أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ما بعد مرسي “أنموذج الإخوان في مصر”.. السياسة في فكر الإخوان المسلمين (2)

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
لا يمكننا ان نفهم المرحلة الراهنة التي تعيشها مصر بعدئذ تم إسقاط اول حالة شرعية جماهيرية أفرزت رئيسا ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين واغلبية برلمانية للتيار الإسلامي بشقيه الإخواني والسلفي دون فهم لتطورات الحالة السياسية التي تخلقت في رحم السياسات المصرية منذ عام 1919 والى هذه اللحظات ومرت في مراحل وصيرورات وصراعات. في هذا السياق لا يمكن التغافل عن حقيقة أن الحياة السياسية المصرية خطها ثلاثة رجال زغلول والبنا وعبد الناصر وما زالت حاضرة الى هذه اللحظات وكل ما يحدث في السياسات والسياسة المصرية وكل التعقيدات المرتبطة بما ذكرت اما ان تكون صدى لطروحات هؤلاء الرجال او ردود افعال عليها أي كان نوع رد الفعل.
لا يمكننا الحديث عن السياسة في الحياة المصرية في القرن العشرين وحتى هذه اللحظات من القرن الحادي والعشرين في مصر دون التطرق الى هذه الشخصيات الثلاثة التي صاغت الحياة المصرية في بعديها السياسي والاجتماعي صياغة حركية تجسدت فيها الافكار والطروحات والتطلعات ونزلت الى واقع الحياة بمختلف تصاريفها وقادت الحياة السياسية ووصلت سدة الحكم مع فوارق وتفاصيل بين تلكم الافكار ووصولها السلطة وسياسة مصر عدد سنين او المشاركة في الحياة السياسية كما رسمتها المؤسسة الحاكمة وهو ما لا يسعها مقام هذه المقالة.
نحن امام ثلاثة قامات بنت الفكر السياسي المصري، سعد زغلول وحسن البنا وجمال عبد الناصر ( من حيث الترتيب الزمني دون الاشارة الى تفاصيل علاقة عبد الناصر بالجماعة والموقف المشترك من الثورة )، فسعد زغلول كان وراء تأسيس الجماعة المصرية ” وحسن البنا وراء تأسيس الجماعة الاسلامية وجمال عبد الناصر وراء تأسيس الجماعة العربية -القومية الناصرية، ولا يفهم من قولي هذا انني الغي من سبقوهم من منظرين للجماعات الثلاثة في الحالة المصرية وغيرها، بيدَّ ان هؤلاء الثلاثة تركوا بصماتهم الفكرية والتنظيمية والحركية في الحياة المصرية وهذه البصمات لا تزال حاضرة الى هذه اللحظات مع تفاوت في قوة التأثير والنفوذ ذلكم انه منذ توقيع اتفاقية كانب ديفيد تزعزعت الجماعة الوطنية المصرية حتى وصلت الى حالة من التفكك الشديد وكذلك حدث مع الجماعة القومية العربية الناصرية وكلا الجماعتين استعانت بالانقلابيين وتوسلت العسكر لمنع استمرار حكم الاسلاميين وهو ما يؤشر الى حجم الخنا السياسي عند دعاة هاتان الجماعتان ومدى ازمتهم في التعاطي مع السياسة كما كشف الانقلاب عن دور المؤسسة العسكرية وأنها ليست بحال من الاحوال مؤسسة وطنية بقدر ما انها مؤسسة انحرفت عن هذه الجادة منذ اتفاقية كامب ديفيد واختيارها الربيب الامريكي وليا لنعمتها وتسليحها، ومؤخرا وبعد الانقلاب العسكري الذي قام به السيسي ومجموعته الانقلابية وتحويلهم الجيش المصري الى مُحتَلِّ للوطن المصري لم يتم ضرب الجماعة الاسلامية التي نادى بها حسن البنا فحسب بل وتم ضرب فكرتي الجماعة الوطنية والجماعة العربية في الصميم .
إنَّ انقضاض السيسي منذ عام 2013 على الجماعة الاسلامية والوطنية والعربية كان مدروسا ومحسوب الخطوات وشارك فيه عدد من النخب المستأجرة من مثقفين ومفكرين وإعلاميين وأدباء الى جانب العسكر والاجهزة الامنية المختلفة وهذا الاستهداف في حقيقته هو استهدف للهوية الدينية والوطنية والمصرية باعتبار ان ثمة رمزية توشحت بها مصر من خلال تاريخها الحديث.
لقد كانت الضربات التي وجهت للجماعة الاسلامية كفكرة ومنظومة قوية جدا الى درجة انها فككت الجماعة وأحدثت داخلها شرخا أفقيا عميقا وقد توسل السيسي تفكيك فكرة الجماعة الاسلامية سواء حملها الاخوان أو غيرهم بالإبادة كما حدث في رابعة والاغتيالات والتشويه الاعلامي المتعمد خاصة لشخص الرئيس الشهيد ولجماعة الاخوان ووصمها بالإرهاب وتوصيل هذه الافكار الى عموم الشعب المصري عبر عشرات المسلسلات التي استهدفت جماعة الاخوان وقياداتها وسعت لتشويه الجماعة سياسيا وأخلاقيا، والقتل بدم بارد والتشريد على امل تفريغ الحالة المصرية من تلكم الطروحات معتمدا على بوائق الجيش والامن العام وجيش الاعلاميين والممثلين الذين باتت مهمتهم تفتيت وتفكيك المجتمع المصري وتدمير بناه الاجتماعية والاخلاقية والدينية واستبدالها بمنظومة من افكار وقيم وسلوكيات العبودية للطاغية المستبد -تكرار للحالات الاسدية والقذافية والصدامية مع تفنن في هندسة عقول الناس وبرمجتها وفقا لسياسات تعتمد تأليهه..
بعد ستة اعوام من حكم السيسي نحن امام مشهد جديد يتخلق بتواضع ولكن بتراكم كأثر عملي لاستشهاد الرئيس الشرعي محمد مرسي وهذا التخلق تتضح بعد ابعاده بالإعلانات والبيانات الصادرة عن الجماعة في الايام الاخيرة والتي تكشف تطورا لافتا في الرؤية السياسية يمكنني القول انها رؤية سياسية تقدمية. مع التأكيد أن ثورة في مصر تحتاج كما قال يوما ما أسعد زغلول الى قارعة تخرجه الى الشوارع مخترقا حاجز الخوف الذي يقوم بتشييد اعمدته السيسي ومن معه من الطغمتين العسكرية الامنية والاعلامية -الثقافية.
الإخوان وخلفيات الظهور..
ثلاثة اسباب مباشرة كانت وراء ظهور جماعة الاخوان الغاء الخلافة العثمانية وظهور ناشط للحركة الصهيونية باستهداف فلسطين ربطت فيه جماعة الاخوان الغاء الخلافة بالانقضاض الاستعماري على المنطقة وتقسيمها تمهيدا لإقامة اسرائيل على أرض فلسطين والحملات التبشيرية التنصيرية التي استهدفت المجتمع المصري في ظل تراكم الانتكاسات على العرب والمسلمين بعد توالي النكبات عليهم منذ اواسط القرن التاسع عشر.
عمليا ظهرت جماعة الاخوان المسلمين بعد سقوط الخلافة العثمانية مباشرة (اعلن عن ألغاء الخلافة العثمانية عام 1924 وظهرت جماعة الاخوان عام 1928) وكنتيجة لتجليات هذا السقوط المتمثل في ظهور الحركة الصهيونية واهتمامها بفلسطين كوطن قومي، ولقد وَرَثَ حملة فكرة الجامعة الاسلامية مواقف السلطان عبد الحميد من هذه الحركة أذ تنبه مبكرا الى مُرادهم وسجل رحمه الله في مذكراته السياسية ما يلي “لا يريد الصهيونيون الاشتغال بالزراعة فقط في فلسطين، بل أنهم يريدون انشاء حكومة لهم وانتخاب ممثلين سياسيين عنهم، وأني أفهم جيدا معنى تصوراتهم وإنهم لسذج أن تصوروا أني سأقبل محاولاتهم هذه … ان هرتزل يريد لإخوانه في دينه. لكن الذكاء ليس كافيا لحل كل شيء-أنظر السلطان عبد الحكيم مذكراتي السياسية، ص34-35). وهذه الحقيقة كانت ماثلة امام حسن البنا الذي يعتبر مؤسس الجماعة الاسلامية في الحالة المصرية، وتشير الدراسات التي تتبعت تطور الفكر السياسي لدى الامام البنا الى صلته المبكرة التي سبقت تأسيس الجماعة في المسألة الفلسطينية والقدس وعلاقاته مع القيادات الفلسطينية.
تعتبر جماعة الاخوان في مصر الجماعة او الحركة الأكثر تنظيما وانتشارا وتشعبا ويدلل على ذلك صمودها امام موجات الاقصاء والقتل والتشريد التي تعرضت لها منذ نشوئها والى هذه اللحظات فقد نجحت في تجاوز هذه الإحن وهو ما يدلل على قوة وصلابة تنظيمها وهو ما نجده في دعاة الفكرة الوطنية المصرية او الفكرة القومية العربية الناصرية .يقول المستشار طارق البشري في مقالة له تناولت في التحليل ما كتبه الامام حسن البنا، والمستشار نصير قوي للدولة الوطنية وإن كانت خلفياته اسلامية ازهرية متأثرة من جده شيخ الازهر -سليم البشري المالكي (1832 – 1916-. يقول ” والحق أن الحركة السياسية ذات القدرة الأوسع على الانتشار الشعبي، والتي لم تصل أبدا إلى حكومة البلاد، بل عانت الكثير من ممارسات الحكومات المتعاقبة ضدها، كانت هي هذه الحركة الإسلامية السياسية التي أنشأها في عشرينيات القرن العشرين الأستاذ الشيخ حسن البنا، كما أنها الحركة التي توالدت أجيالها بغير انقطاع عضوي”.
تتجلى علاقة جماعة الاخوان المسلمين في السياسة والعمل السياسي من خلال كتابات الامام البنا وعدد من المفكرين في الجماعة من المهتمين بالشأنين السياسية والاجتماعي فضلا عن الممارسات السياسية التي قامت بها الجماعة.
في هذه المقالة سأتناول السياسة وجدل العلاقة مع الدين في الرؤية الاخوانية أذ لا فصل بينهما لا في الظاهر ولا في الجوهر فالسياسة اداة لخدمة الدين ذلك الدين الذي انزله الله وليس الذي يتقوله علماء السلطان عبر حرف الآيات والأحاديث ولي عنقها نصرة للطاغية المستبد.
السياسة في فكر الاخوان
ليست السياسة في الرؤية الاخوانية فن الممكن ولا الغاية تبرر الوسيلة وترفض فكرة ميكيافيلي في هذا الباب جملة وتفصيلا أذ العلاقة بين السياسة والاخلاق في الفكر الاخواني جد وثيقة وعميقة وتتوسل قيم وجوهر الدين وفي مقدمتها العدل ومنظومات التقوى والتوبة والاحسان والتعفف لتحقيقها، فالسياسة عندهم وسيلة لتحقيق الحق والحرية والعدل والمساواة وهناك أهداف واضحة للسياسة تبدأ من الايمان والدعوة لوحدة الوطن الاسلامي واقامة الدولة الاسلامية وتحقيق الوحدة العربية ومن ثم الوحدة الاسلامية والاسلام يشمل كافة شؤون الحياة مهما كانت صغيرة اذ هو الصبغة المجتباة، ففي رسالته الى الطلبة “مؤتمر طلبة الاخوان المسلمين، قال بصراحة لهؤلاء الطلاب بعد ان استعرض مواقف الناس من العلاقة بين السياسة والدين: “فحدثوني بربكم ايها الاخوان اذا كان الاسلام شيئا غير السياسة وغير الاجتماع وغير الاقتصاد وغير الثقافة فما هو إذن … أهو هذه الركعات الخالية من القلب الحاضر أم هذه الالفاظ التي هي كما تقول رابعة العدوية: استغفار يحتاج الى استغفار، لهذا ايها الاخوان نزل القران كاملا محكما مفصلا (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ (89)-النحل)…ثم يقول القول الفصل “عَلمَ الله ايها السادة ان الاخوان ما كانوا يوما من الايام غير سياسيين ولن يكونوا يوما من الايام غير مسلمين وما فرَّقت دعوتهم بين السياسة والدين ولن يراهم الناس في ساعة من نهار حزبيين وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ”.. ومن ثم يحدد ان هوية اسلامية “حركية” للفرد المسلم دون فهم عميق للسياسة ولذلك يحدد هذا المعلم في حياة الفرد الاخواني اذ يقول في رسالته لطلبة الاخوان “أستطيع ان أجهر في صراحة بأن المسلم لن يتم اسلامه الا اذا كان سياسيا بعيد النظر في شؤون امته مهتما بها غيورا عليها ” ويقول في ندائه للشباب “يخطئ من يظن ان جماعة الاخوان المسلمين جماعة دراويش قد حصروا انفسهم في دائرة ضيقة من العبادات … ويخطئ من يظن ان الاخوان المسلمين يتبرمون بالوطن والوطنية … ويخطئ من يظن ان الاخوان المسلمين دعاة كسل او اهمال فالإخوان يعلنون في كل اوقاتهم ان المسلم يجب ان يكون اماما في كل شيء.. ويخطئ من يظن ان الاخوان المسلمين دعاة تفريق عنصري بين طبقات الامة فنحن نعلم ان الاسلام عني ادق العناية باحترام الرابطة الانسانية العامة بين بني الانسان … ويخطئ من يظن ان الاخوان يعملون لحساب هيئة من الهيئات او يعتمدون على جماعة من الجماعات. رسالة الى الشباب”.
وعلى هذا القول يعلق المفكر الاسلامي محمد عبد القادر ابو فارس فيقول: “نعم انها الحقيقة القائلة لا خير في دين لا سياسة فيه، ولا خير في سياسة لا دين لها….. والاسلام جاء بسياسة لإسعاد الناس في الدنيا والاخرة .سياسة ترعى شؤونهم كلها ..”، وتكمن جذور النظرية السياسية عند الامام البنا ومدرسته ن خلال طروحاته المتعلقة برؤيته لمعاني ومفاهيم العدل والحرية والمساوة في السياقات السياسية والشورى ومسؤولية الحاكم في مسألة السلطة وقد فرق الامام تفريقا دقيقا بين ان يُسخَر الدين للساسة ومصالحهم وبين ان تُسَخَر السياسة لتحقيق الدين وفي هذا يقول ” نحن نعتقد ان الدين الاسلامي جاء بأحكام لا يمكن أن تكون نافذة الا بالسلطة التنفيذية وعلى ذلك فالدين في الحقيقة لا يمكن ان تغني عن السياسة كما ان كل سياسة لا يكون اساسها خوف الله والتشبع بالمثل العليا، التي جاء بها الدين تكون سياسة فاشلة ومعنى هذا ان السياسة لا يمكن ان تستغني عن الدين وفي هذا الحدود يجب ان يتعاون الدين والسياسة ولهذا جاء الاسلام يجمع بينهما اما اذا خضع الدين لأهواء السياسة أو ادعى الساسة أن تصرفاتهم دينا تفرض له القداسة فسد الدين وفسدت السياسة – من تراث الامام البنا ج14،ص86-87″، ولذلك فالنظرية السياسية في فكر البنا والاخوان تعتمد اساس ان الاسلام نظام متكامل يشمل جميع جوانب الحياة ولا يحصر في مسائل شخصية بل يجب ان تتجلى معالمه في حياة وسلوكيات الناس فرادى وجماعات وكل حراكاتها أي كان نوعها تنبثق من هذه المنظومة الاسلامية الجامعة المظللة للامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى