أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

المشتركة في نسختها الجديدة؟ القائمة الشعبية، “السياسة النظيفة” وأشياء أخرى حسنا! خلّي الشعب يقرّر!

حامد اغبارية
في حوار له عبر أثير إذاعة “كان” الصهيونية مطلع الأسبوع الجاري، حاول البروفسور أسعد غانم تسويق الحزب الجديد، أو القائمة الجيدة، التي تحمل اسم “الوحدة الشعبية”، والتي أعلن تشكيلها مؤخرا، بهدف خوض انتخابات الكنيست، في أيلول القادم. وقد تحدث غانم عن وجود 30 – 35% من الأصوات التي لم يشارك أصحابها في الانتخابات الأخيرة، والتي يمكن إقناعها بالخروج للتصويت لقائمته، وبذلك يوهم نفسه، أو أن قائمته توهم نفسها، بإمكانية تحقيق نفس العدد الذي حققته الأحزاب الأخرى، التي خاضت الانتخابات الأخيرة، باعتبار أن تلك الأحزاب (خاضت الانتخابات في قائمتين بعد تفكيك المشتركة) حصلت على 30 – 35% من الأصوات أيضا.
لا يمكن فهم كيف يمكن لقائمة جديدة أن تحصد 35% من أصوات يرفض أصحابها أصلا المشاركة في انتخابات الكنيست. هذا يمكن أن يتحقق على الورق فقط، أو في الحوارات الإذاعية، وتبقى مجرد أمنيات وردية، لا علاقة لها بالواقع، لأن الواقع يقول غير ذلك.
في مؤتمرها السنوي عرضت جمعية “مدى الكرمل” أواخر الأسبوع الماضي نتائج استطلاع حول المشاركة السياسية لفلسطينيي الداخل، أجري في شهر أيار الماضي، وشمل 500 مستطلَع من كافة الشرائح الاجتماعية من أصحاب حق الاقتراع. وقد أظهر الاستطلاع أن هناك انقساما حادا (ومتساويا تقريبا) غير مسبوق في مجتمع الداخل الفلسطيني، بين تيارين؛ الأول يرى أن النهوض بالمجتمع الفلسطيني في الداخل يعتمد أساسا على التنظيم الجماعي من خلال مؤسسات وطنية فلسطينية، والثاني يرى أن النهوض بالجانب الاجتماعي والاقتصادي يأتي عبر الاندماج التام في مؤسسات الدولة العبرية وسوق العمل الإسرائيلية. فهل يقرأ البروفسور أسعد غانم، وكذلك قيادات الأحزاب الأخرى، هذه المعطيات بشكل صحيح؟ أم أنهم لا يقرأون المشهد والخارطة بصورة صحيحة، لأنهم لا يرون إلا المصلحة الضيقة المرتبطة بالامتيازات التي يحصلون عليها من خلال المشاركة في الكنيست؟
إن هناك قناعة تامة في أوساط 50-60% من الأهل في الداخل الفلسطيني بأن لعبة الكنيست والمشاركة السياسية لا تعود بأقل فائدة حقيقية على مجتمعنا في الداخل. وقد رأينا هذه القناعة واضحة وضوح الشمس في السلوك الانتخابي في الانتخابات الأخيرة. وأنا على قناعة بأن هذه النسبة سترتفع إلى 65% أو 70% على الأقل في أيلول القادم. ولعله من المفيد أن نسجّل هنا أنه إضافة إلى قناعة الجمهور بعدم فائدة المشاركة في الكنيست، فإن نسبة غير قليلة من المقاطعين، فعلوا ذلك بسبب سلوك الأحزاب المشاركة في الانتخابات، بدءا من تفكيك المشتركة، وليس انتهاء بمحاولة خداع الجمهور بتصريحات ومواقف كشفت الوجه الحقيقي للعبة الكنيست، وقدمت للجمهور دليلا إضافيا بأنه (أي الجمهور) آخر ما تفكر الأحزاب بمصلحته الجماعية، وأنه يشكل بالنسبة لها مجرد مخزن للأصوات ليس أكثر. وقد أدرك الجمهور هذا الأمر، وتعامل معه كما يجب.
في تحليله للمعطيات يقول الدكتور مهند مصطفى؛ مدير عام مدى الكرمل إن معنى الانقسام بين الاندماج في مؤسسات الدولة العبرية وبين التوجه إلى بناء مؤسسات وطنية فلسطينية معناه أن هناك انقساما بين التوجه الجماعي والتوجه الفردي. ومعنى هذا الكلام أن التوجه إلى بناء مؤسسات وطنية هو توجه جماعي، وأن التوجه إلى الاندماج هو توجه فردي. وهذا في المحصلة، يصب في كفة التوجه الوطني، لأن الاندماج في مؤسسات الدولة العبرية هو فعلا اندماج فردي (وضئيل جدا)، وهو إلى جانب ذلك يستحيل تحقيقه بالشكل الذي يضمن تحصيل حقوق متساوية مع المجتمع اليهودي، من حيث الميزانيات وفرص العمل والوظائف الحكومية وما إلى ذلك، هذا إذا افترضنا جدلا أن هموم فلسطينيي الداخل تنحصر فقط في هذا الجانب، وليس في جانب الهم العام للشعب الفلسطيني والأمة كلها. وهذا في الحقيقة هو الفرق بين الشريحتين. فالأحزاب المؤيدة للكنيست، مع ما تحمله من إيديولوجيات مختلفة، تصب جل جهودها واهتماماتها في مسألة المواطنة والحقوق المدنية، وسط بيئة إقليمية ملتهبة، يدفع الشعب الفلسطيني فيها ثمنا باهظا جراء إصراره على تحصيل حقوقه المسلوبة كاملة غير منقوصة. وهذه الأجواء لا تصب في صالح تلك الأحزاب التي تحاول في كل مرة تسويق ذات البضاعة الفاسدة من خلال تركيز عملها في دائرة الحقوق المدنية واليومية الضيقة. ويجب ألا ننسى أن أحزاب الكنيست مارست دورا سلبيا جدا (بعضُها برغبتها!!) في مسخ العقل الفلسطيني وإيهامه بأنه ليس في الإمكان أفضل مما كان، وأن “الخصوصية” و “الواقع” و “قلة الحيلة” تفرض علينا ممارسة اللعبة السياسية الإسرائيلية بأدواتها وداخل دائرتها، وأن الخروج عن هذا الإطار يهدد وجودنا ويعرضنا للحرمان من الحقوق المدنية اليومية وللاستهداف من جانب المؤسسة الرسمية والتمييز العنصري، إلى آخر الاسطوانة المشروخة. ثم ضيّقت تلك الأحزاب الدائرة أكثر وأكثر حين حصرت حلّ كل هذه “القضايا” بالمشاركة في الكنيست، وكأن هذا هو السبيل الوحيد لخلاصنا وتحقيق طموحاتنا والحفاظ على وجودنا. وكأنه لا يوجد خارج إطار الكنيست وسائل عمل سياسي نحقق بواسطتها أكثر بكثير مما يتوهمون إمكانية تحقيقه في الكنيست، مع اعتبار “الخصوصية” و “الواقع” و “قلة الحيلة”!
وعودة إلى مقابلة بروفسور أسعد غانم، الذي قال فيها إنه – بواسطة القائمة الجديدة-يريد سياسة نظيفة؟ فأي سياسة نظيفة يمكن ممارستها في بيئة مليئة بالقاذورات السياسية؟ وما هو نوع هذه السياسة النظيفة؟ كيف هو شكلها، خاصة وأن بروفسور غانم – بصفته ضليعا في العلوم السياسية-يدرك تمام الإدراك أن لعبة السياسة الإسرائيلية أقرب ما تكون في ممارستها إلى أساليب العصابات، وأنه لا يمكن تحصيل شيء إلا باللعب على الحبال وبالحركات البهلوانية وبالكذب والدجل السياسي والخداع وشراء الذمم وبالمال الفاسد وبالصفقات المشبوهة؟ ألا يعلم أنه لا يمكن أن تجتمع النظافة مع العمل السياسي في الحلبة الإسرائيلية؟
كيف يمكن أن تكون السياسة نظيفة، وهو ينقل على لسان أيمن عودة بأن دولا خليجية تدخلت لتفكيك المشتركة؟ وكيف يمكن أن تكون السياسة نظيفة إزاء أحاديث تتردد عن أموال خليجية وأموال من السلطة الفلسطينية في رام الله، ومن مصادر أخرى، تحول إلى حسابات أحزاب معينة؟
لا يمكن ممارسة سياسة نظيفة من خلال المشاركة في الكنيست. وهذا يعرفه بروفسور غانم جيدا. ويكفينا تجربة سبعة عقود لنفهم من كثرة التكرار. ولعل في سلوك أطراف القائمة المشتركة؛ سواء أثناء عملها كإطار واحد، أو بعد تفكيكها، أو حتى من خلال محاولات إعادة رتق أجزائها المتناثرة في هذه الأيام، ما يكفي للتدليل على “نظافة” العمل السياسي!
وعودة أخرى إلى ما قاله أيمن عودة بخصوص تدخل دول خليجية لتفكيك المشتركة: إذا كانت هناك اليوم محاولات لإعادة تشكيل القائمة المشتركة فما الذي يمنع دخول دول خليجية وعربية غير خليجية وجهات فلسطينية على الخط من جديد؟ وكيف يمكن للسيد عودة أن يفسر للجمهور كيف يريد أن يجلس مع الذين استجابوا لتدخل تلك الدول الخليجية عشية الانتخابات الأخيرة؟ هذه ذروة “نظافة” العمل السياسي.
ثم من الصحي أن نسأل: لماذا تبذل دول عربية خليجية وغير خليجية كل هذا الجهد، وتنفق الأموال الطائلة للتأثير في الانتخابات الإسرائيلية؟ هذا يقودنا إلى أجندات التطبيع التي تقودنا مباشرة إلى صفقة القرن. ولنتذكر جيدا أن التدخلات العربية في انتخابات الكنيست بدأت فعليا مباشرة بعد توقيع اتفاقية العار المعروفة باسم “أوسلو”، وأن “أوسلو” هذه هي أول “بصقة” في صفقة القرن.
والسؤال: هل ستعود القائمة المشتركة؟ ظني أنها ستفشل، لأنها أساسا قامت على شفا جُرف هارٍ، وقد انتهى تاريخ استعمالها، ولم يعد الجمهور مقتنعا بها بعد انكشاف حقيقتها وحقيقة أجندات الأطراف المشاركة فيها في الانتخابات الأخيرة.
لقد أدرك الجمهور الكثير الكثير من ألاعيب السياسة الكنيستية، “بفضل” سلوك الأحزاب، خاصة في السنوات الأخيرة، وبات في غالبيته على قناعة أنه لا يمثل بالنسبة لتلك الأحزاب سوى سلم لوصولها إلى الكنيست، وأن مصالحه الحقيقية ليست موجودة حقا على أجندة تلك الأحزاب. ولدينا ألف دليل ودليل على ذلك. ومن ثمَّ فإن هذا الجمهور قد اتخذ قراره بالمقاطعة. والمطلوب الآن أن تتحول المقاطعة إلى موقف ثابت وأصيل، لا مجرد وسيلة لمعاقبة الأحزاب، بمعنى أن تتحول إلى فعل لا مجرد رد فعل، والعمل على إحداث اختراق في أوساط تلك النسبة القليلة (35% يشمل القيمة المضافة: التزوير وسماعات المساجد!!) التي ما تزال تعيش في سراب إمكانية تغيير واقعنا من خلال الكنيست الصهيوني. ولنا عَوْدَة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى