أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

الأسرة المغلفة “بسرطان الغرب”. متى نبدأ العلاج؟

د. مهدي زحالقه
إن الأسرة المسلمة هي أهم عنصر ومركب من أجل النهوض بأبنائنا وبناتنا ومن ثم النهوض بالمجتمع كله. لذلك، لا بد لكل واحد منا أن يبدأ بأسرته لتكون عامل بناء لا عامل هدم في المجتمع.
ليست الشهادات، ولا المال الذي نعود به في آخر الشهر، ولا الرصيد في البنوك، ولا السيارات، ولا البيوت، ليست هذه أساس ما يجب أن نهتمّ به، انما الأسرة هي أهم انجاز في الحياة، من هنا نبدأ! والدليل، كم من صاحب مال وسيارات وعقارات وليس سعيدا في حياته. أو كم من صاحب مال وعقارات وليس هانئا في حياته ولا طعم لحياته. وكم من صاحب مال وأسرته ليست إلاّ بؤرة مشاكل وفوضى وتخريب.
لأجل ذلك، حرص الإسلام على بناء مجتمع كامل متكامل، يعمل وفق منظومات صلبة متماسكة، وأساس هذه المنظومة، كيف لا، الأسرة. فكلما كانت الأسرة قوية ومتينة الأواصر كلما كان المجتمع صالحا وناجحا. وقد علم العرب والغرب أهمية هذه المؤسسة وأثرها على أفرادها.
إلا ان الغرب له أغراض عديدة جليّة فقد رسم خطة واضحة للنيل من هذه الأسرة المسلمة لهدف وغاية أخبث وهي استهداف الإسلام والمسلمين ونزع الإسلام من قلوب المسلمين، وهو ما بات يُعرف بالغزو الفكري. إضافة الى ذلك، نحن نعيش في زمن التقدم التكنولوجي والحداثة، والإسلام كدين وكفكر مستهدف من بداية هذه الحقبة من الزمن وحتى ما قبلها، بل وأن آليات العمل للنيل من الإسلام مع هذا التقدم التكنولوجي المعاصر متلازمة ومتناسبة بآلياته المتنوعة.
فها نحن اليوم نعيش في عهد الـ “فيسبوك” والـ “واتس-أب” والانستجرام، ومع كل هذه التقنيات الحديثة التي زادت من صعوبة التعامل داخل الأسرة، ليصبح كل فرد في أسرتك عالَما بحد ذاته. وإذا لم ننتبه ولم نحذر من هذه المشوشات التي حتما باتت تعيق وتؤثر على هذا البناء العظيم الذي اسمه “أسرة” وباتت هذه الوسائل الحديثة تشوش وتعرقل الاتصال بين أفراد الأسرة، بل وفي كثير من الحالات باتت هذه الوسائل هي المربّي وهي مصدر المعلومات الوحيد الذي تتلقى منه الأسرة مبادئها، إذا لم ننتبه لذلك كله ولم نحسن استعمالها، فإن ذلك سيؤدي بنا إلى أن نفقد الاتصال بيننا في داخل الاسرة وسيصبح الاتصال بالمحيط الخارجي فقط، لتكون الطريق ممهدة لأسر مهدومة، خالية من التواصل الحقيقي الذي فيه الحصانة الأساسية لأسرنا المسلمة. هذا الأمر خطير ويحدث.
من نتائج هذا الغزو، وهذه التقنيات التي ما استطاع كثير منا أن يحسن استعمالها، كثير من العائلات والأسر اليوم تنكرت للقيم الأسرية وللثوابت والمبادئ الإسلامية، بل وتمردت على الأصول والثوابت، لتأتي بعد ذلك القوانين لتُسخَّر من أجل فرض هذه التغيرات على الواقع الأسري، ومثال ذلك، المساواة في الميراث. كل ذلك من أجل الطعن في ثوابت ديننا ولإقصائنا عن المعروف الذي جاء به ديننا الحنيف ومن أجل رمينا في شباك المنكر، حتى أصبح المعروف منكرا والمنكر معروفا في زمن العجائب والغرائب الذي نعيشه. مثال ذلك، أننا صرنا نسمع من الجاهلين المغفلين من يقول إن العلاقات المفتوحة والاختلاط أصبح من متطلبات المرحلة!
هذه التبريرات الهالكة لهذه القناعات التافهة، سمحت بإزالة الطرحة البيضاء المنسدلة على نقاء بيوتنا، فتعرّت البيوت واهتز كيان الأسرة فلم يعد هناك كيان صامد أمام التحديات، فازدادت حالات الطلاق بل وآخذة بالازدياد. ومعلوم للجميع تبعات الطلاق من الشر والخطر الذي يؤدي إلى انتشار الأسر المفككة في مجتمعنا، وكذلك إلى احتمالية انحراف الأبناء وأحيانا الأزواج.
في زماننا وفي أوساطنا صرنا نستشعر ما يسمى بسياسة “الهروب من الدور” تلك التي بات يتقنها الكثير من الآباء والأمهات، حينما تنازلَ الكثير من الآباء والأمهات عن أدوارهم في التربية، ليظهر مصطلح جديد اسمه عقوق الآباء والأمهات للأبناء، الأمر الذي نتجت عنه بشكل سريع جدا الأسر المفككة التي لا روابط فيها ولا أواصر ولا لُحمة!
لهؤلاء أقول: أين أنتم من خطابه سبحانه وتعالى لكم ” يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة.” وقوله صلّى الله عليه وسلّم “كُلكم راع ٍ وكُلكم مسؤولٌ عن رعيته”!!
ليس اليتيم من فقد أبويه، إنما اليتيم من كان له أما تخلّت أو أبا مشغولا.
أصبحت الأسرة تعاني من الضيق والظن والارهاق، فلا تجد فيها الحوار ولا النقاش، بل تجد أن كل فرد فيها اختار طريقا لحياته فلا حرارة اسرية ولا حميمية! لا طعم للطعام الذي لم يعودوا يجتمعون حوله.
لذا، ديننا العظيم دين شامل، كرّم الأسرة ومكانتها، فلا يجوز لنا أن نتخلى عن الأسرة، ولا بد من أخذ التدابير وإنقاذ ما يمكن إنقاذه. نحتاج إلى بناء رجال ونساء صادقين وصادقات لنصرة الدّين. نحتاج الى جيل يدافع عن مبادئ وخطابات القرآن للأسرة، نحتاج إلى إنشاء جيل يعيش وينهل من معين رسول الله وسنّته صَلّى الله عليه وسلم. وهذا عمل جبار وليس بالهين.
نحن لسنا ملائكة ولكن لا بد من التميّز والإبداع في التربية، وبنائها على الأسس التي وضعها وبيّنها لنا الإسلام. نحتاج الى تكاتف فيما بيننا لنعيد للأسرة هيبتها ومكانتها كما حث على ذلك ديننا الحنيف. حينما سيتحول الدين إلى أساس حياتنا، سوف ننصره ونبذل الجهد في تطبيقه. نحتاج الى احتواء وتوجيه للعائلة بخطاب ديني شامل لكل نواحي الحياة، يعمل على مواجهة تحديات العصر ومتطلباته. فالزوج يجب أن يفكر كيف يكون زوجا في الحياة وزوجا بعد الممات، فيجمع أهله معه في الجنان.
مسؤوليتك أن تترك أثرا في الحياة يتمثل بمن تربي وبما تزرع من قيم في أبناء أُسرتك.
واجبنا أن نكون سدا منيعا لهؤلاء المغرضين المفسدين الذين قالوا عن أنفسهم إنما نحن مصلحون، والله تعالى بيّن كذبهم في قوله ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون!
أهل الحق لا بد أن يظهروا ولا يغيبوا، فعند غياب أهل الحق يظهر أهل الباطل، خاصة بحالة الضعف الذي تعيشها الأمة ومن أسبابها الرئيسية التفكك الأسري!
عندما رضيت الأمة بانكشاف عورة بيوتها اخترقها من يريد تدنيسها. عندما رضيت العائلة أن تكون موجَّهَة لا مُوَجِّهَة…ضيّعنا البوصلة. لا بد أن تستفيق ضمائرنا لتقف أمام من يكيد ليهدم جدران منازلنا ودعوتنا.
كل حياد بعيد عن بوصلة الحق إنما هو تأييد مباشر للباطل والضلال. المسلم يميز الخبيث من الطيب ولا يقبل أن يعبث بقلبه أحد.
إذن، معركتنا مع أنفسنا أولا لننتصر على أنفسنا ولنعمل على تجفيف مستنقعات الجمعيات المتعفنة، التي اخترقت عقول نسائنا وبناتنا. نكاد نسمع دوي ارتطام ثوابتا بما يسمى مستجدات العصر.
طريق الحق والإسلام معبدة ومزينة، لكن على عاتقنا إعادة الهيبة لأسرنا. يدا بيد لنعيد الى أسرنا مبادئها.
وأخيرا، لا سعادة ولا نجاح إن لم نكن نحن وأُسرُنا مع الله، ومع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في كل نواحي وجوانب الحياة.
حينما ستصبح تربيتنا لأفراد أُسرنا إيمانية، محمّدية، أخلاقية، إسلامية حقّة، سوف نرقى في كل مجالات الحياة مع أسرنا هذه إن شاء الله تعالى، وسوف نسترد بضاعتنا في التفوّق والتميّز والرقيّ.
لقد خلقنا الله عز وجل لدور عظيم. نحن لم نخلق حتى نأكل ونشرب وننام وبعد ذلك نموت، وانتهى الموضوع. لا! مقابر المسلمين مليئة بالمنسيين! ليس هذا هو المطلوب. إنما المطلوب منا ومن أفراد أُسرنا ان نكون أناسا يتركون بصمة وأثرا. ليكن هذا مبتغى كل واحد من أفراد أُسرتك. احرص على ذلك!
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا محمّد صَلَّى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى