الذئب والفيل والبوم

الشيخ كمال خطيب
#الذئب
الطبع يغلب التطبع وكل مخلوق يعود إلى أصله، وإن طرأت ظروف يظن المراقب أن هذا المخلوق قد نسي جبلّته وأصله، وإذا به مهما دارت الأيام وامتدت المسافات يعود إلى الأصل الذي منه نشأ والعادات التي لُقّنها، والحليب الذي رضع منه، وقد قال أبو العلاء المعري:
وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه
يحكى أن أعرابيًا وقد كان يمشي في البرية، فوجد ذئبًا صغيرًا وليدًا فأشفق عليه فأخذه واحتضنه وربّاه بل وأسقاه من لبن شاته وناقته. كبر الذئب واشتد عوده حتى كان اليوم الذي عاد إلى أصله وجبلّته، فغدر بصاحبه وغرز أنيابه في جسد الشاة التي شرب حليبها وكبر جسمه من خيرها. لمّا أفاق الأعرابي على ثغاء شاته وجسدها الممزق، نظر إلى الذئب وقال له:
أكلت شويهتي وفجعت قلبي فمن أنباك أن أباك ذيب؟
إن ما ينطبق على الذئب هو ما ينطبق على سلوك اليمين الأصولي الغربي عمومًا والأمريكي منه خصوصًا، وعلى الرئيس ترامب على وجه الخصوص.
إنها أمريكا التي رجعت إلى أصلها في تعصبها للدين وانشغالها به كما قال ذلك المفكر الفلسطيني المسيحي ادوارد سعيد “أمريكا أكثر دول العالم انشغالا بالدين”. وإن الثقافة السائدة في أمريكا هي ثقافة دينية مختلطة بين اليهودية والمسيحية كما قال ذلك ستيف بانون كبير مستشاري الرئيس السابق.
لم يخف جيمي كارتر الرئيس السابق أنه قسيسًا معمدانيًا، ولم يخف الرئيس ريغان ولا جورج بوش الأب والأبن أنهم كانوا من الانجيليين الأصوليين الذين يعتبرون دعمهم لإسرائيل هو تنفيذ لتعليمات دينية تتعلق بعودة المسيح ونزوله، وأن ذلك لن يكون إلا في أرض تقوم عليها لليهود دولة، وهذا غير حاصل ولا يكون إلا في إسرائيل، ولذلك يتوجب دعمها والوقوف إلى جانبها وأن هذا الموقف هو فريضة دينية.
إن خطة الرئيس الأمريكي ترامب لإنهاء ملف القضية الفلسطينية وشطب ملف اللاجئين وحق العودة، وإن قراره الذي نفّذه بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس واعتبار القدس العاصمة الأبدية والموحدة لإسرائيل، هو الدليل القطعي على السياسة الأمريكية السافرة في انحيازها لإسرائيل.
كان أول فرمان أصدره ترامب عند تسلمه الرئاسة مطلع العام 2017 هو القرار القاضي بمنع دخول مواطني سبعة دول إسلامية إلى أمريكا. وأن أول زيارة قام بها ترامب إلى الخارج، كانت إلى السعودية وحلب مبلغ 500 مليار دولار منها، ثم انتقل من هناك إلى إسرائيل وزيارته لحائط البراق باعتباره حائط مبكاهم، فعل هذا قبل أن يعقد جلساته الرسمية مع المسؤولين الإسرائيليين.
هل يختلف ترامب عن ذئب ذلك الأعرابي؟! إن قيام ترامب بالغدر والاعتراف بالقدس عاصمة اسرائيل وصلاته عند حائط البراق بعد حلبه المليارات من أموال المسلمين، تمامًا هي مثل فعلة الذئب الذي مزّق لحم الشاة التي أرضعته.
من الذي أخبر ترامب أن أباه ذئب؟ من الذي عرّف ترامب بأصوله الدينية الصليبية المتطرفة رغم مرور 900 سنة على الحروب الصليبية الحادة؟. يقول الاستاذ باسم خفاجي في صفحة 36 من كتابه – لماذا يكرهونه، الأصول الفكرية لعلاقة الغرب بنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم – : “إن من العجيب في الكنائس الأوروبية والأمريكية أن تجد هذا الهوى والولع التاريخي المتجدد بالهجوم على نبي الإسلام إلى درجة أن تجد في العديد من الكنائس المعروفة رسومات ولوحات على أسقف هذه الكنائس تهزأ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومن الأمثلة المحزنة في هذا الشأن لوحة توجد في كنيسة سان بترينو بمدينة بولونيا في وسط إيطاليا وهي عبارة عن رسم لشخص عارٍ ممدد أرضًا وهو يعذب في جهنم بشكل بشع، وقد كتبت على جانبها بحروف واضحة اسم النبي صلى الله عليه وسلم، والرسم يرجع إلى عام 1415 ميلادي بريشة رسام معروف وهو – جيوفاني دومودنيا”.
فيا ترامب يا ابن الأصول الأوروبية الصليبية، من أنبأك أن أباك ذيب؟ من أين رضعت حليب كراهية المسلمين مع أنك تدعي غير ذلك؟ أم أن دماء الحقد والتعصب الديني الصليبي ما زال يجري في عروق الأوروبيين والأمريكيين حتى وصل إليك.
#الفيل
يعلم الجميع أن في أمريكا يتنافس حزبان رئيسيان، وهما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري. أما الحزب الديمقراطي الذي كان منه الرئيس السابق أوباما فإن شعاره هو الحمار، وأما الحزب الجمهوري والذي يمثله الرئيس الحالي ترامب فإن شعاره هو الفيل. ولقد اعتمد الفيل شعارًا للحزب الجمهوري منذ العام 1870 ميلادي منذ عهد الرئيس أبراهام لنكولن، وذلك بعد أن قام رسام الكاريكاتير الشهير “توماس ناست” من على صفحات مجلة “هاربر” برسم صورة فيل ضخم وهائج يحطم كل ما حوله وأمامه، وكتب على الفيل كلمتي “الصوت الجمهوري” في إشارة إلى تأثير المال على الصوت الانتخابي، وبالتالي تأثيره على رسم السياسات.
وإن الثمرة كما يقال لا تسقط بعيدًا عن أمها الشجرة، وإن ترامب رئيس الحزب الجمهوري لا يختلف أبدًا في سياساته ومواقفه وعدوانيته عن الفيل الهائج والمندفع ليحطم كل من يقف أمامه. هكذا هي سياسة ترامب وهو صاحب المال الكثير بشخصه، وهكذا هو ترامب وسياسته الرسمية كرئيس لأمريكا الغنية وصاحبة المال والنفوذ.
إنه ترامب ذلك الفيل المندفع والهائج في علاقاته مع أوروبا وإصراره على أن تكون تابعة لأمريكا، وإلا فإنه العداء السافر لها، وهكذا هي سياسة ترامب ذلك الوحش والفيل الهائج في علاقاته مع المسلمين، وفي تحريضه ضد الأمريكيين في جنوب القارة الأمريكية ودعواته لمنعهم من دخول امريكا ولو عبر قتلهم ونصب سياج على طول الحدود بين أمريكا والمكسيك، بل وصل الأمر إلى حد إصداره أمرًا بفصل أطفال هؤلاء المهاجرين عن أمهاتهم لما في ذلك من قسوة وفضاضة.
إنه ترامب ذلك الفيل الهائج والذي لا يتردد بأن يتعامل حتى مع مقرّبيه بنفس الأسلوب. إنه الذي قد اقترب عدد من فصلهم وطردهم من مناصبهم كوزراء ومستشارين وناطقين لأكثر من خمسين، يفعل ذلك من خلال تغريدة يكتبها من بضع كلمات على حسابه في تويتر، في سلوك أرعن وطائش ومندفع لا يراعي فيه كرامة ولا احترام ولا خدمة هؤلاء له، إنه فعلًا الفيل الهائج.
وإذا كان هذا سلوك ترامب مع أقرب المقربين منه، فماذا يا ترى سيكون سلوكه مع القادة والزعماء العرب والمسلمين. لقد شاهدنا كيف يتعامل مع السعودية ومَلِكها وحكامها، وهو يقول لهم “ادفعوا فأنتم أغنياء ولولا حمايتنا لكم لما بقيتم في الحكم أسبوعين”. إنه أسلوب العبيط والهائج، إنه أسلوب الفيل الثائر يحطم كل ما يجده أمامه.
إن حكام السعودية ولأنهم اعتدوا على حرمات الله وحرمات المسلمين وأعراضهم ودمائهم، فإن الله سبحانه قد سلط عليهم هذا العربيد السكير الماجن الداعر يفضحهم ويمرغ كرامتهم في التراب. إنه يدوسهم كما يدوس الفيل الهائج كل ما يعترض طريقه، وفعلًا وحقًا صدق فيهم قول الله {ومن يهن الله فما له من مكرم} آية 18 سورة الحج.
# البوم
يحكى أن أحد ملوك الفرس الظلمة كان يتجول يومًا مع حاشيته، فمرّ على خربة وآثار لقرية كانت عامرة، وفيها كان بوم ينعب، فقال الملك لوزيره: ما تقول هذه البوم؟ فقال الوزير: تقول يا سيدي إن أطال الله عمر الملك فلا تكون هذه هي الخربة الأخيرة.
إنها القصة الرمزية تشير إلى أن الظلم هو سبب رئيسي من أسباب سقوط الحضارات وزوال الأمم والامبراطوريات. كذلك الله سبحانه وتعالى قال {وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة} آية 11سورة الأنبياء. وقال سبحانه {أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم وللكافرين أمثالها} آية 10 سورة محمد.
وإن ما كان في الماضي لم ولن يختلف اليوم ولا غدًا من أن الظلم عاقبته وخيمة وآثاره سيئة، وأن شعور بعض الأمم والحضارات بالقوة والمنعة فإنه يدفعها للظلم والاستبداد والبطش، ولكنها لا تعلم أنها بذلك تستعجل قانون الله العادل {وتلك القرى أهلكناهم لمّا ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدًا} آية 59 سورة الكهف.
وإن ما يقوم به الظالمون الكبار وما يمارسه صغار الظالمين وكل يظلم بحسب قوته، فإنه سيقود إلى نفس النتيجة. إن أمريكا وسياساتها الغاشمة بحق كثير من الدول والأمم وخاصة المسلمين، وإن ما تقوم به إسرائيل بحق شعبنا الفلسطيني، وإن ما يرتكبه آل سعود من ظلم وبطش وتآمر على شعبهم وعلى شعب مصر واليمن وفلسطين وسوريا وغيرها، للذي يجعلنا لا نسأل هل هؤلاء سيزولون وإنما سيكون السؤال كيف ومتى؟؟
الغريب أن هؤلاء الطواغيت والظلمة ينسون أو يتناسون أن في أرضهم وبلادهم ما تزال آثار قوم صالح ومملكة سبأ، وغيرها من الممالك التي كانت مضرب الأمثال بالقوة والبطش، لكنه قانون الله العادل الذي جرى عليهم فخربت ممالكهم ونعب البوم في ديارهم. وكيف أن البوم لن ينعب في قصور آل سعود كما يقول الشيخ المعتقل في سجون آل سعود سفر الحوالي في صفحة 2798: “فأصبح الناس في السعودية مثلًا لا يتحدثون عن الكعبة، بل عن آثار الأخدود ونسر ومدائن صالح ونقوش رمسيس وسوق عكاظ”، وهذه كلها من آثار الماضي ومن بقايا الأمم التي أهلكت بالظلم الذي مارسته. إنهم تناسوا أن الله أبدلهم خيرًا منها الكعبة المشرفة وهداهم للإسلام، وإذا بهم يستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير. فكيف أن مملكتهم لن تزول وكيف أن ملكهم لن يذهب، وكيف أن البوم لن ينعب في قصورهم؟!
ومثل ظلمة آل سعود، فإنه ظلم حكام إسرائيل لشعبنا الفلسطيني وهم يسومونه سوء العذاب منذ أكثر من سبعين سنة. إن هؤلاء يظنون أنهم فوق النواميس الكونية وفوق قوانين صعود الأمم وهبوطها وزوالها، وأن هذا يمكن أن يحدث لكل الشعوب إلا لهُم، لأنهم شعب الله المختار وأنهم أولياء الله وأصفياؤه، وينسون أن الله سبحانه هو العدل وهو الذي لا يحب الظالمين.
حتمًا ويقينًا كما تحدثت كتب السماء وكتب التاريخ عن أمم الظلم بلغة الماضي {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصبّ عليهم ربك سوط عذاب} آية 5- 13 سورة الفجر. يقينًا كما أصبح الحديث عن أولئك بلغة الماضي فزال ملكهم ونعب البوم في ديارهم، فإن هذا حتمًا ويقينًا سيكون مصير ظلمة آل سعود وبني إسرائيل المعاصرين، وأن البوم يومًا سينعب في خرائب ديارهم وإن غدًا لناظره قريب.
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالدي ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون



