أخبار وتقاريرمقالاتومضات

هدفان لحرب إسرائيل على إيران: النووي ومنع عقد مؤتمر دولي حول حل الدولتين

الإعلامي أحمد حازم

عندما قام الخميني بـ”ثورته؟!” في خريف عام 1979 وأسقط نظام الشاه، القوة الأكبر في المنطقة آنذاك وأقوى حليف لأمريكا وإسرائيل، اعتقد البعض أن كل شيء سيسير بـ”سمن وعسل” بين بلاد فارس والعرب.

لكن في واقع الأمر، لم يحصل هذا. فقد رفض الخميني التحدث باللغة العربية أمام الراحل ياسر عرفات، عندما ترأس وفدًا لتهنئته بالثورة، رغم إتقانه اللغة العربية نطقًا وكتابة. ولا ننسى كذلك مساعدة إيران لأمريكا في ضرب واحتلال العراق، بحسب اعتراف وزير الإعلام الإيراني في تلك الفترة.

واليوم، يخرج علينا الرجل الأول في إيران، علي خامنئي، ليخبرنا بأنه ضد حل الدولتين، وهو في هذا الموقف يلتقي مع إسرائيل في رفضها لهذا الحل، الذي تؤيده غالبية دول العالم. ولكن، ما الذي تريده إيران من رفضها لحل الدولتين؟

البيان الختامي الصادر مطلع الشهر الجاري عن اجتماع قادة مجموعة “بريكس” — وهي منظمة اقتصادية دولية مؤلفة من تسع دول (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب إفريقيا، إيران، مصر، إثيوبيا، الإمارات العربية المتحدة، وإندونيسيا) — تطرّق في أحد بنوده إلى حل الدولتين، لكن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، تحفّظ على هذا البند. لماذا؟ لنستمع إلى ما قاله عراقجي ضد حل الدولتين:

“إن دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل، لن تكون أكثر من بلدية؛ دولة بلا حدود، وبلا سلطة، وبلا إرادة أو سيادة ملزمة لأي حكومة ذات سيادة. كونوا واقعيين”.

وماذا تريد إيران كبديل لحل الدولتين؟

هنا يعود بنا خامنئي إلى عهد الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، الذي قدم اقتراحًا لم يأخذه العالم على محمل الجد، وهو إنشاء دولة باسم “إسراطين” كبديل عن إسرائيل وفلسطين، مما أثار استهزاء العالم. فهل يعقل أن يستغني العالم عن “دولة اليهود” إسرائيل؟

إيران، بحسب عراقجي، تقترح “إقامة دولة واحدة ديمقراطية، يعيش فيها سكان فلسطين الأصليون، من يهود ومسلمين ومسيحيين، بسلام. وهذا هو السبيل لضمان العدالة؛ فبدون العدالة، لن تُحلّ القضية الفلسطينية. وبدون حلّ القضية الفلسطينية، لن تُحلّ مشاكل المنطقة الأخرى”.

هذا الموقف ليس بجديد على إيران، بل هو تأكيد لموقف قديم، ردّده قادة إيرانيون سابقون مثل الخميني، وعلي أكبر هاشمي رفسنجاني، وانتهاءً بخامنئي. وهذا الطرح الإيراني، الجديد القديم، يتناغم مع فكرة “إسراطين” للرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي. والسؤال الذي يطرح نفسه: ما السبب وراء قناعة إيران بواقعية طرحها، في الوقت الذي تنظر فيه إلى حل الدولتين المقبول عالميًا بأنه غير واقعي؟

وبما أن الشيء بالشيء يُذكر، والحديث يدور عن الدولة الفلسطينية، فلا بد من الإشارة إلى نقطة في غاية الأهمية قد تكون غابت عن ذهن كثيرين، وهي اختيار إسرائيل يوم الثالث عشر من شهر يونيو/حزيران لشنّ حرب على إيران. هذا التاريخ له علاقة أيضًا بالدولة الفلسطينية. كيف؟

فرنسا والسعودية اتفقتا على عقد مؤتمر دولي حول القضية الفلسطينية، بناءً على قرار من الأمم المتحدة، بهدف الدفع نحو حلّ الدولتين، وتم تحديد موعد هذا المؤتمر من 17 إلى 20 من الشهر الماضي. لكن نتنياهو استبق المؤتمر وشنَّ حربه على إيران التي استمرت 12 يومًا، وبذلك استطاع نتنياهو نسف المؤتمر، الذي كان يُعد — لو انعقد — أقوى جهد دبلوماسي حتى اليوم لإقامة دولة فلسطينية، بدعم أوروبي غير مسبوق.

والاستنتاج من ذلك أن حرب نتنياهو على إيران كان لها هدفان: الهدف الظاهري هو القضاء على البرنامج النووي الإيراني، أما الهدف الآخر فكان ضرب المؤتمر من أجل تقويض حلّ الدولتين، علمًا بأن إيران أيضًا ضد هذا الحل.

من جهة أخرى، هل تساءلنا يومًا عن سبب “الهيصة” الإيرانية بالقضية الفلسطينية؟

حسب الدستور الإيراني، فإن هذا التوجه هو إنساني وأخلاقي تجاه المسلمين، وله شرعية دينية لدى إيران. لكن هذا الادعاء يتنافى مع الواقع الذي تمارسه إيران مع مسلمين آخرين.

فأين هذه المواقف الإنسانية والأخلاقية من مسلمي الأويغور في الصين، الذين لا تعترف بهم الحكومة الصينية، ويتعرضون لشتى أنواع التعذيب والقهر، ويفتقدون إلى أدنى مبادئ حقوق الإنسان، في وقت تقيم فيه إيران علاقات وثيقة مع الصين في كافة المجالات؟ وأين هذه الإنسانية والأخلاق الإيرانية تجاه الشيشان في روسيا، وغيرهم من الأقليات السنّية المسلمة في دول العالم؟

في الحقيقة، هناك سبب واضح (بالنسبة لي شخصيًا) حول توجّه إيران الخمينية نحو القضية الفلسطينية ودعمها لتنظيمات فلسطينية، وهو التنافس الإيراني – السعودي على زعامة العالم الإسلامي، خصوصًا وأن السعودية لم ترحب بقيام ثورة الخميني سنة 1979.

يبقى أن نقول إن إيران تصرّ على تسمية الخليج العربي بـ”الخليج الفارسي”. فقد أصدر الرئيس الإيراني السابق، أحمدي نجاد، قرارًا عام 2006 يقضي بتفريس كل جوانب الحياة في إيران.

كيف ذلك ومنطقة الأحواز عربية، تقع على شط العرب، وقد احتلها الفرس في العشرين من أبريل عام 1925 في عهد الشاه؟ تبلغ مساحتها 375,000 كم مربع، وعدد سكانها حوالي 12 مليون نسمة من العرب، رغم محاولات التفريس التي قامت بها الحكومات الإيرانية المتعاقبة.

في النهاية، لا بد من القول للعرب الذين يراهنون على إيران الفارسية، بأنهم يراهنون على سراب، ولا يمكن لفارسي أن يحب عربيًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى