلوا كلهم في تحريك تلك الحافلة، فمنهم من انتصر للسائق الفاشل الأول، ومنهم من انتصر للسائق الفاشل الثاني، ومنهم من انتصر للسائق الفاشل الثالث… إلخ، وباتوا في حال يصدق فيه قول الله تعالى: ( كل حزب بما لديهم فرحون)، فإن ظلوا كذلك فسيموتون ولن تتحرك تلك الحافلة حتى لو فسحوا المجال لألف سائق أن يحاول تحريكها، ثم ستموت الأجيال التي ستخلفهم ولن تنجح بتحريك الحافلة حتى لو طلتها بلون ثالث ورابع وخامس … إلخ بل حتى لو قامت بتغيير سائقيها وتغيير إطاراتها ومقاعدها ونوافذها!! وسيبقى الحل الوحيد ولو بعد ألف عام هو تغيير ذات تلك الحافلة لأن الخلل في ذاتها وليس في ذات أي سائق حاول أن يسوقها، لأن خللها خلل مزمن لا يقبل الإصلاح إطلاقا!!
ولا نبالغ إذا قلنا إن مثلنا مع الكنيست هو كمثل تلك الحافلة الخربة التي لا تقبل الإصلاح، ومثلنا مع أعضاء الكنيست العرب كمثل اولئك السائقين الذين فشلوا في سياقة تلك الحافلة لأن الخلل في ذاتها وليس في ذات السائقين، ومثل الشعارات التي تبدع القوائم العربية الكنيستية في نحتها في كل دورة انتخابات للعبة الكنيست كمثل اولئك القوم ركاب الحافلة الذين كانوا يطلونها بلون جديد كل برهة من الزمن ظانين أن اللون الجديد قد يساعد على تحريك تلك الحافلة، ومثل البعض من جماهيرنا في الداخل الفلسطيني التي لا تزال تدلي بأصواتها في كل دورة انتخابية للعبة الكنيست مع أنها باتت على يقين أن محصلة جهود كل أعضاء الكنيست العرب في الكنيست لا تزال صفرا منذ سبعين عاما، إن مثل هذه الجماهير كمثل أولئك القوم ركاب الحافلة الذين أضاعوا أعمارهم وهم يبحثون عن سائق جديد كل برهة من الزمن بدل أن يبحثوا عن الخلل الحقيقي الكامن في ذات الحافلة، ثم يغيروا هذه الحافلة غير مأسوف عليها بحافلة حقيقية بمظهرها وجوهرها ولونها ومقاعدها ونوافذها وسائقها.
ولذلك تعاقبت على دورات لعبة الكنيست منذ سبعين عاما الجبهة ثم الحركة التقدمية ثم الحزب العربي الديموقراطي ثم الحركة الجنوبية ثم التجمع ثم حركة الطيبي، وظلت محصلة جهود كل هذه القوائم في الكنيست تساوي صفرا، ثم ها نحن نسمع عن محاولات البعض في هذه الأيام لإقامة قوائم عربية كنيستية جديدة، ذات أسماء جديدة، وما أكثرها كما نقرأ عن ذلك بما هو بين أيدينا من وسائل إعلامية، وسلفا نقول ستبقى محصلة هذه القوائم العربية الكنيستية الجديدة صفرا فيما لو حصلت على عضوية في الكنيست، بالضبط كما كانت محصلة القوائم العربية الكنيستية القديمة تساوي صفرا منذ سبعين عاما، لأن الخلل في الأساس هو في ذات الكنيست وليس في أداء عضو الكنيست العربي في الكنيست.
ولذلك فليس المطلوب هو تغيير أعضاء كنيست عرب قدامى، بأعضاء كنيست عرب جدد، بل المطلوب هو تغيير مسار الكنيست أصلا، وكفى ما ضاع من أعمارنا في هذا المسار الصفري، وآن الأوان أن نتبنى إحدى البدائل عن الكنيست، وقد تحدثنا عن هذه البدائل في مقالة سابقة كانت بعنوان: (جدلية العلاقة بين الكنيست ونحن في الداخل الفلسطيني) وإن وجدنا ضرورة سنعيد نشر تلك المقالة التي لم يجف حبرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى