“المدينة”.. 35 عاما من الالتزام المهني والوطني والديني

الاعلامي أحمد حازم
في العام 1991، ظهرت مولودة جديدة في منطقة المثلث وبالتحديد في أم الفحم، تحمل اسم “المدينة” الصحيفة الملتزمة التي لا تزال منذ نشأتها حتى اليوم تدافع عن مجتمعها الفلسطيني وتنقل همومه، وهموم شعبنا عموما والأمة العربية والإسلامية. هذا يعني أنَّ صحيفة “المدينة” التي تطفئ هذه الأيام شمعتها الخامسة والثلاثين قد تعاقب على قراءتها جيلان: جيل مضى وجيل اقترب أن يكتمل.
“المدينة” التي أتشرف في كتابة تحليل أسبوعي فيها منذ سنوات عديدة، هي مرآة للمهنية والوطنية، ونموذج يقتدى به من الالتزام الفكري والديني إضافة إلى التوجه الإعلامي الصحيح.
وفي ظل انتشار الصحافة الالكترونية واهتمام القراء بها، وتراجع قوة الصحافة الورقية في مجتمعنا، بقيت “المدينة” كصحيفة ورقية ملاذًا آمنًا يعيد للمجتمع قيمة القراءة العميقة، انطلاقًا من أنَّ “الصحافة المطبوعة ليست مجرد أوراق تتناقلها الأيدي، بل هي ذاكرة أمة، وأداة لتشكيل الوعي، ومنبر لترسيخ الانتماء الوطني، وتعزيز الفكر والثقافة بين القراء”.
وبالرغم من الانتشار الكبير للمواقع الإخبارية الإلكترونية في مجتمعنا العربي، لكن هذا الانتشار لم يؤثر بشكل كبير على الصحافة الورقية. الدراسات تؤكد أنّ الصحف الورقية ما تزال تحظى بنسبة ثقة أعلى من وسائل التواصل الاجتماعي بأكثر من 30%، وهو ما يجعلها صمام أمان في زمن تنتشر فيه الأخبار الزائفة بسرعة مخيفة.
ولو ألقينا نظرة على تاريخ الصحافة الورقية العربية، لوجدنا أن ما قاله روادها يتماشى في عصرنا هذا مع مبادئ صحيفة المدينة.
يقول سليم عقاد محرر جريدة “لأحوال” اللبنانية: “الصحافة مرآة تنعكس فيها آداب كتَّابها ومبادئهم، وكل إناء بما فيه ينضح”. كلام سليم. مقالات وتحليلات كتاب “المدينة” تعكس بالفعل الأسلوب الراقي في المهنية والالتزام مما يدلّ على النهج الصحيح للصحيفة. النهج الإعلامي الاجتماعي والسياسي الذي تسير عليه “المدينة” يؤكد ما قالته لبيبة هاشم صاحبة مجلة “فتاة الشرق” بالقاهرة: “الجرائد أعظم مهذِّب للأمة، وأفضل مقياس لدرجة ارتقائها؛ فهي المدرسة الثانية التي يوكل إليها تنوير الأذهان وإصلاح الأخلاق والآداب”.
عندما دخلتُ عالم الصحافة، قال لي نقيب محرري الصحافة اللبنانية ملحم كرم يرشدني ناصحًا: “التزم الصدق والمهنية في عملك الصحفي لتصبح صحفيًا ناجحًا”. وبالفعل عملتُ بتوجيهاته ولولا ذلك لما وصلت الى المستوى الذي وصلت إليه في عالم الإعلام.
ولو طُلب مني تعريف “المدينة” إعلاميا لقلت بصوت عال وبدون تردد: إنها صحيفة الالتزام المهني التي تساهم في تعزيز المناعة الفكرية للمجتمع وتخلق بيئة فكرية آمنة وتقدم مقالات تحليلية عالية المستوى والعمق حول قضايا الهوية والدين والسياسة.
خمسة وثلاثون عاما مضت على صحيفة “المدينة” في خدمة المجتمع العربي في كل المجالات وبدون توقف مما يبرهن على الارتباط الوثيق بين الصحيفة وقرائها.
منذ انطلاقها أظهرت “المدينة” احترامها لعقلية القارئ وشرف المهنة، ولذلك لا تزال تتمتع بقوة في الوسطين الشعبي والإعلامي، وهي بذلك تطبق رأي الأب لويس شيخو صاحب مجلة “المشرق” في بيروت في الصحافة الورقية: “إنّها لشريفة مهنة الصحافة ورتبة الكتابة في الهيئة الاجتماعية؛ إذ يجرد الكاتب قلمه لخدمة كل مشروعٍ صالح وكل مسعًى حميد من شأنه ترقية الخير العام ورفع شأن الوطن”. وهذا ما تفعله “المدينة”.
الصحافة الملتزمة لا تموت. والصحافة التي تبني لها أساسًا متينًا تبقى خالدة في المجتمع. يقول الرئيس الأمريكي الأسبق روزفلت: “إنّ الواجبات الأولية في الصحافة هي أن تكون حاصلَة على ثقة الشعب بمجرد القدوة الصالحة في الأعمال والأقوال”. وصحيفة “المدينة” تتمتع بهذه الصفات بممارساتها الصحفية.
مبارك لصحيفة “المدينة” عيدها، وألف مبارك لكل العاملين فيها.



