أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةشؤون إسرائيليةعرب ودولي

التعاون الإسرائيلي – السعودي تجارياً وأمنياً… وإن بزواج عرفي

في رؤياه، يرى وزير الخارجية الإسرائيلي كاتس ارتباطاً برياً جديداً – قديماً سيغير وجه الشرق الأوسط. على جانبيه ميناء حيفا ومدينة الميناء السعودي داماس على شاطئ الخليج الفارسي. على الطريق تنبعث إلى الحياة أجزاء من خطوط سكة الحديد لقطار الحجاز الذي ربط حتى 1946 بين تسيمح على شاطئ بحيرة طبريا وبلدة درعا في سوريا. وفي نموذج السكة للعام 2000 إن لم تكن سوريا في الصورة لكن السعودية فيها بقوة. رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزير كاتس تحدثا عن هذه الخطط مع مبعوثي الرئيس ترامب جارد كوشنر وجيسون غرينبلات، واستطاب الأمريكيان الفكرة وأدرجاها في القسم الاقتصادي من صفقة القرن.
عرضت الخطة على الجمهور قبل سنتين ولكنها تعود الآن إلى مركز الخطاب السياسي في المنطقة. وطرحها كاتس في المحادثات التي أجراها قبل أسبوعين مع نظيره في أبوظبي وقبل ذلك في عُمان. وكانت ردود الفعل أديبة حتى عاطفة.
يسمي كاتس ونتنياهو المشروع “سكة للسلام الإقليمي”. وهو يستهدف الربط الاقتصادي والاستراتيجي بين السعودية ودول الخليج، عبر الأردن، بشبكة القطارات الإسرائيلية وميناء حيفا؛ لخلق “مسارات تجارية بديلة” رخيصة وسريعة وآمنة أكثر، على خلفية التهديد الإيراني الملموس على المسارات البحرية في الخليج الفارسي.
في السعودية يعرفون خطة السكك جيداً. مبدئياً، السعوديون يؤيدون. الأردن هو الآخر جزء لا يتجزأ من الرؤيا في إطار صفقة القرن: قطار السهل الجديد – القديم من حيفا إلى بيسان، والذي بدأ يعمل في 2016، ومخطط لأن يتواصل شرقاً حتى معبر الحدود مع الأردن (معبر الشيخ حسين)، وجنوباً أيضاً إلى معبر جلبوع – الجلمة، في منطقة جنين، حيث يمكن أن يرتبط به الفلسطينيون، إذا ما كفوا عن رفضهم التام.
من الأردن ستواصل القطارات – في المرحلة الأولى قطارات الشحن – هي إربد، والزرقاء وحتى الحدود الأردنية السعودية، على خطوط مسار قطار الحجاز. وأقام السعوديون و”الخليجيات” منذ الآن في نطاقهم شبكة سكة حديد تسمى “الخط الشمالي – الجنوبي” أو “خط المعادن”- من حدود الأردن السعودية إلى الرياض وإلى موانئ الخليج الفارسي، وبالأساس إلى داماس.

محرك نمو هائل
من زاوية نظر إسرائيل، يعد هذا ربحاً ملموساً جداً، سياسياً وحزبياً، بل واقتصادياً أيضاً. فحساب سريع يفيد بأنه إذا ما مرت ثلث التجارة السعودية عبر إسرائيل فإنه سيعطي دورة نشاط لأكثر من 300 مليار دولار في السنة.
هذا مجد للسعوديين أيضاً – سواء لأجل رفع مستوى التعاون الاقتصادي والأمني مع الغرب وتطوير التعاون مع إسرائيل ضد إيران، أم لإنتاج بديل لمسار التجارة البحرية المهدد اليوم. فالمسار البحري الحالي يمر عبر مضيق باب المندب إلى شواطئ اليمن، حيث يتواجد الحوثيون، وفي مضيق هرمز حيث يتواجد الإيرانيون، أعداء السعوديين.
البديل البري أقصر وآمن أكثر بأضعاف؛ فطول المسار البحري من ميناء داماس، الميناء المركزي للسعودية، إلى البحر المتوسط، عبر الخليج الفارسي، والبحر الأحمر وقناة السويس هو 6 آلاف كيلومتر. بالمقابل، فإن المسار البري عبر إسرائيل إلى ميناء حيفا هو 600 كيلومتر فقط.
المخفي لا يزال أكبر من الظاهر، ولكن حتى الظاهر يعصف بالخيال. هناك من يسمي السعودية وإسرائيل “المتزوجين عرفياً”. في الموساد، الذي يهتم بالأمن أساساً، تعمل في السنوات الأخيرة مديرية تركز على المجال السياسي – الاستراتيجي. وقد أعلن رئيس الموساد يوسي كوهن عنها في مؤتمر هرتسيليا الأخير. فقد أوضح بأن “المصالح المشتركة” والصراع ضد الخصوم المشتركين – كلها معاً تخلق نافذة فرص قد تكون لمرة واحدة، للوصول إلى تفاهم إقليمي يؤدي إلى اتفاق سلام شامل”.
يمكن منذ الآن أن نرى مؤشرات أولية على المرونة السعودية. فقد سمحت السعودية قبل نحو سنتين لرحلات شركة الطيران الهندية أن تمر بين إسرائيل والهند في مجالها الجوي. وهكذا تقصر الرحلة الجوية إلى الهند من 7 إلى 5 ساعات. والبضائع الإسرائيلية، بما فيها الزراعية (البطيخ مثلاً) تصل إلى دول الخليج منذ الآن عبر تركيا والأردن.
حسب المنشورات، في شركات سايبر وتكنولوجيا إسرائيلية مسجلة في الخارج تعمل في السوق السعودية. وقريباً ستسمح السعودية لعرب من إسرائيل بالعمل في نطاقها والانضمام إلى فيلق الأجانب الهائل، أكثر من 10 مليون شخص ممن يسكنون ويعملون بل وحظوا بإقامة دائمة في المملكة. يدور الحديث أساساً عن عرب من خريجي الجامعات في إسرائيل في مجال الطب، والتخطيط والهندسة، ولكن أيضاً عن عمال يدويين وأصحاب مهن أبسط.
تشهد عن حجم الإمكانية الكامنة بالعلاقات بين إسرائيل ودول الخليج والسعودية، التي تعمل اقتصادياً تحت مجلس التعاون، ورقة وضعها مؤخراً إسحق غال، باحث في مركز دايان في جامعة تل أبيب، خبير في العلاقات التجارية والاقتصادية بين إسرائيل وبين جيرانها العرب.
ومع أن هذا مجرد حساب نظري، فإن نتائج بحث غال دراماتيكية: فالإمكانية الكامنة غير المتحققة تدل على إمكانية لنمو كبير للإنتاج الإسرائيلي للفرد إلى ما يتجاوز حافة الـ50 ألف دولار في السنة في غضون عقد، ورفع إسرائيل إلى مجموعة الـ15 دولة الغنية في العالم. ويقدر غال بأن “محرك النمو هذا هو علاوة سنوية من 45 – 50 مليار دولار لتصدير البضائع والخدمات الإسرائيلية في غضون عقد من السنين، ومعنى ذلك هو علاوة نحو 50 في المئة على إجمالي التصدير الإسرائيلي اليوم، وجعل السوق العربية السوق الأهم لإسرائيل إلى جانب السوق الأوروبية.
غير أنه فضلاً عن الشراكات الاقتصادية، فإن الجزء الأكثر تعقيداً بأضعاف، والذي يعطي ثماراً للمدى الفوري، ولكن من شأنه أن يكون خطيراً على المدى الأبعد، هو المجال الأمني.

من يحمي اليورانيوم؟
وفقاً لمنشورات أجنبية، فإن إسرائيل والسعودية ودول الخليج تقيم تعاوناً في مجال الأمن والاستخبارات والاستراتيجية، ولا سيما حيال إيران. د. يوئيل جوجانسكي، الذي نسق معالجة الموضوع الإيراني في مجلس الأمن القومي تحت أربعة رؤساء للمجلس وثلاثة رؤساء وزراء، هو اليوم باحث كبير في معهد البحوث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، ويواصل الانشغال بهذه القضايا.
“إسرائيل توجد في نوع من الفخ”، يقول جوجانسكي، “من جهة، نطور مع الولايات المتحدة – وفقاً لمنشورات إعلامية – أوجه التعاون مع السعوديين ضد إيران. من جهة أخرى لا يوجد ما يكفي من اليقظة في الساحة لآثار هذا التعاون. يكاد يكون هناك تجاهل لما يحصل في المجال النووي وفي مجال تطوير الصواريخ في السعودية وفي دول الخليج: اليوم هي معنا، غداً – في منطقتنا – لا نعرف”.

ما هو أساس تخوفك؟
“في اتحاد الإمارات تبنى منذ الآن أربعة مفاعلات نووية بمساعدة كوريا الجنوبية وبإقرار أمريكي، مخصصة لإنتاج الكهرباء. وتعهد الاتحاد ألا يخصب اليورانيوم؛ ولكن بن سلمان، ولي العهد السعودي، صرح السنة الماضية بأنه إذا طورت إيران سلاحاً نووياً، فالسعودية لن تنتظر. والآن يبني السعوديون مفاعلاً بحثياً صغيراً بمساعدة أرجنتينية، لا يمكن أن يستخلص منه البلوتونيوم للقنبلة. حتى الآن هذا لا يضر، ولكن هناك إمكانية كامنة للضرر وللخطر في المستقبل، إذا ما حصلت تغييرات سلطوية في السعودية وفي دول الخليج. في الخلفية أيضاً شبكة علاقات غير واضحة بين السعودية والباكستان النووي”.

ما نوع شبكة العلاقات؟
“مولت السعودية جزءاً كبيراً من البرنامج النووي الباكستاني. والتخوف للمدى البعيد هو أن تنقل الباكستان رؤوساً متفجرة نووية إلى السعودية، أو تساعد على إقامة منشأة لتخصيب اليورانيوم. والتخوف للمدى القصير هو أنه إذا اقتحمت إيران النووي، فالسعوديون سيطلبون والباكستانيون قادرون على أن يستجيبوا ويضعوا تحت تصرفهم طائرات تحمل قنابل نووية على الأراضي السعودية. مثل هذا السيناريو يقلقنا”.

أليس واعياً جهاز الأمن الإسرائيلي لهذه الإمكانية؟
“من يعرف لا يمكنه أن ينام بهدوء. في النصف السنة الأخيرة علمنا أن للسعودية مصنعاً لإنتاج الصواريخ. وقبل شهرين فقط اكتشفنا بأن الأرجنتين وردت لهم مفاعلاً بحثيا نووياً يبنى في الرياض. وإلى جانب التحول النووي للسعودية ولدول الخليج، توجد مسيرة تآكل في التفوق العسكري الإسرائيلي. السعودية واتحاد الإمارات يتزودان بسلاح متطور جداً.
“طائرات إف- 16 لدى اتحاد الإمارات والسعودية متطورة أكثر من تلك التي لدينا. السعوديون يضغطون الآن على الإدارة في الولايات المتحدة لتبيعهم إف-35 التي نحوزها نحن أيضاً. وعندما يرفض الأمريكيون بعضاً من الطلبات، يتوجه السعوديون إلى الصين وروسيا. تقول لنا الولايات المتحدة، بقدر ما من الحق، إننا إذا لم ننقل إلى السعوديين، فإن السعوديين سيشترون من الروس أو الصينيين. هذه لعبة حساسة”.

ألا تطلق إسرائيل صوتها في هذا الشأن؟
يكشف جوجانسكي النقاب بأن “ثمة معضلة. من جهة العلاقات القريبة مع تلك الدول، ومن جهة أخرى – مشتريات السلاح المكثفة من جانبها، مثل التسلح النووي، وتقرير تكنولوجيا الفضاء وشراء أقمار اصطناعية للتجسس من اتحاد الإمارات. صحيح أنهم اليوم ليسوا خصومنا، ولكن أنظمة متطرفة أكثر يمكن أن تحتل مكانها”.

لا يضرون مثل قطر
في شباط، وضعت في وزارة الخارجية وثيقة قدرت بأن السعودية لن تخرج إلى النور إمكانية تماثل المصالح الذي تقيمه مع إسرائيل في مجالات مختلفة. ويشارك جوجانسكي في هذا التقدير. فيوضح قائلاً: “بعد كل شيء، السعودية دولة محافظة وتطهرية، عرش الإسلام المتطرف. كثير من الأيديولوجيات الإسلامية المتطرفة تقوم على أساس التفسير الوهابي للإسلام الذي يعود أصله إلى السعودية. ومنذ وقت غير بعيد، نجونا ظاهراً بسلام من قضية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، التي كشفت عن الوجه الأخلاقي الإشكالي للحكم في السعودية (ففي نيسان الماضي أعدموا هناك في يوم واحد 37 شخصاً مشتبهين بالإرهاب). لا أقدر بأن السعوديين ناضجون لأن يخرجوا من الخزانة. هذا معقد جداً. فهم حراس الأماكن الأكثر قدسية للإسلام”.
وبالفعل، برزت الإرهاصات السعودية الداخلية مؤخراً في معطيات استطلاع أجرته الصحافة السعودية التي، وإن كانت نفسها تؤيد تطبيع العلاقات مع إسرائيل، إلا أنها قررت فحص ما الذي يفكر فيه متابعوها على “تويتر”، واستجاب الآلاف. 33 في المئة يؤيدون، و47 في المئة يعارضون، و20 في المئة قالوا إنهم ينتظرون نتائج الاستطلاع.
ووثق معهد “ممري” الحوار السعودي الداخلي ونشر جزءاً منه. فقد غرد المثقف السعودي عبد الحميد الحكيم، مدير مركز الشرق الأوسط للبحوث الاستراتيجية والقانونية في جدة سابقاً، فقال: “واجب فتح باب الزيارات لإسرائيل، وعندها سيكتشف مواطنو دول الخليج حقيقة المجتمع الإسرائيلي المحب للسلام. هذا ما شعرته بنفسي عندما زرت إسرائيل”.
وكتب سلطان آل سلم من الرياض: “إسرائيل لم تضر السعودية والخليج مثل إيران وقطر. وبينما قطر وإيران تتنافسان على الإضرار”، أما بندر المغترب فقال إن “إسرائيل حقيقة قائمة يجب قبولها. هي دولة تتطلع للسلام مع دول الخليج”.
من الجانب المعارض، كتب الشاعر السعودي فهد بن عبد العزيز بن جمعة: “إسرائيل سلبت دولة عربية هي فلسطين الحبيبة. والموافقة على العلاقات معناه قبول الاحتلال”. وغردت متصفحة سعودية أخرى تقول: “إسرائيل لا تزال كياناً مجرماً يحتل أرضاً عربية”.
رسمياً لا تزال السعودية دولة عدو لإسرائيل. في حرب الاستقلال ساعدت بفاعلية الجيوش العربية، وفي 67 و73 بعثت بالمساعدة للدول العربية التي قاتلت ضد إسرائيل. بعد حرب يوم الغفران قاد السعوديون مقاطعة نفطية على الغرب الذي أيد إسرائيل. وبعد التوقيع على اتفاق كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، قطعت السعودية علاقاتها مع مصر. في نهاية العقد الأول من القرن الـ 21 بدأت تنشر أنباء عن التعاون السري مع إسرائيل، بهدف إحباط البرنامج النووي الإيراني. وحسب هذه التقارير – زار رئيس الموساد في حينه، مئير داغان، السعودية وصادقت إسرائيل لألمانيا على أن تبيع للسعوديين 200 دبابة ليوبارد 2.
وفي 2016 وثقت مصافحة تاريخية بين وزير الدفاع في حينه موشيه يعلون والأمير السعودي تركي الفيصل، وفي السنة ذاتها جاء في زيارة تاريخية إلى البلاد الجنرال السعودية المتقاعد أنور عشقي، على رأس وفد من رجال الأعمال والأكاديميين من المملكة.
في نيسان 2018، صرح ولي العهد بن سلمان، في مقابلة مع “اتلنتيك”، بأنه يعترف بحق الوجود لدولة إسرائيل. في نهاية تلك السنة نفت وزارة الدفاع تقريراً بأن إسرائيل باعت للسعودية منظمة القبة الحديدية كي تتمكن من الدفاع عن نفسها ضد الحوثيين من اليمن.
في السنة القادمة، وربما في الأشهر القادمة، ستنكشف أبعاداً جديدة للعلاقة بين الدولتين. ومع ذلك، يصعب على محافل سياسية التصديق بأن تقام قريباً علاقات دبلوماسية رسمية مع السعودية. هم أيضاً يعترفون بأنه مع كل الرغبة -وهذه موجودة-فالعوائق لا تزال كثيرة.
بقلم: نداف شرغاي
إسرائيل اليوم 19/7/2019

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى