أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ابن سلمان ظاهرة شاذة

صحيفة المدينة
قد بات القاصي والداني يعلم أن ابن سلمان قد أحدث في السعودية بعامة، وفي أرض الحرمين بخاصة، ما لم يعرفه التاريخ الطويل لهذه الأرض المباركة، وهي مهبط الوحي ومولد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ خاتم الأنبياء والمرسلين، وهي قبلة صلاتنا، وملتقى حجِّنا، وحاضنة مكة المكرمة والمدينة المنورة، وإلى المسجد الحرام والمسجد النبوي فيها تشد الرحال، إلا أن ابن سلمان تجاهل كل ذلك، وبات يحدث فيها ما هو كفيل للوهلة الأولى أن يمزق قيم المجتمع السعودي الإسلامية، وأن ينزع عن أرض السعودية مهابتَها وهيبتَها الدينية الإسلامية، وأن يفرض عليها قطيعة مع أمجاد التاريخ الإسلامي التي وقعت في رحابها، بداية من عهد النبي آدم فيها، ومرورا برسول الله إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام، ثم وصولا إلى بعثة رسول الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وسيرا مع سيرته العطِرة، ثم سيرة الخلفاء الراشدين الأربعة، ثم سيرة خلفاء المسلمين العُدول بعدهم.
ولكن هيات لابن سلمان أن ينجح يوما ما في تمزيق أرض السعودية وتشويه هويتها وتفتيت قيم مجتمعها وشطب أمجاد التاريخ الإسلامي فيها، وإن قامت هيئة الترفيه التي باتت تملأ أرض السعودية، بما في ذلك أرض الحرمين رقصا وغناء ومسابقات ومسرحا وبهلوانات ودور سينما ومهرجانات غناء أجنبية وعربية!! نعم، هيهات له أن ينجح يوما في ذلك، وإن بات يتباهى على المكشوف بعلاقته المباشرة مع المؤسسة الإسرائيلية تارة، ومع ترامب وكوشنير تارة أخرى، ومع بوتين تارة ثالثة، ومع السيسي وابن زايد وحفتر تارة رابعة!! نعم، وألف نعم، لن يحصد إلا الندامة والخسران المبين!! لماذا؟؟
أرض السعودية بعامة أرضٌ مباركة لا يعمّر فيها ظالم؛ سواء كان عربيا أو أعجميا، وسواء كان مسلما أو كافرا، وسواء كان سعوديا أو غير سعودي. وتاريخ هذه الأرض شاهد حيٌّ أمين على ذلك
أرض الحرمين بخاصة، أرض محروسة بعين الله تعالى التي لا تنام، وبرُكنِه الذي لا يُضام. وما من عدو غشوم أو محتل ظلوم تجرأ عليها إلا قصم الله تعالى ظهره، وأخذه أخذَ عزيز مقتدر. فأين أبرهة الحبشي؟! وأين عاد وثمود وقوم شعيب؟! وأين أبو جهل وأبو لهب وسائر الزبانية!؟ وأين أرناط وحملاته الصليبية؟
علماء أرض السعودية في الماضي والحاضر من أفقه العلماء، ومن أصدقهم، ومن أشجعهم، ومن أشدهم غيرة على دين الله تعالى؛ بداية من علماء الصحابة رضي الله عنهم، ثم علماء التابعين، ثم علماء أتباع التابعين، ثم علماء السلف الصالح وخلفهم الصالح، ثم التاريخ الكريم للعالِم محمد بن عبد الوهاب، ثم الدور الكبير للعالم ابن باز والعالم ابن عُثَيْمين، ثم وصولا إلى العلماء سفر الحوالي وسلمان العودة وسائر العلماء الأسرى في سجون ابن سلمان، فرَّج الله كربهم. وقد يقول قائل: ماذا عن زيد وعمرو من علماء سعوديين باتوا حاشية لابن سلمان؟ وهو سؤال مشروع جدا. وجواب هذا السؤال بسيط. فظاهرة علماء السلاطين ليست جديدة، فقد كانت في الماضي ولا تزال اليوم، وهي ليست في أرض السعودية فقط، بل هي اليوم في كثير من الدول المسلمة والعربية، وهي ظاهرة مرفوضة أدانها العلماء الصادقون، وأدانوا أهلها، وهو ذات المشهد الذي يجري الآن في أرض السعودية. فهناك العلماء الصادقون الذين باتوا نزلاء سجون ابن سلمان، وهناك علماء السلطان الذين باتوا نزلاء بلاط ابن سلمان، وهناك العلماء المطاردون ليل نهار، والمحصية عليهم أنفاسهم في بقاع شتى من أرض السعودية بعامة، ومن أرض الحرمين بخاصة فرّج الله كربهم. وسلفا أقول: سيُرينا الله تعالى عليهم رغم ضعفهم ما يعجب منه القوي، فصبرٌ جميل.
إلا من حاشية ابن سلمان الشاذة التي لا تمثل إلا نفسها، فإن الشعب السعودي شعب كريم، ووفيٌّ لقضايا الأمة المسلمة والعالم العربي، وله جهودُه وجهاده وقوافل إغاثته في كل العالم. ولمن لا يعلم فهو الشعب الذي لم يبخل يوما على فلسطين والقدس والمسجد الأقصى المباركين. وهو الشعب الذي لم تنقطع قوافل عونه ونجدته عن التواصل مع كل نكبات الأمة المسلمة والعالم العربي؛ سواء كان في أفريقيا أو آسيا أو أوروبا. وهو الشعب الذي بنى المساجد وأقام فيها مراكز للدعوة إلى الله تعالى في كل رحاب الأرض دون استثناء. وهو الشعب الذي استضاف المنكوبين استضافة الأخ لأخيه سواء من شعبنا الفلسطيني أو مشردي عبد الناصر والسادات ومبارك، أو مشردي السيسي، أو مشردي بشار، أو مشردي الحوثيين، أو مشردي آلة القتل الفارسية في العراق.
للبعض منا نقدٌ، وقد يكون نقدا شديدا، على مواقف بعض ملوك السعودية. وهذا أمر عام يشمل كل حكام العرب دون استثناء. فللكثير نقد شديد على كثير من الحكام العرب، ولكن من باب تحري الحق والوقوف عنده لا يمكن لنا أن ننكر المواقف المباركة التي سجلها التاريخ لصالح الملك فيصل رحمه الله تعالى، وهي كثيرة. ولعل من أبرزها يوم أن قال لهنري كسينجر ذات يوم: “لقد اشتقت للصلاة في المسجد الأقصى”. وكان يعني في ذلك ما يعنيه. ثم لم تمض عليه إلا برهة قصيرة بعد ذلك حتى اغتيل في ظروف غامضة، لم تُكشف أسرارُها حتى هذه اللحظات. ولذلك لا يمنعنا أن نقول للمسيء: قد أسأت، وإن كان حاكما، ولا يمنعنا أن نقول للمحسن: قد أحسنت وان كان حاكما. وليس من العدل أن نعمم إساءة المسيء على المحسن.
إن ظاهرة الحكام الطواغيت لا تزال جاثمة على صدر الشعوب العربية والأنظمة العربية، ولكن من الواجب أن نعي أنّ أي حاكم عربي مهما شط في طغيانه فلن يستطيع أن يخطف أي نظام عربي للأبد. فسيزول هذا الحاكم الطاغية، وسيستقيم هذا النظام في قادمات الأيام بإذن الله تعالى. وبناءً عليه فإن السيسي وبشار، أو ابن زايد، أو ابن سلمان أو غيرهم من طواغيت الحكام العرب، مهما علا طغيان أحدهم فلن يستطيع أن يخطف نظام الشعب الجاثم عليه وعلى شعبه. فالسيسي لن يستطيع خطف النظام المصري للأبد، بل سيزول السيسي، وسيستقيم النظام المصري في قادمات الأيام بإذن الله تعالى. وهذا الحال مع بشار والنظام السوري، ومع ابن زايد والنظام الإماراتي، ومع ابن سلمان والنظام السعودي. لذلك فإننا في اللحظة التي ننتقد كلا من هؤلاء الحكام انتقادا شديدا فإننا ندعو بالصلاح والاستقامة لكل الأنظمة العربية، لأنها ملك للشعوب العربية وليست ملكا للحكام.
لكل ذلك فإن ظاهرة ابن سلمان، وإن كانت شاذة، فهي لا تمثل إلا ابن سلمان وحاشيته الشاذة بعددها وسلوكها، وهي وإن كانت مؤلمة فهي إلى زوال. وهي وإن كانت مغرورة فلن تطول، وستبقى أرض السعودية بعامة وأرض الحرمين بخاصة ملتقى أفئدة الأمة المسلمة والعالم العربي والشعب السعودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى