أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

د. توفيق محمد الترك (76 عاما) من أم الفحم قصة نجاح في العلم والعمل.. ترك المدرسة من الصف السابع ثم واصل تعليمه حتى الدكتوراه   

طه اغبارية

لطالما “بهرتنا” قصص نجاح شخصيات لدى الآخر، غير العربي وغير المسلم، حتى “تلبسنا” شعور بأننا نختلف عن هذا الآخر، في المقومات، وفي “الجينات” ربما، لكن الحقيقة ليست كذلك على الإطلاق، ولو دقّقنا النظر والمتابعة لوجدنا في عالمنا العربي والإسلامي، أفرادا حققوا نجاحات هائلة في ميادين العلم والعمل.

أحد هؤلاء الأفراد، عنوان قصتنا، هو السيد توفيق محمد محاميد، من مدينة أم الفحم، ولقبت عائلته بـ “الترك”، نسبة إلى والده الذي كان جنديا برتبة متقدمة في جيش الدولة العثمانية.

نال السيد توفيق الترك، هذا الأسبوع، شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة في الجامعة الأردنية في موضوع “أصول الفقه الإسلامي”، وهو يبلغ من العمر 76 عاما. ترك مقاعد الدراسة من الصف السابع، واتجه للعمل في مجال “البناء”، ثم عاد بعد سنوات طويلة ليكمل تعليمه الثانوي والجامعي حتى حصل على الدكتوراه.

لم يكتف بتحقيق النجاح في ميادين العلم، بل وفقه الله لتأسيس شركة مقاولات رائدة على مستوى البلاد، وتصنف في المكان الـ 11 في “سجّل” الشركات الرائدة في مجال البناء والمقاولات، عند اليهود والعرب، ويعمل في الشركة المئات من العمال العرب من الداخل والضفة.

عندما تلتقيه وتتحدث إليه، تجد أنك أمام شخصية غاية في التواضع والأدب، فرغم كل النجاحات التي حقّقها، لم “تغرّه الدنيا” وهو دائم الذكر والحمد والثناء لله تعالى على ما أنعم عليه، ويقول “أنا خادم لكل الناس وكل ما أنا فيه بفضل وتوفيق من الله”.

اخترنا أن نضع الدرجة العلمية (دكتوراه) قبل اسمه، لأنه استحقها بجدارة في جيل متقدم، كافح كثيرا حتى نال بسطة في العلم والمال، فاستحق أن يكون قدوة لكل الأجيال، لا سيّما الذين يعتقدون أن قطار العمر فاتهم وعليهم البقاء في المحطة دون حراك أو طموح.

البداية

بدأنا في صحيفة “المدينة” قصة الدكتور توفيق الترك، بسؤاله عن انطلاقة مسيرته في العمل ثم العلم، فأجاب “خرجت من المدرسة من الصف السابع وكان ذلك في الخمسينات، حيث كانت ظروف الناس صعبة والأبناء يساعدون عائلاتهم، توجّهت في جيل 14 تقريبا إلى العمل في البناء بمنطقة تل أبيب، وقد عملت مساعدا لبنّاء أو مساعدا لقصار وغير ذلك من الأعمال الشاقة، ثم تمكنت بعد فترة من اتقان مهنة البناء، وفي يوم من الأيام انتبهت لوجود عمارة في شارع (60) بيافا يدخل إليها الشباب، وعلمت أنها مدرسة ثانوية باسم “حسن عرفة”، حينها لمعت برأسي فكرة متابعة تعليمي أثناء عملي، وبالفعل انتسبت إلى المدرسة، وكان معلموها ومديرها من اليهود العراقيين، باشرت الدراسة، والحمد لله حصلت على شهادة انهاء المرحلة الثانوية عام 1962، وحين أكملت تعليمي الجامعي بعد نحو 43 عاما، تم الاعتراف بالشهادة كمعادلة لشهادة البجروت”.

في عام 1985 أنشأ د. توفيق شركة مقاولات، بعد أن اكتسب تجربة واسعة في مجال البناء، وكبرت الشركة حتى أصبحت من كبريات الشركات في مجالها على مستوى البلاد.

يقول: “بعد أن منّ الله عليّ بالتوفيق والنجاح في الشركة، فكّرت بالعودة إلى التعليم، وسلّمت معظم مسؤوليات الشركة إلى الأبناء، وبالفعل في عام 2005 بدأت دراستي للعلوم الشرعية في كلية الدعوة والعلوم الإسلامية في أم الفحم، وحصلت على اللقب الأول عام 2009، ثم بعدها اكملت الدراسة للقب الثاني في جامعة القدس- أبو ديس ونلت درجة الماجستير عام 2013”.

يعيد الدكتور توفيق، الفضل لما هو فيه لله أولا، ثم والديه “دعواتهم بالإضافة إلى حرص والدي رحمه الله على تعليمي القرآن الكريم واكتساب المعرفة، ساهم إلى حد بعيد في تذويت فكرة حب العلم لدي”.

مرحلة الدكتوراه

عام 2013 التحق الدكتور توفيق بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية لتحصيل اللقب الثالث، يقول عن هذه المرحلة: “كانت مرحلة صعبة جدا، سهرت فيها الليالي الطوال، ومن أجل التخفيف عن نفسي، تسجّلت لمساقين في كل فصل، كنت أسافر إلى الأردن ذهابا وإيابا، لم ابت هناك إلا نادرا، في أوقات الضغط والامتحانات، شعرت بعد مناقشة الرسالة أن جبلا نزل عن كاهلي”.

كانت رسالة الدكتوراه بعنوان “الهوية وآثارها على الداخل الفلسطيني- دراسة فقهية”، وتطرق صاحبها إلى قضايا مختلفة تتعلق بالفلسطينيين المسلمين في الداخل والنظرة الفقهية إليها، مثل، مسألة المشاركة في انتخابات الكنيست، والتجنيد والعلاقات مع اليهود وغيرها من المسائل الأخرى ذات الصلة.

طلبت لجنة مناقشة رسالة الدكتوراه، من د. توفيق، أن يحضر وحده إلى المناقشة، لكن سعادة العائلة به فاقت الحدود فجاء عدد من الأبناء والبنات والأحفاد والأقارب إلى المناقشة، ما اضطر اللجنة إلى “الرضوخ” والموافقة على مشاركتهم في الجلسة.

يضيف: “بعد شكر الله تعالى، أتوجه بالشكر والامتنان لأبنائي وبناتي والزوجة على ما تحملوه من عناء لأجلي وتوفيرهم كافة الظروف والاجواء التي تساعدني على الدراسة،

فالجيل متقدم وعملية الدراسة ليست سهلة، إلا أن أفراد العائلة جميعا، جزاهم الله خيرا، عملوا على توفير كل وسائل الراحة من أجل اكمال ما بدأت به”.  

إلى جانب تحصيله العلمي المتميز، يحفظ الدكتور توفيق نحو 23 جزءا من القرآن الكريم، وطلب أن ندعو الله أن ييسر له حفظ ما تبقى.

لا حدود للطموح مع الإيمان والعزيمة

انطلاقا من تجربته الرائدة والغنية في مجال العلم والعمل، يؤكد الترك، أنه لا حدود لطموح المرء مع توفر الإيمان بالله عز وجل والعزيمة والإصرار، يقول: “بدأت من الصفر، ولكن تسلحي بالإيمان والإرادة جعلني والحمد لله أصل إلى ما وصلت إليه”.

ينصح كل الناس بطلب العلم، بصرف النظر عن مرحلتهم العمرية “ألم تكن أول ما نزل على نبينا صلى الله عليه وسلم كلمة “اقرأ”، فعلى كل مسلم اكتساب العلم والتزود بالمعرفة وعدم الاكتفاء بما حققه”.

حرص د. توفيق أن ينال اولاده وبناته وأحفاده العلم، ويشدّد على أنه “بالعلم يمكن للإنسان أن يصنع ما يريد، شرط أن لا يحيد عن طريق الله”.

حين أجرت “المدينة” اللقاء مع الدكتور توفيق، كان بصدد الاستعداد لإجراء مقابلة متلفزة مع وسيلة إعلامية أخرى، ويشير إلى أن الاتصالات، من قبل العديد من وسائل الإعلام التي تريد إجراء مقابلات معه، انهالت عليه بعد انتشار خبر حصوله على الدكتوراه، كما أن لا زال يستقبل الاتصالات والزيارات من الأصدقاء والأقارب لتهنئته.

تركنا الدكتور توفيق محمد الترك، ولسانه يجزل الثناء على كل من وقفوا معه في مسيرته العلمية والعملية وإلى الذين باركوا له وأعربوا عن سعادتهم بإنجازه، وكان يقول “ما وصلت إليه وحققته هو تكليف من الله تعالى في أن أعمل بمقتضى ما تعلمت وأن اترجمه على أرض الواقع، سأبقى ما حييت أشعر بالمسؤولية تجاه نعم الله التي وهبني إياها، وأسأله تعالى أن أكون عبدا شاكرا، وخادما لكل المسلمين”.

التجربة والبرهان

أثبت الدكتور توفيق محمد الترك من خلال تجربته الرائدة في النجاح والعصامية، أنه بإمكان العربي والمسلم أن يتفوق على الآخر، إذا امتلك الأدوات والإرادة، وبرهن بالدليل القطعي أنه يمكن أن تجمع بين أكثر من ميزة وقدرة إبداعية، إذا آمنت بذاتك وأخلصت في متابعة طموحك.

حاولت العديد من الجهات قتل روحنا كعرب ومسلمين واقناعنا أن حجمنا لا يمكن أن يصل إلى ما وصلوا إليه، لكن أمثال الدكتور توفيق، وهم كثر، يؤكدون في نجاحاتهم بمختلف المجالات، فشل “النظريات الاستشراقية”، وأن العربي والمسلم يمكن بالإيمان والإرادة والمواظبة أن يناطح السحاب ولا تحد طموحه الشخصي حدود.   

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى