أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

يسألونك عن البديل للكنيست الصهيوني! (1)

حامد اغبارية
في خِضمّ النقاش الساخن والملتهب في الشارع السياسي في مجتمعنا في الداخل الفلسطيني، حول انتخابات الكنيست التي ستُجرَى يوم 17 أيلول القادم، ومع ارتفاع سخونة الأجواء، خاصة إزاء ما يدور حول تشكيل القائمة المشتركة، وظهور أطر جديدة (القائمة الشعبية وحزب إبراهام بورغ وشركائه العرب)، وارتفاع نسبة الأصوات التي تنادي بمقاطعة الانتخابات، وبشكل أخص بعد نكوص المصوتين عن المشاركة في الانتخابات التي أجريت في نيسان الماضي، يأتيك السؤال: ما هو البديل الذي تملكه أنت للكنيست؟ هل هناك بديل حقيقي يمكنه أن يقنع الناس بالعزوف عن المشاركة في الكنيست تصويتًا وترشيحًا؟
أنا شخصيا أرى في هذا التساؤل نوعا من المماحكة المستفزة، وأعتبرُ أن السائل، في الغالب، لا ينوي حقيقةً الحصول على إجابة، ولا هو يبحث فعلا عن الحقيقة وعن الحق حتى يتبعه، وكأنه يريد أن يقول من خلال سؤاله: أنت لا تملك البديل، فلماذا تريدني ألا أشارك في الكنيست؟ وأحسنهم حالا يقول: أنا لا أجد بديلا ولا أملكه، ولهذا لا يوجد أمامي خيار آخر! وفي الحقيقة فإن هذا الفهم يؤكد أننا كنا طوال الوقت ضحية لأحزاب وأطر سياسية وفكرية نقشت على رايتها القبول (أو قل الاستسلام) لواقع فرضته أحداث تاريخية طارئة. وقد ساهمت تلك الأحزاب والأطر (منها ما كان قبل النكبة ومنها ما ظهر بعد النكبة) بضيق أفقها (وأحيانا أكثر وأخطر وأسوأ من ضيق الأفق…) في جعلنا ندور في فلك المواطنة الإسرائيلية، والقبول بهذا الوضع والتصرف بناءً عليه، وفقط بناءً عليه، ومن ثم تحجّر سلوكنا في مربّع المواطنة، وصرنا مجرد مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة يعانون من التمييز والإجحاف والعنصرية وهضم الحقوق؛ مثلنا مثل سائر الأقليات (الطارئة لا الأصلانية) في الكثير من دول العالم؛ مثل يهود أوروبا، أو مسلمي فرنسا وألمانيا، أو السود في أميركا، والأمثلة كثيرة. ولكن بغض النظر عن هذا كله وعن غيره، فإنه بات من الضروري أن نضع النقاط على الحروف، وأن نجتهد في الإجابة عن هذا التساؤل قدر ما نستطيع، مع التأكيد أن في جعبتنا الكثير مما يقال ومما يُمكن أن يُطرح، ولكن في الوقت المناسب وفي الأجواء المناسبة، ومع تذكير جميع الذين يشككون في جدوى مقاطعة الانتخابات، أن العودة ثلاثين سنة –على الأقل-إلى الوراء سيمكّن كل باحث عن الحق أن يرى بأم عينه أن البدائل للكنيست كثيرة، وأن هناك طروحات ومشاريع كثيرة أثبتت نفسها ميدانيا كبديل حقيقي. لكن الأعمى ليس فقط أنه لا يرى من الغربال، بل هو لا يريد أن يرى الغربال ولا ما خلفه، ولا حتى قرص الشمس في رائعة النهار. وسوف نتطرق إلى هذا بشيء من التفصيل لاحقا.
وحتى نتمكن من الخوض في تفصيلات الإجابة على السؤال، لا بد لنا أن نسأل: ما الذي نخدع به أنفسنا أن في إمكاننا أن نحققه من خلال الكنيست الصهيوني، ولا يمكننا أن نحققه من خارجه؟ وهل يمكننا فعلا أن نحققه من خارج الكنيست؟
يمكن تقسيم مطالبنا إلى قسمين رئيسيين: الأول -مطالب مدنية يومية، تتعلق بالحقوق التي يُفترض أن يحصل عليها كل مواطن في أية دولة في العالم، وهي مطالب تتعلق بحقوق الإنسان الأساسية، وبالحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والتعليمية والدينية والقانونية والمعيشية المختلفة، والثاني-مطالب سياسية تاريخية تتعلق بحقوقنا كشعب فلسطيني، نشكل نحن أهل الداخل جزءً أصيلا منه. فنحن لا يجوز لنا أن نتعامل مع أنفسنا كمجرد أقلية مثل أية أقلية في أي مكان آخر في العالم، ذلك لأننا جزء له امتداداته الدينية العقائدية والحضارية-الثقافية الفلسطينية والعربية والإسلامية، وهي كذلك امتدادات جغرافية وتاريخية وعاطفية شعورية لا تَنبَتُّ ولا يمكن فصلها بعضها عن بعض. وإن من المصائب الكارثية التي سببها أصحاب “نظرية” (الأقلية العربية في إسرائيل) أنها وضعتنا داخل مساحة ضيقة جدا لا نستطيع التحرك خارجها، وتحركنا داخلها محدود إلى أقصى الحدود، وهذه المساحة هي في الأصل قابعة داخل دائرة اللعبة السياسية الإسرائيلية. ثم جعلوا علاقتنا بالمطلب الثاني علاقة هامشية في أحسن الأحوال، نقدم لأجلها ضريبة كلامية في غالب الأوقات، وفي الأزمات الحادة المتعلقة بقضية شعبنا، التي هي جزء من قضية أمّتنا، “نجتهد” بمظاهرة أو بيان أو تصريح ناري، وأحيانا كثيرة يكون هذا البيان خارجا من جهاز إرسال (فاكس) من داخل الكنيست، أو يكون التصريح الناري من على منصة الكنيست!
إذاً، ما الذي نتوهم تحقيقه من خلال الكنيست؟
لنحاول أن نجمل القضايا المركزية المتعلقة بالمطلب الأول كمواطنين لهم حقوق المواطنة. ومن ذلك مواجهة الفقر وتحسين الأوضاع الاقتصادية، واجتثاث العنف، واقتلاع جذور العنصرية المتربعة داخل المؤسسة الرسمية؛ بما في ذلك إلغاء القوانين العنصرية، ووقف الملاحقات السياسية، والمساواة أمام القضاء، وتخصيص الميزانيات المناسبة، وتحسين أوضاع التعليم (المنهاج والمضامين والأبنية والبنى التحتية والتوظيف… الخ)، وتوسيع مناطق النفوذ، وتحسين أوضاع البنية التحتية في المدن والقرى العربية الفلسطينية في الداخل، ووقف سياسة هدم البيوت، والاعتراف بالقرى غير المعترف بها، والمساواة في التعليم الجامعي، ووقف مصادرة الأراضي والمقدسات والأوقاف، وحرية التعبير، والحريات الدينية والفكرية…
وأظن أن المنصف غير المُماحك، وغير المتعصب لموقفه، لا يسعه إلا أن يعترف بأن المشاركة في الكنيست الصهيوني، منذ 1949 وللغاية اليوم لم تحقق شيئا في هذه القضايا والملفات ولا في غيرها، حتى في المرحلة التي تمكنت فيها الأحزاب لأول مرة من خوض الانتخابات في قائمة مشتركة واحدة في (2015). بل إن أكثر القوانين عنصريةً (عددا ومضمونا) سُنَّت في الكنيست الصهيوني بالذات في عهد المشتركة الميمون. ونستطيع سويا، لمن شاء، أن نراجع “الإنجازات” شبرا بشر وذراعا بذراع، شهرا شهرا وسنة سنة على مدار سبعة عقود، ونبحث (بسراج وفتيلة) عن إنجاز حقيقي. ومسبقا أقول لك: لن تجد شيئا، فالحال كما قال الله تعالى: “.. أعمالهم كسراب يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا” (النور: 39). فما الذي يدفع الأحزاب والأطر الأخرى أن تستقتل من أجل البقاء في هذه المؤسسة الصهيونية؟ والسؤال الأصعب: كيف حدث وانجرّ الجمهور الفلسطيني في الداخل خلف هذا السراب، حتى أصبح قسم لا بأس به منه يدافع عنه دفاع المستميت؟!
وسؤال آخر يفرض نفسه بكل قوة: هل الأحزاب (العربية) جديّة فعلا، وصادقة فعلا عندما تخاطب الجمهور بخطاب المطالب والإنجازات؟ ولماذا تُقبل نسبة غير بسيطة من الجمهور على دعم هذا التوجه على الرغم من أنها ترى رأي العين أن الإنجازات صفر، وأن الأحزاب تتعامل معه كالقطيع؟
هنا علينا أن نسأل: هل يتوجب عليَّ (علينا) إذا أردتُ أن أرفض الظلم الذي يقع عليّ (علينا) أن أقدّم له بديلا؟ ولو فرضنا أن دولة ما وقعت تحت الاحتلال أو الاستعمار، ثم إن شعبها الواقع تحت الاحتلال أو الاستعمار أعرب عن رفضه التعاطي معه بأي حال من الأحوال، فهل تجد عاقلا يقول له: وهل عندك بديل آخر؟ وما هو البديل الذي تملكه؟
ألا يكفي رفض الظلم ورفض التعاطي مع المؤسسات الرئيسية التابعة لهذا الظلم، وخاصة التي تملك سن القوانين واتخاذ القرارات بديلا؟ ألا يكفي بديلا للاستسلام والخضوع والخنوع والانبطاح، حتى لو لم تفعل شيئا أكثر من التعبير بلسانك وقلمك عن رفض هذا الظلم؟ ثم – يا للدهشة!!-كيف أصبح الاستسلام للواقع عملا وطنيا من الدرجة الأولى؟ بل كيف أصبح عند الكثيرين “العمل الوطني” الوحيد الممكن؟!!
ألا يكفيك شرفا أن تعرب عن رفضك عمليا وليس لفظيا، من خلال مقاطعة المؤسسة التشريعية التي صادرت أرضك وبيتك، وسنت القوانين العنصرية التي تستهدفك أنت، وفقط أنت؟ يوجعني ويؤسفني أن أقول إن هذا هو الموقف الشريف الذي لا يستطيعه إلا من حمل هم المظلومين قولا وعملا وفعلا وممارسة. وشعبُنا وقع عليه الظلم بكافة وأصعب أشكاله وأصنافه على مدار مائة سنة، واشتد هذا الظلم صعودا على مدار سبعة عقود هي عمر هذا الكيان. وأول هذا الظلم وأشده أنه اقتُلع من وطنه وحل مكانه في بيته وأرضه ومائه وهوائه وفضائه غرباء، أصبحوا فجأة هم أصحاب كل شيء، وأصبح هو لا شيء. أصبح هو الدخيل والطارئ والعالة والمشكلة والأزمة!
ثم هل يتوجب علي أن أملك حلولا سحرية لجميع المشاكل والأزمات، التي صنعناها بأيدينا، بغبائنا السياسي، وجراء الخلل والعطب الذي أصاب انتماءنا وهويتنا؟ هل يتوجب، كي أرفض الواقع، أن أملك الحلول والبدائل بعد أن انتُزعت مني (برغبة مني!!) كل أدوات تحقيق هذه الحلول والبدائل على مدار سبعة عقود؟ ألا يكفي-في هذه المرحلة-أن أنبّه إلى أن الطريق الذي نسير فيه هو في الحقيقة سراب لا طائل من ورائه، ولا يوصلنا إلى شيء، إلا إلى حافة الهاوية؟
ومع ذلك، ورغم كل ما تقدم، فإن البديل قائمٌ. والمطلوب أن نحدد هذا البديل بالتفصيل، وأن نملك الإرادة الجماعية لتحقيقه، والأهم من ذلك أن تكون لدينا القناعة التي لا تساورها ذرة من شك أننا نريد وأننا نستطيع. وسنتحدث عن ذلك في الجزء القادم من المقال بإذن الله.
وإلى ذلك الحين أقول: الهدف -إسقاط خيار الكنيست نهائيا…
يتبع…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى