أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ليس هذا “الجمع” جديدا يا قدس

طه محمد اغبارية
“الجمع” الذي يلتقي على قهر القدس والمسجد الأقصى، والذي يتصدره ترامب، ونتنياهو، والسيسي، وابن سلمان وابن زايد، والذي تمخض فولد “صفقة القرن” ليس جديدا، فقد شهدت “أرض الحجاز” جمعا قديما شبيها بهذا “الجمع” اليوم، وتكونت مركباته من نفس مركبات هذا الجمع اليوم، واجتمعت مركباته على نفس ما تجتمع عليه مركبات هذا “الجمع” اليوم، ومارس نفس الدور الذي يمارسه هذا “الجمع”، وسلفا أقول سيكون مصير هذا “الجمع” اليوم، كما كان مصير ذاك “الجمع” في الماضي، لانهما شقيقان في الميلاد والاجواء التي ولد فيها كلاهما وفي مصيرهما الذي لا ريب فيه!!، كيف ذلك؟!
جواب على هذا السؤال لا ابالغ إذا قلت إن بإمكاننا ان نكتب كتابا مثيرا يخوض في تفصيلات هذا الجواب، ولكن بإيجاز الايجاز اقول ما يلي: التقت أهداف بني إسرائيل مع أهداف قيادة قريش في بدايات بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيادة بني اسرائيل التي تصدرها حيي ابن اخطب، كانت في تلك الايام تحرص على وأد المشروع الاسلامي في مهده، خصوصا بعد أن هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة، وكانت تحرص على الانفراد لوحدها بامتيازها الديني بين العرب، على اعتبار أن بني اسرائيل كانوا يقدمون انفسهم للعرب انهم اهل كتاب وانهم شعب الله المختار الذين فضلهم على العالمين، وكانت تحرص على الاحتفاظ بوجودها وقوة وجودها الاقتصادي والعسكري في كل من المدينة وخيبر وفدك ووادي القرى وتيماء، وكانت تلك القوة الاقتصادية والعسكرية التي تمتعت بها قد مكنتها من فرض سيادتها المفسدة على العرب، وعلى مجريات الاحداث التي كانت تقع بين القبائل العربية في تلك الايام، وفي المقابل فإن قيادة قريش التي تصدرها أبو جهل ثم تصدرها بعد مقتله في معركة بدر، ابو سفيان، كانت هذه القيادة تحرص على وأد المشروع الاسلامي في مهده، وبذلك جمع هذا الهدف المشترك بين قيادة بني اسرائيل وقيادة قريش، وكانت قيادة قريش تحرص كذلك على انفرادها بسيادة مكة المكرمة والمسجد الحرام، حيث أن تلك السيادة مكّنتها من فرض سيادتها على كل القبائل العربية في جزيرة العرب، وبذلك جمعت مصلحة التفرد بالسيادة بين قادة بني اسرائيل وقيادة القريش، وإن اختلف تفسير السيادة بينهما، حيث أن قيادة بني اسرائيل كانت تدّعي أن منبع سيادتها بسبب ان بني اسرائيل شعب الله المختار الذين فضلهم الله تعالى على العالمين، وأمّا قيادة قريش فكانت تدعي ان منبع سيادتها بسبب ان قريش تتفرد بالسيادة على مكة المكرمة والمسجد الحرام، وكانت قيادة قريش تحرص على دوام سيادتها على العرب وسحق اي منازع قد ينازعها على هذه السيادة التي جعلت من مكة المكرمة عاصمة جزيرة العرب الاقتصادية والدينية والسياسية والادبية والعسكرية، وكانت قيادة قريش تهيمن على كل ذلك !! وبذلك جمعت مصلحة الحفاظ على مرابح السيادة على العرب بين قيادة بني اسرائيل وقيادة قريش، وهذا ما انجب “الجمع” الاول في الماضي بين تلك القيادتين، أو ما أوجد الحلف الاول أو المعسكر الاول أو صفقة القرن الاولى بين تلك القيادتين، وكان العدو المشترك لهما هو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو المشروع الاسلامي الرباني الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عند الله تعالى، حيث كانت تلك القيادات تنظر الى ذاك المشروع الاسلامي الرباني انه اذا نجح واستقام على عوده، فسينزع من قيادة بني اسرائيل ادعاءها الباطل ان بني اسرائيل هم شعب الله المختار الذين فضلهم الله تعالى على العالمين، وهم يستحقون بذلك السيادة الدينية على جزيرة العرب، ويستحقون الاستمتاع بمرابح هذه السيادة، وسينزع المشروع الاسلامي الرباني من قيادة قريش ادعاءها الباطل أن قريش هي صاحبة السيادة الوحيدة على مكة المكرمة والمسجد الحرام، وهي بذلك تستحق السيادة الشرعية الوحيدة على جزيرة العرب، وتستحق الاستمتاع بمرابح هذه السيادة، وهكذا تكون ذاك الحلف ( العربي – الاسرائيلي )، وهكذا كانت أهم أهدافه محاربة المشروع الاسلامي الرباني والابقاء على سيادة قريش على مكة المكرمة والمسجد الحرام والابقاء على العلو الاسرائيلي في المدينة المنورة وخيبر ووادي القرى وفدك وتيماء، وهكذا وقع الصراع بين المشروع الاسلامي الرباني من جهة وبين الحلف ( العربي – الاسرائيلي ) من جهة أخرى، وهكذا تولد عن ذاك الصراع صدامات كثيرة فكرية ودينية وسياسية واقتصادية وأدبية ثم عسكرية في العهد المكي ثم العهد المدني من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفصيلات هذه الصدامات مدونة بالتفصيل في كتب السنة النبوية، وكانت نتيجة تلك الصدامات المتواصلة أن قضى المشروع الاسلامي الرباني قضاء مبرما على الحلف العربي- الاسرائيلي وتم تحرير مكة المكرمة والمسجد الحرام من الاحتلال العربي الجاهلي، ثم تحرير المدينة المنورة وخيبر ووادي القرى وفدك وتيماء من الاحتلال الاسرائيلي المفسد. وبذلك تم القضاء على إفساد بني إسرائيل الاول الذي تحدثت عنه سورة “الاسراء” أو كما تسمى سورة “بني اسرائيل” ثم مضت قرون على اندثار ذاك الحلف العربي- الاسرائيلي غير المأسوف عليه، ثم دفعت الأحداث اليوم الى قيام هذا الحلف من جديد، وها هو يتكون اليوم من ترامب ونتنياهو الذين يمثلان قيادة بني اسرائيل في هذا الحلف، ومن السيسي وابن سلمان وابن زايد الذين يمثلون قيادة عربية رديفة لقيادة قريش في هذا الحلف، وها هي أهداف هذا الحلف العربي الاسرائيلي هي القضاء على المشروع الاسلامي الوسطي، وهي الحفاظ على سيادة وحيدة اسرائيلية على القدس والمسجد الاقصى المباركين، وهي الحفاظ على سيادة علو اسرائيلي على كل ارض فلسطين التاريخية مقرونة بهيمنة وتسلط اقتصادي وسياسي وعسكري وإعلامي على الامة الاسلامية والعالم العربي، وهي الحفاظ على سيادة فردية شاذة للسيسي وابن سلمان وابن زايد على العالم العربي بعامة وعلى كل من مصر والسعودية والامارات العربية المتحدة، وهذا يبين أن جوهر الصراع في مرحلة الحلف العربي- الاسرائيلي الاولى كان على مكة المكرمة والمسجد الحرام ومستقبل جزيرة العرب، وأمّا جوهر الصراع في مرحلة الحلف العربي- الاسرائيلي اليوم فهو على القدس والمسجد الاقصى المباركين ومستقبل فلسطين التاريخية، وهذا يبين أن الإفساد الاول الذي تحدثت عنه سورة الاسراء قد وقع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ورحاب جزيرة العرب حتى قضى عليه المشروع الاسلامي، وأمّا الافساد الثاني الذي تحدثت عنه سورة الاسراء فهو الذي يقع اليوم في فلسطين التاريخية بعامة، وفي القدس والمسجد الاقصى المباركين بخاصة، ولن يوقف هذا الافساد الثاني عند حده الا المشروع الاسلامي فقط كما بشرت بذلك سورة الاسراء، وان غدا لناظره لقريب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى