أخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

قال الشعب: “كلنا ولادك”

توفيق محمد
هذا هو الشعار الذي أطلقه أبناء شعبنا الفلسطيني من مختلف مشاربه السياسية للتضامن مع من يعتبرونه أيقونة النضال الفلسطيني الشيخ حسن يوسف القابع في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ابن الـ 64 ربيعا الذي قضى قرابة ثلثها خلف القضبان، بدأت قصته مع قضبان الاحتلال الإسرائيلي منذ العام 1971، أي عندما كان عمره ستة عشر عاما وما تزال فصول هذه القصة تُكتبُ حتى الآن، وقد تخلل ذلك إبعاده الى مرج الزهور في 17/12/1992 مع 415 شخصا من أبناء شعبنا الفلسطيني، وكان ذلك في زمن حكومة رابين الثانية التي تشكلت من حزب العمل وميرتس وشاس وحظيت بدعم الكتل العربية المانعة (الجبهة والحزب الديموقراطي العربي).
كان اعتقال الشيخ حسن يوسف دائما اعتقالا سياسيا، وقد قضى معظم فترات الاعتقال اعتقالا إداريا، وهذا يعني ان لا تهم يمكن توجيهها للشيخ حسن، لإنه لم يقم بفعل يمكن إدانته من خلاله، وهذا يعني أن تأثير الرجل السياسي والإجتماعي والمعرفي على الناس عال جدا، ولذلك يخاف الإحتلال الإسرائيلي منه حرا، ولما استعمل معه كل أساليب التضييق والإعتقال، لجأ هذا الإحتلال الى استهداف سمعة الرجل عبر استهداف أبنائه وعائلته ودائرته الصغرى، فجند ابنه البكر قبل سنوات، ثم أعلن هذا الابن تنصره، وإثر ذلك أعلن الشيخ حسن وعائلته براءتهم الكاملة التامة منه، واليوم يعلن الإحتلال عن استهداف ابنه الثاني، أما عن الإستهداف فحتى الآن لا نعلم ماهيته، ويأتي توقيت ذلك والشيخ معتقل إداريا، والهدف من ذلك ليس الإبن، بقدر ما هو استهداف لسمعة ومكانة وشهامة ووطنية الرجل الصامد.
ويبدو أن الشيخ حسن يتعرض لمساومات كبيرة في سجنه، لكنه يبدي صمودا ورباطة جأش وثباتا جعلت الإحتلال يحاول معه هذا الأسلوب الرخيص حتى يحاول ضرب الرجل في أعز ما يملك، لكن التفاف أبناء شعبنا الفلسطيني وإجماعهم على الرجل وإطلاقهم لشعار “كلنا ولادك” في ردهم على هذه المحاولة الرخيصة للإساءة للرجل جعلت من الشيخ حسن والدا وطنيا وعقديا لكل الشعب الفلسطيني، وليس لأبنائه الستة فقط.
“كلنا ولادك” شعار غزا صفحات التواصل الاجتماعي في اليوم الذي أعلن فيه التلفزيون الإسرائيلي أنه سيبث تقريره عن ابن الشيخ الثاني، وهو شعار جاء ليقول للشيخ لئن نجحت المخابرات بإسقاط مصعب واستهداف شقيقه، وهما إبنان من أبناء شعبنا، هم بقدر الله أبناؤك البيولوجيون، فإن كل أبناء الوطن هم أبناؤك وأحباؤك، وعلى دربك في حب الوطن والدفاع عنه، ولئن أحزنك سقوط احدهما في تلك المصيدة، والآخر لا نعلم حيثيات شأنه حتى الآن، فليسعدك هذا الكم الهائل من الأبناء الذين لا يربطهم معك رباط دم، لكنه رباط وطن وأرض وشعب ودين وعقيدة، ثم جاء هذا الشعار ليقول للاحتلال الإسرائيلي: مهما فعلت من هذه الأساليب القذرة فإنها لن تتمكن من سمعة القيادات الشريفة التي وقعت وثيقة حب الوطن بأكثر من عشرين سنة خلف القضبان مهرا وحبا لهذا الشعب، وهذا الوطن، وهذه العقيدة.
ولذلك ها هو الشعب الفلسطيني كله يبادل الشيخ يوسف حبا بحب وإخلاصا بإخلاص، وثقة بثقة، وثباتا بثبات، ولئن قضى الشيخ وأمثاله عشرات السنين حتى يحوز مثل هذا الحب والإلتفاف لما كان يحصله بالقدر الذي حصله بعد اذ أقدمت مخابرات الاحتلال على هذه الخطوة الغبية باستهداف عائلة الشيخ.
أذكر أنه في أعقاب اغتيال الشيخ أحمد ياسين يوم 22/3/2004 وكان يوم اثنين، دعا الرئيس الإسرائيلي في حينه موشيه كتساف (وهو السجين الجنائي المحرر حاليا على خلفية اعتداءات جنسية على موظفاته عندما كان وزيرا وعندما كان رئيسا للدولة) دعا رؤساء تحرير الصحف العربية للقاء إعلامي أو قل مؤتمر صحفي في مكتبه، وفي العادة كنت لا أشارك في مثل هذه اللقاءات لكنني يومها شاركت، وكان تاريخ اغتيال الشيخ الشهيد قريبا من يوم الأرض، وَتَمَلَّكَ القيادةَ الإسرائيليةَ خوفٌ من اشتعال الداخل الفلسطيني والضفة وغزة على خلفية عملية الاغتيال، فكان ان بدأ كتساف حديثه ووصفه للشيخ الشهيد بأنه كان إرهابيا رافضا للسلام، بل للهدنة ولا يريد حقن الدماء، وكأنه يريد من الإعلام العربي العمل على تسويق الرواية الإسرائيلية التي تسعى لتبرير اغتيال الشيخ الشهيد، وما أن أنهى كتساف حديثه، وفتح المجال للأسئلة حتى انقضضت عليه بسؤال جعله يغضب ويغلق المؤتمر الصحفي وينسحب الى غرفته، وكان السؤال يتحدث عن مشروع الهدنة الذي كان أطلقه الشيخ الشهيد وعرضه على الطرف الإسرائيلي وبثه التلفزيون الإسرائيلي قبل يوم من اغتياله، وقد قلت من ضمن ما قلت أنه في كل مرة يتم التوصل فيها الى تفاهمات يقوم الجانب الإسرائيلي باغتيال شخصية فلسطينية مرموقة، واستشهدت على ذلك بكثير من الأمثلة التي وفرتها سياسة الإغتيالات الإسرائيلية في تلك الفترة، وقد أغضب هذا السؤال كتساف أيما غضب إذ نفى كل ما قال آنفا فأنهى المؤتمر الصحفي من حيث بدأه.
الشاهد في الحديث هو سعي الاحتلال الحثيث، واستهدافه الدائم للقادات الفلسطينية إما عبر السمعة أو العائلة أو بث المعلومات الخاطئة للوصول الى هدفه.
نعم صعب جدا على نفس الشيخ ما حصل مع اثنين من أولاده، وكما كتب صديقي محمد أسعد كناعنة أبو أسعد: “هل أقول لك لا تحزن!!؟ حتما لا أستطيع، فالحزن يأكل فينا على أصغر من هذه، كيف لا يا شيخ وأنت أردت لشعبك الإنعتاق من نير هذا الاستعمار، إحزن ولا تنكسر، إغضب وأكمل مسيرتك كما عهدناك”.
هذا شعبك كله على كل خارطة الوطن الذي تعرف يقول لك نحن جميعا ابناؤك، فاثبت، وانت لها.

الأثيوبيون
على إثر “انتفاضة” الجالية الأثيوبية في البلاد على خلفية مقتل أحد أبنائها على يد ضابط شرطة امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي العربية مدحا وردحا، مدحا للأثيوبيين ولقدرتهم على القيام بهذه المظاهرات، وإغلاق الشوارع، وشل حركة السير في الدولة شمالها وجنوبها، وردحا على أن العرب في الداخل لم يقوموا بمثل ما قام به الأثيوبيون رغم هدم بيوتهم، ورغم قيام الشرطة بقتل العشرات منهم، ورغم الكثير الكثير من سياسات الإضطهاد والعدوان التي تمارس عليهم من الشرطة ومن سائر الأجهزة في الدولة، بل رغم التحريض الصريح والمباشر من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزرائه.
الذي لم يتنبه له المادحون و”الرداحون” في هذه المسألة ان هذه الدولة تتعامل مع الأثيوبيين على أنهم مواطنون، وإن بدرجة أدنى من سائر الأعراق والألوان في هذه الدولة، ربما درجة ثانية أو ثالثة أو رابعة، لكنهم يبقون في عرف الدولة ومؤسساتها في دائرة المواطنة، وهذا يقتضي أن تحفظ لهم حقوق المواطنة من التظاهر والإحتجاج والتعبير عن الرأي، أما العرب فإن الشرطة ومختلف مؤسسات الدولة تتعامل معهم على أنهم أعداء، وهذا يقتضي أن يقتل أبناؤهم عندما يخرجون للتظاهر كما حدث في هبة القدس والأقصى يوم قتلت الشرطة 13 شابا عربيا خرجوا للتظاهر ليس أكثر، وهذا يقتضي أن تهدم بيوتهم لأنهم بنوها على أرض من المفترض أن تصادرها الدولة لصالح هذا الأثيوبي أو غيره من يحملون مكونات المواطنة الإسرائيلية.
ولذلك فإن أحداثا ليست أقل من حدث قتل الشاب الأثيوبي سلومون تاكا لم تسمح خلالها الشرطة للعرب أن تغلق شارعا بل قمعتهم بيد من حديد.
ببساطة هناك يتعاملون مع مواطنين، وهنا مع أعداء.
ألا فليعي ذلك من يركضون الى الكنيست.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى