أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةمقالات

ما بعد مرسي..أنموذج “الاخوان المسلمون” في مصر

صالح لطفي-باحث ومحلل سياسي
هذه سلسلة من المقالات أتناول فيها رؤية مستقبلية للإخوان المسلمين على ضوء التحولات التي حدثت في مصر بعد انقلاب يوليو عام 2013 على الرئيس المنتخب الشرعي محمد مرسي المنتمي لحزب الحرية والعدالة، الذراع السياسي لجماعة الاخوان في مصر وبعد استشهاد الرئيس محمد مرسي في سجون عبد الفتاح السيسي على مرأى ومسمع من الاسرة الدولية، وبذلك تكون متورطة بهذه الجريمة.
ثمة سؤال يسأل لماذا اعتمد نظام السيسي القتل البطيء للرئيس المنتخب ولماذا وافقته الاسرة الدولية ابتداء من الولايات المتحدة الغارقة في دماء ملايين المسلمين وانتهاء بدويلات العرب المعاصرة؟
ولماذا اعتمد هذا التوقيت بالذات للإجهاز على الرئيس الشهيد؟ والى اين تتجه جماعة بقامة ومكانة الاخوان المسلمين والى اين يتجه الشعب المصري الذي بات على حافة الجوع والتفكك النهائي بعد أن وصل عدد المدمنين على المخدرات فيه عشرات الملايين ليهبط متوسط جيل التعاطي في عصر السيسي الى ثلاثة عشرة عاما، وتنتشر الرذيلة والفجور ويزين لها وينتشر الالحاد بل وتتم رعايته ورعاية المثليين والديوثين في بلد فيه الازهر ومئات الالاف من العلماء الشرعيين؟
قلق مبرر ولكن؟
ثمة قلق يساور المطلعين على صيرورة جماعة الاخوان ومآلاتها بعد الذي ألمَّ بها تنظيما وقيادة، وثمة نقاش بدأ يطفو على السطح هو مفهوم الابتلاء وسياقاته بين القدري واليومي، ولماذا دائما هذه الجماعة في محن وابتلاءات، ولماذا لا تستفيد من دروسها الصعبة التي عادة ما يكون ثمنها قوافل من الشهداء، مما يعني في المقابل قوافل من الأسر التي فقدت معيلها وقوافل من الأرامل ومئات الآلاف من الايتام ويتحدد النقاش اكثر يوم ان نعلم ان هؤلاء الشهداء جلهم من الطبقة الوسطى من العلماء والمفكرين والاساتذة والتجار واصحاب الحرف والمهن، أي أصحاب حركة الحياة، وباستشهادهم لا تخسرهم الجماعة فحسب، وهم عمودها الفقري، بل والمجتمع المصري قاطبة وهو ما يعني في اللغة التنموية تأخر عجلة الاقتصاد والنمو والتطور واستقرار الاستبداد والجبروت وانتشار الفساد بكل انواعه وموبقاته، وهو ما يبرر هذا القلق من جهة، ولكنَّ تجارب الحياة مع مثل هذه الحركة تؤكد قضيتين أساسيتين، أن منهجها المعتمد في التعاطي مع هذه المحن وإن كان يحتاج الى نظر وتطوير في الأداء، إلا انه فعال في تحقيق الثبات والرسوخ على ما يؤمنون به من الوصول الى الحكم عبر الوسائل السلمية، وانها حركة لا تشيخ ( تشير دراسات عمرية للجماعة في مصر أن متوسط اعمار ابناء الجماعة 25 عاما) فضلا عن انهم تجاوزوا تاريخيا كافة الانقسامات والانشقاقات الداخلية التي عادة ما تحدث إما بسبب سياسي او سبب محنوي، وقد نجح الرجل الاديب العالم الطبيب، د. محمد عبد الرحمن المرسي- عضو مكتب الإرشاد- الذي أدار اللجنة المؤقتة للجماعة بعد اعتقال كافة القيادات في رأب الصدع بين الاخوان، وشكل مجلسا للشورى عام 2015 واعلن لاءاته الثلاثة التي تعتمدها الجماعة الى هذه اللحظات: لا للتفاوض، لا للتصالح، لا للتنازل عن القصاص من المجرمين، وهذا الجبل الفذ اعتقله زبانية السيسي يوم 23-2-2019 وتبين لاحقا بعدما تسرب ما تسرب من مساومات بين الطاغوت وممثليه والجماعة انهم لا يزالون على ثباتهم وهذا يعني أن فلسفة الابتلاء في نظر القوم لها معايير وقيم ومحددات.
لا ينتطح عنزان أن هذه الجماعة هي الاوسع انتشارا في العالمين العربي والإسلامي، وهي الاكثر تغلغلا بين ابناء الطبقة الوسطى والفلاحين وصغار الكسبة ولها منصات عالمية ولها أكثر من خمس وثمانين فرع في العالم. هي الجماعة التي قال فيها أحدهم: لو عطس المرشد في القاهرة لشمّته الاخوان في اصقاع الارض كدلالة على حس الولاء القائم بين ابناء هذه الجماعة.
يعلم الكثير من المتابعين والمراقبين للشأن الإخواني المصري أنَّ عديد التحذيرات قد وصلت الرئيس الشهيد محمد مرسي ومكتب الارشاد من أنَّ ثمة تخطيط للانقلاب يعد له من اطراف محلية، تمثل الدولة العميقة والصليبية الدولية واسرائيل على الرئيس الشرعي وضرب الجماعة من جذورها، وعُرضت عديد العروض الدولية على الرئيس وعلى مكتب الارشاد والحزب للقبول بالمضي في سياسات من سبقوهم من الحكام، سواء فيما يتعلق بالسياسات الداخلية وإبقاء الأمر على ما هو عليه أو ما يتعلق بإسرائيل وبقائها، وهذا هو الأهم، مقابل بقاء الجماعة في الحكم والسياسة، وكان لرفض الرئيس والحزب والجماعة الانصياع لتلكم الطلبات أو قل التحذيرات، الدور المباشر في الانقلاب الذي رعته تلكم المنظومات وفي مقدمتها، حكومة أوباما والسعودية والامارات، فضلا عن تخوف حكام العرب وسدنة الاستبداد من نجاح التجربة الاخوانية “المصرية” وانتقالها الى بلدانهم، خاصة وأن للجماعة في تلكم البلدان قدم سبق وجذور عميقة فكانت سياسات الارض المحروقة في الكثير من بلدان الشرق الاوسط اعتمدت القتل والإعدامات الميدانية والاعتقالات التعسفية وتنفيذ سياسات الموت البطيء في سجونهم للقيادات الاسلامية رافضة الانصياع لمشروع الشرق الاوسط الجديد الذي يجعل إسرائيل ظاهرة شرعية قامت لتبقى، وينهي القضية الفلسطينية من جذورها ويهندس المنطقة من جديد.
بعد استشهاد مرسي وظهور العشرات من التقارير التي تتحدث عن سياسات الموت البطيء للقيادات الاسلامية في سجون السيسي، تتالت المقالات التي تحدثت عن انتهاء الحقبة الاخوانية واسدال الستار على جماعة قارب عمرها القرن من الزمان متحدثين عن فشل المشروع الإخواني الذي قدّم من قياداته قرابين من اجل تحقيقه ما لم تقم به جماعة في التاريخ المعاصر أو قل في المئوية الاخيرة وهذا الحديث يصدر اكثر ما يصدر عن فريقين، فريق من الباحثين ذوي النَفَس العلماني من علماء السياسة والاجتماع والاجتماع-السياسي المتخصصين بالحركات الثورية والاحزاب السياسية العلمانية، منزلين عشرات التنظيرات على الحالة الاخوانية ومبشرين بان هذه الجماعة قد انتهى عصرها وهي إلى الافول الاقرب منه الى العودة الى الحياة ويقومون عادة بمقاربات بين الحالة الاخوانية المصرية ونظيراتها المشرقية وبين الاخوان في المغرب العربي، وكيف شلحت تلكم التنظيمات الرداء الاخواني لصالح تصالحهم مع السلطة والبقاء على قيد الحياة السياسية، واليوم يُقدمون حركة حماس كأنموذج للتخلي عن الفكر الاخواني، وفريق ثان هم ممن كانوا يوما من الاسلاميين وتربى بعضهم عدد سنين في محاضنها وتعرف على بعض من سياساتها الداخلية ثم خرج منها لأسباب مختلفة- لست هنا بمورد ذكرها وتحليل هذه الظاهرة- وشرع بالكتابة عنها بصفته خبير خبرها وعاش بها واستفاد من بعض لقاءاته مع القيادات الوازنة أو كان عدد سنين مقربا منها. وهذا الموضوع على وجه الخصوص لأهميته سأفرغ له مقالة خاصة إن مد الله في اعمارنا، لأهميته وذلك ليحيى من حيَّ عن بينة.
إنَّ ما صدر من بيانات عن الاخوان المعتقلين في سجون طاغية مصر، السيسي، تساوم الاخوان على التنازل عن السلطة والشرعية والاقرار بالواقع الحالي مقابل الافراج عنهم وبقائهم في بيوتهم، وما أصدره إعلام السيسي يوم الاربعاء الماضي من مداهمته لعشرات الشركات التي تعود ملكيتها لمصريين من غير الاخوان، بل ومنتسبين للأحزاب الاشتراكية والناصريين والتيار القومي، بزعم ان للإخوان اسهم في شركاتهم، يلقي الضوء على قضايا تمس صلب العمل السياسي في مصر وتبين عمق الاستبداد والطاغوتية السياسية التي تمارسها سلطات الانقلاب واستحالتها الى كارتيلات للجريمة ومافيا للسرقة وهو ما يبشر باقتراب اجل مثل هذا النظام مما يلقي ضوء آخر على مقاربات زوال هذا الطاغوت قبل انتهاء أجل الدعوات.
استشهاد مرسي شعلة تجدد الثورة..
يمثل استشهاد مرسي من الناحية النظرية والرمزية للوهلة الاولى انتهاء ثورة يناير، ثم انتهاء الربيع العربي وتجبر وسيطرة حكم العسكر والاستبداد، ومن ثم انتهاء الخيار الديموقراطي الذي ارتضاه الشعب المصري والتوسل بالشرعية أساسا للحكم، واغلاق صفحة أن يقود الشعب المصري واحد منهم من ابناء الطبقات الكادحة وصغار الكسبة والفلاحين وهم عموم هذا الشعب القمحي الوجنات، وفي الوقت ذاته يمثل الاستشهاد شعلة متجددة سرت في هذه الثورة التي استلبها العسكر والطغمة العلمانية الفاسدة المرتبطة بمحور واشنطن-تل ابيب، وترك استشهاده كافة الخيارات مفتوحة وهذا يضع الجماعة تحت امتحان صعب، إذ راهنت ولا تزال على مقولة الامام المرشد العلامة محمد بديع “سلميتنا اقوى من رصاصكم”. والاخوان بطبيعتهم يعتمدون التدرج والاصلاح اساسا للوصول الى الحكم فهم يؤمنون ببناء الفرد المسلم والبيت المسلم “الاسرة المسلمة” ثم المجتمع المسلم، ثم الحكومة المسلمة، فتحقيق الخلافة ومن ثم تحقيق الأستاذية. ولذلك فجماعة الاخوان تعتمد الانتشار الافقي والعمودي في المجتمعات اساسا لتحقيق تلكم السياسات، ولا تخوض العمل السياسي الا اذا تمكنت من وجودها في الطبقة الوسطى، باعتبار هذه الطبقة هي محرك حركة الحياة في المجتمعات، أي كانت هذه المجتمعات، وقد تنبهت الجماعة منذ لحظات تأسيسها الاولى الى هذه الحقيقة مستمدين إياها من التربية النبوية “المعصومة”، ومن تجارب الامم المعاصرة. وهذا التدرج التربوي- المجتمعي- السياسي، لا يقدر عليه الا من كان نفسه طويلا ويتمتع بصبر لا ينفذ ولا ينتظر النتائج بين عشية وضحاها، لذلك شغب على هذه الجماعة مبكرا من شغب فخرج عنها وأسس جماعة شباب محمد صلى الله عليه وسلم التي اعتمدت الثورية اساسا للوصول الى الحكم، وتجلت تلكم الادبيات في الرؤية الجهادية التي رأت في التنظير الاخواني مثاليا لا يمكن الوصول الى الحكم من خلاله، فاعتمدت الوصول ابتداء الى الحكم كأساس مركزي عبر الثورة على النظام القائم، ومن ثم تربية الاسرة والفرد وقريب من هذا التنظير ما يذهب اليه حزب التحرير والسلفيات الجهادية الى اختلاف مسمياتها وبذلك تبقى جماعة الاخوان مميزة بطرحها هذا عن باقي مدارس المشروع الإسلامي.
الإخوان ومحنة السلطان
تأسست جماعة الاخوان المسلمين في مصر عام 1928 بعد اربعة أعوام من سقوط الخلافة الاسلامية رسميا، وعزا العشرات من الباحثين سبب تأسيس جماعة الاخوان الى سقوط الخلافة واستشعار ضياع فلسطين، لذلك تعتبر هذه الجماعة أكثر من قدم الشهداء من أجل القضية الفلسطينية، وستكون لي إن شاء الله سلسلة مقالات في تبيان الدور الاخواني في نصرة القضية الفلسطينية ومنابزة الاستكبار الصليبي-الصهيوني العالمي.
منذ تأسيس هذه الجماعة في مصر، والى هذه اللحظات وهي في محنة مواجهة السلطان، علما انه لولا الاخوان المسلمين لما نجحت ثورة 23 يوليو المعروفة بثورة الضباط الاحرار، أو الثورة التي قادها الفريق محمود نجيب وعبد الناصر.
وكل رئيس حكم مصر اصطدم مع الاخوان اصطداما عنيفا لتعزيز سلطته وديكتاتوريته، فالجماعة لاحقها الملك فاروق ومعه القلم السياسي “جهاز المخابرات”، بتوجيه من المخابرات البريطانية ونجم عن هذه الملاحقات والصدامات، مقتل النقراشي على يد النظام الخاص ليقوم الملك بقتل الامام حسن البنا يوم 14-2-1949 وهو ما هز المجتمع المصري، وكان من نتائج مقتله قيام الثورة، ثم انقلب العسكر على الاخوان بقيادة عبد الناصر، فقتل المئات من قيادات الاخوان وفي مقدمتهم، سيد قطب وكان لمواجهته الدامية للإخوان المسلمين وهزيمته النكراء أمام إسرائيل عام1967 أن قام السادات بانقلابه عام 1970 وكان الالاف من الاخوان ما زالوا في السجون والمعتقلات، فاعلن عن الانفتاح وأفرج عن الاخوان وعن الشيوعيين، ثم ما لبث ان اصطدم معهم في اعقاب التحولات السياسية، وعقده السلام مع اسرائيل فقتل عام 1981 وكان المئات من الاخوان في السجون والمعتقلات، فجيء بمحمد حسني مبارك الذي اعلن عن مصالحة مجتمعية، محاولا الاستفادة من الاخوان والجماعات الإسلامية، ثم ما لبث أن اصطدم مع الجماعات الاسلامية ومع الاخوان، بعد أن وقع في الفساد السياسي وحاول ان يجعل من مصر عزبة خاصة، وأسس الدولة العميقة من بقايا العسكر المشاركين في حرب رمضان عام 1973 والقطط السمان التي تحولت الى كارتيلات تحكم مصر ماليا واقتصاديا، ثم ثارت عليه الناس وما كان سبب الثورة عليه الا لفساده الذي زكم الانفس وسعيه للتوريث، ثم جاءت حكومة العسكر الانتقالية، ثم انتخب الرئيس الشهيد محمد مرسي، وخلال عام أنجز ما لم يقم به سلاطين الدولة المصرية الحديثة، وقرر الخطوط العريضة للسياسة المصرية: الاعتماد على الذات في الاكل والملبس والمصنع، ودفع الحياة المجتمعية قدما ومحاربة الفقر والفساد والجريمة وتحجيم تغلغل العسكر في الشؤون العامة وتحديدهم بمهام الذود عن الوطن، والاستقلال السياسي ومناصرة الشعوب المسحوقة في الأرض، وفي مقدمتها الشعبين الفلسطيني والسوري، ووقف أمام التغول الفارسي والفساد السعودي-الاماراتي، والصلف الإسرائيلي والعنجهية الامريكية، ووجه قبلته صوب العالم الآخر مستغلا الانسيابية السياسية العالمية، فكان القرار الاممي بالانقلاب على هذا الرجل القائد العمري الذي ستشكل بالقطع سيرته السياسية التي امتدت في الحكم عاما واحدا فقط، إلهاما للمصريين ولغيرهم، خاصة وأننا نعيش عصر الميديا والثورة التقنية و”السايبر”، والجماعة اليوم تعد فيلما وثائقيا عن منجزات الشهيد خلال العام الذي قضاه وهو ما سيضع طاغوت مصر وأمثاله في دائرة الحدث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى