محاكمات تونس.. هل توحد المعارضة أم تظهر أخرى جديدة؟

رأى سياسيان معارضان بتونس أن المعارضة في بلادهما بدأت تتوحد، مستشهدين بـ”مسيرة موحدة” احتجت على محاكمات يعتبرها المعارضون “سياسية” وتراها السلطات “جنائية”.
بينما اعتبر سياسي موالٍ للرئيس قيس سعيد أن الشعب رفض “المعارضة” الحالية، وتحدث عن إمكانية ظهور معارضة جديدة من قلب مسار 25 يوليو/ تموز 2021.
ومنذ ذلك اليوم تشهد تونس أزمة سياسية، فآنذاك بدأ الرئيس سعيد فرض إجراءات استثنائية شملت حل مجلس النواب، وإصدار تشريعات بأوامر رئاسية، وإقرار دستور جديد عبر استفتاء، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.
وتعتبر قوى تونسية هذه الإجراءات “انقلابا على الدستور وترسيخا لحكم فردي مطلق”، بينما تراها قوى أخرى “تصحيحا لمسار ثورة 2011″، التي أطاحت بالرئيس آنذاك زين العابدين بن علي (1987-2011).
فيما يقول سعيد إن إجراءاته هي “تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم”، مشددا على عدم المساس بالحريات والحقوق.
وللمرة الأولى منذ بدء تلك الإجراءات، شاركت قوى المعارضة يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول الجاري في “مسيرة وحدوية” بتونس العاصمة؛ احتجاجا على أحكام بسجن معارضين.
وفي المسيرة من ساحة باب الخضراء إلى شارع الحبيب بورقيبة، حملت اللافتة التي وقف وراءها الجميع شعارا واحدا هو “المعارضة ليست جريمة”.
وأصدرت محكمة الاستئناف بالعاصمة، في 28 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، أحكاما بالسجن بين 10 و45 عاما بحق مدانين بتهم بينها “التآمر على أمن الدولة”.
وتقول السلطات إن المتهمين حوكموا بتهم جنائية وإن القضاء مستقل وهي لا تتدخل في شؤونه، بينما نفت قوى معارضة صحة الاتهامات واعتبرت القضية ذات “طابع سياسي وتُستخدم لتصفية الخصوم السياسيين”.
ومن بين المدانين: رئيس جبهة الخلاص الوطني المعارضة أحمد نجيب الشابي، والقيادي بحركة النهضة نور الدين البحيري، ورئيس الديوان الرئاسي الأسبق رضا بلحاج، وأمين عام الحزب الجمهوري عصام الشابي، والوزير الأسبق غازي الشوّاشي.
تنسيق المعارضة
وبشأن إمكانية توحد المعارضة، قال عضو جبهة الخلاص الوطني رياض الشعيبي إن “القمع دفع هذه القوى للالتقاء في تحركات ميدانية”.
وتابع: “فالمعارضة اليوم كلها متحدة للدفاع عن مربعات الحرية والديمقراطية”.
واعتبر أن “التحركات الأخيرة، وخاصة مظاهرة 6 ديسمبر، كانت مرحلة مهمة جدا، في انتظار أن يتطور التنسيق الميداني إلى سياسي يبحث كيفية الخروج من الأزمة وإدارة المرحلة المقبلة”.
الشعيبي دعا المعارضة إلى “الجلوس مع بعضها، ومناقشة ملامح المرحلة القادمة، والشروط اللازمة لاستعادة الديمقراطية، وحماية وتحصين الديمقراطية”.
وعن جبهة الخلاص الوطني اعتبرها الشعيبي “العنوان السياسي الجامع لكل الأطراف التي تنشط داخلها، ومواقفها تصدر في إطار التنسيق فيما بينها، وبالتالي فإن حركة النهضة ليس لها موقف معزول أو مستقل”.
ودعا إلى “إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإيقاف كل الإجراءات القمعية التي تمارسها السلطة الآن، ولا تفرق فيها بين أي مكون سياسي وآخر”، وفقا لتعبيره.
و”توسع دائرة القمع هو سبب هذا الالتقاء بين أطياف المعارضة، وسبب هذا التطور السريع الحاصل في الساحة السياسية في الاتجاه الإيجابي”، بحسب الشعيبي.
وتابع أن “جبهة الخلاص الوطني ازدادت إصرارا على استكمال عملها وتوسعها لبعض الأطراف التي ربما تلتحق بها”.
ورأى أن “الحوار يذهب (حاليا) في اتجاه الاتفاق على رؤية مشتركة لكيفية عودة المسار الديمقراطي”.
الشعيبي اتهم السلطة بأنها “أغلقت نهائيا نداء الحوار، ولم يعد أمامنا سوى الصمود والإصرار على تحرير مربعات العمل العام، واستعادة الحقوق الأساسية”.
ويشمل ذلك “حق التظاهر وحق التعبير، وطبعا إطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين، وهذا ما نتمنى أن يكون موضوع حوار تتطور إليه المعارضة”، كما أردف.
مصير مترابط
“مظاهرة 6 ديسمبر ظهرت كأول فعالية جماهيرية كبرى تجمع مختلف ألوان الطيف المعارض بشكل معلن وواسع”.. هكذا بدأ متحدث الحزب الجمهوري وسام الصغير.
وتابع أن هذه المظاهرة “لم تأت من فراغ، فقد سبقتها تحركات مشتركة بدرجات متفاوتة من التنسيق”.
واستدرك: “لكن ما ميّز 6 ديسمبر هو أنها شكّلت نقطة انعطاف: محطة معلنة وواضحة تعبّر عن إرادة تنسيق فعلية بين المكونات المختلفة”.
كما أنها “إشارة إلى بداية مسار يمكن البناء عليه لتقريب المسافات وتوحيد الجهود في مواجهة الوضع السياسي الراهن”، بحسب الصغير.
وتحدث عن “ما يمكن استخلاصه بوضوح بعد أربع سنوات” مما اعتبره “حكما فرديا قام على تجريف الحياة السياسية وتجفيف كل الوسائط المجتمعية”، على حد قوله.
ورأى أنه “تبيّن للجميع أن الاستهداف لم يكن موجها لأطراف بعينها، بل شمل كل مَن يعارض أو ينتقد، مهما كان موقعه أو حجمه”.
واعتبر أن “هذا الإدراك المتأخر نسبيا جعل قوى المعارضة تقتنع بأن الدفاع عن السياسة والدولة والحقوق والحريات لا يمكن أن يتم إلا بشكل جماعي، وأن مصيرها أصبح مترابطا مهما اختلفت خلفياتها”.
وحول تأخر تقارب المعارضة، قال الصغير: “التأخر مفهوم إذا وضعناه في سياقه، فالاختلافات السياسية العميقة التي كانت قائمة قبل 25 جويلية (يوليو 2021) لعبت دورا مركزيا في تأجيل أي تقارب”.
وزاد بأنه “كانت هناك جراح مفتوحة، وتوترات تراكمت على امتداد سنوات، وعلاقات منعدمة الثقة”.
“لكن مع مرور الوقت واتساع دائرة الاستهداف، بدأ الوعي ينضج بأن هذه الخلافات، مهما كانت مشروعة، لا يجب أن تتقدم على ضرورة حماية الدولة والمجتمع والحقوق الأساسية”، كما استدرك الصغير.
كسر حاجزين
وبحسب الأكاديمي سفيان العلوي فإن “مظاهرة 6 ديسمبر كسرت حاجزين: حاجز الخوف من اختبار الشارع أمام المجتمع السياسي الحزبي، وأظهرت قدرة على التعبئة رغم التوقف شبه الكلي للهياكل الحزبية”.
والحاجز الثاني، كما أضاف العلوي “هو حاجز الالتقاء ورفع الفيتو عن مشاركة القوى المحافظة السياسية و(حركة) النهضة تحديدا في تحركات ميدانية، والإقرار الضمني بوزنها في تحريك الشارع”.
واعتبر أن ما حدث هو “تقارب حذر ورسائل في اتجاهات عدة تختبر ردود الأفعال في الداخل والخارج، لكنه تقارب قابل جدا للانتكاس في غياب الثقة وحضور السرديات القديمة والفزاعات”.
وحول إذا ما كان الجميع قد استشعر الخطر، قال العلوي: “نعم استهداف كل الأجسام الوسيطة صار رسالة غير مشفرة والجميع معني ولو بعد حين”.
واستدرك: “لكن هناك مَن يرى فيه (الخطر) مكاسب و(فرصة لـ) تعديل موازين قوة جديد يُبنى عليه حتى ولو تجاوزنا منطق الإقصاء وسلمنا بالالتقاء”.
العلوي عزا تأخر التقاء المعارضة إلى “تعارض القراءات للمرحلة، وغياب الثقة، ولكل حججه وسرديته”.
“يبدو أن الحرج الحقوقي هو المحرك الأساسي لحراك الشارع الجديد، أو لعله إقرار بأن الأولوية الآن حقوقية قبل أن تكون هي استعادة الديمقراطية”، كما تابع.
معارضة جديدة
أما أمين عام حزب المسار (موالٍ للرئيس سعيد) محمود بن مبروك فقال إن “المعارضة التي تُنظِّر لهذه الوحدة تجاوزتها الأحداث، باعتبار أن الشعب التونسي رفضها”.
وأضاف ابن مبروك أن “مظاهرة 17 ديسمبر تؤكد أن الشعب التونسي رفضها وتجاوزها”، في إشارة إلى المعارضة.
وفي ذلك اليوم تظاهر نحو 4 آلاف من أنصار سعيد في العاصمة، تعبيرا عن مساندتهم لسياساته ورفضهم لـ”التدخل الأجنبي” في شؤون تونس.
وبحسب ابن مبروك فإن “الحديث ممكن عن معارضة جديدة تخرج من قلب المسار (مسار 25 يوليو 2021) تساهم في إيجاد حلول للبلاد، وليست معارضة للمسار ذاته”.
ووصف التقاء المعارضة بأنها “وحدة ضعيفة من أطراف منبوذة استنفدت كل طاقتها قبل 25 يوليو 2021، ولم تعد لها شعبية ولا قواعد ولا هياكل”.
و”الآن ليس لهم وزن سياسي يُقلق، رغم إعانة بعض الجهات الخارجية ( لم يسميها) لهم”، كما ختم ابن مبروك.
المصدر: الأناضول



