مقالات

21/8 الحريق الكبير والمحرقة الكبرى، الكسوف العظيم والشروق الأعظم

الشيخ كمال خطيب

استوقفني ولفت انتباهي هذا الازدحام بالأحداث، تعجّ به مفكرة يوم الإثنين القريب يوم 21/8 فمنها ذكريات مضت وكانت، ومنها في علم الله سبحانه وتعالى ستقع وتكون. أما التي ستكون فإنها من صنع وتدبير القوي الجبار سبحانه وتعالى.

21/8/1969  الحريق الكبير

إنه ذلك اليوم الحزين الذي استيقظت فيه الأمة الإسلامية كلها على وهج نار، ليس أنه فقط يأكل ويلتهم منبر المسجد الأقصى المبارك في القدس الشريف، وإنما هو الذي يلفح وجوه كل العرب والمسلمين بل إنه يكوي شرف الأمة كلها ويترك في جسدها ندوبًا وحروقًا لا تزول أبدًا، حتى يتم تطهير المسجد الأقصى من دنس الاحتلال.

إنه المنبر الشهير الذي أمر القائد البطل نور الدين زنكي بصنعه، ليكون هديته للمسجد الأقصى يوم يحرره من أيدي الصليبيين. مات نور الدين قبل أن يكمل المهمة، لكن البطل الفذ صلاح الدين الأيوبي أكمل المشوار وحفظ الوصية وسار على الدرب، حتى كان العام 1187 م فيه انتصر على الصليبيين ودخل القدس ونصب المنبر في المسجد الأقصى هدية وفرحًا بيوم فتحه وخلاصه، ووفاء لعهد نور الدين ووالده عماد الدين زنكي اللذين سبقوه في مشوار التحرير.

وفي حالة غفلة من الأمة، بل ولأن نواطير الأمة كانوا نيامًا، بل كانوا سكارى مذهولين من آثار صدمة هزيمة الخامس من حزيران 5/6/1967 واحتلال القدس وسيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، حيث كانت فضيحة المشروع القومي العربي وكشف زيف أدعياء البطولة من قادته.

وبعد عامين من هذه الهزيمة، يتسلل المجرم اليهودي الأسترالي دينيس روهان ليشعل النار في المسجد الأقصى المبارك، وليتقدم في كل المسجد ليصل إلى المنبر فيشعل النار فيه، مما يؤكد أنّ المجرم ومن أرسلوه ما أرادوا أن يحرقوا خشبًا ولا سجادًا، وإنما أرادوا أن يحرقوا تاريخًا، وأن يطووا صفحة مجدٍ، وأن يحيلوا أنوار وبريق انتصارات لم يسجل التاريخ لها مثيلًا إلى رماد وركام أسود.

لقد مرغت غولدا مئير رئيسة وزراء إسرائيل يومها أنوفهم في التراب، بل إنها لطّخت شواربهم بحذائها يوم أصبحت رئيسة لوزراء إسرائيل مطلع العام 1969، وهي تقف عند رأس محمد في أقصى جنوب سيناء، وتنظر إلى بلاد الحجاز وتقول( إني أشمّ رائحة أجدادي في خيبر)، ولكن وفي ليلة حريق المسجد ولأنها تعلم مكانة المسجد الأقصى وقيمته الدينية والمعنوية، فإنها خشيت أن يكون الحريق هو الشرارة التي توقظ بقايا نخوة، وتحرك مخلفات رجولة ليكون الانتقام من حريق المسجد ومن هزيمة حزيران فتقول تلك العجوز غولدا مئير( كانت تلك الليلة أصعب ليلة في حياتي فلم يغمض لي فيها جفن، فلما أصبح الصباح ولم أسمع إلّا بيانات شجب واستنكار اطمأن قلبي وهدأ روعي).

وما يزال حريق المسجد الأقصى مشتعلًا من يومها إلى اليوم، وما يزال المسجد الأقصى بانتظار فارس بطل جديد يطفئ لهيب نار الحقد والاحتلال ويهدي للمسجد الأقصى منبرًا جديدًا في يوم تحريره.

 21/8/2013  المحرقة الكبرى

وما يزال لهيب محرقة رابعة في القاهرة يلفح وجوهنا، وما تزال رائحة شواء الأجساد الطاهرة التي أحرقتها الأيدي الآثمة في بيت الله يزكم الأنوف يوم 14/8/2013. وبعد أسبوع واحد فقط وفي يوم 21/8/2013 وإذا بمحرقة جديدة، وإذا بموت جماعي ومن نوع آخر يقع، ولكن هذه المرة ليس في القاهرة وإنما في دمشق، وليس حصد الأرواح بالرصاص والسلاح الناري وإنما بالغاز والسلاح الكيماوي أطلقته قوات الشبيح بشار الأسد على أهل غوطة دمشق، فقتلت منهم قريبًا من 360 من الأطفال والنساء والرجال.

لأنهم أهل القاهرة ومصر أرادوا الحرية واسترداد الشرعية التي اغتصبها الانقلابيون، ولأنهم ظنوا أن ثورة 25/يناير يمكن أن تكون طوت صفحة مشروع العار، المشروع القومي الذي ضيّع سيناء والقدس والأقصى، فكانت مجزرة رابعة. ولأنهم أهل دمشق أرادوا الحرية واسترداد الشرعية اغتصبتها طائفة بل عائلة وحولت سوريا إلى مزرعة خاصة بهم، لقد ظنّ السوريون أنّ بثورتهم في 17/آذار /2011 يمكن أن تكون طوت صفحة مشروع العار، المشروع القومي الذي أضاع الجولان والأقصى يوم كان الرجل الأقوى في سوريا هو وزير الدفاع ليس إلا حافظ الأسد والد بشار. نعم إنه جمال عبد الناصر في مصر وإنه حافظ الأسد في سوريا من مرغت غولدا مئير ولطخت شواربهم بالعار والشنار.

لقد ملأ حافظ الأسد ومن بعده ابنه بشار الدنيا جعجعة بأنه يعدّ العدة لاسترداد الجولان، فهيأ لذلك الطائرات والأسلحة بكافة أنواعها ومنها الكيماوي لردع إسرائيل النووية، لكن إسرائيل وجيشها ومواطنيها ظلوا وما يزالون في مأمن من أن يطالهم أذى من هذه الأسلحة، بينما كان الشعب السوري وهو من دفع ثمن هذه الأسلحة لشرائها، وهو من دفع أرواح أبنائه وهو يتلظى بنارها ودمارها.

أطفال ونساء وشيوخ تضيق عليهم سوريا، بل تضيق عليهم الغوطة ببساتينها وهوائها العليل بنفس يتنفسونه،لأن الغازات الكيماوية البشارية الطائفية البعثية قد خنقتهم وحوّلتهم إلى جثث هامدة.

لم يشف بشار الكيماوي غليله بجريمة غوطة دمشق فكانت مجزرة خان شيخون، ولكنه بشار الذي ومن اليوم الأول قالت إسرائيل أن مصلحتها في بقائه لأنه خير من يحفظ وصية والده ببقاء الجولان هادئه لا تطلق منها رصاصة واحدة تجاه إسرائيل، وهكذا هي إرادة روسيا وأمريكا وكل قوى الشر العالمية، لأن الموقف بالنسبة لهم أنه فلتذهب رابعة وشهداؤها إلى الجحيم وليبق السيسي، ولتذهب غوطة دمشق وأهلها إلى الجحيم وليبق بشار، ولتذهب كل مصر وكل سوريا وكل العرب والمسلمين إلى الجحيم ولتبق إسرائيل!!.

21/8/2017  الكسوف العظيم

وفق علماء الفلك والمتخصصين في علوم الفضاء ورصدها، وهذا يعتبر علمًا وله قواعده وأسسه وهو ليس تخريصًا ولا تنبؤات، فإن يوم الإثنين القريب 21/8/2017 يشهد حدوث كسوف كُلّي للشمس، هذا الكسوف سيحوّل نهار كثير من المناطق في العالم إلى ليل مدة ساعة ونص ولكن تأثيره الأكبر سيكون على الولايات المتحدة الأمريكية حيث أن شروق الشمس فيها يكون مظلمًا معتمًا، وأن القمر يومها يسمى القمر الأسود لتأثيره على الشمس وحجبها عن الأرض وتحويله نور الشمس وضياءها إلى عتمة وسواد، ولذلك فقد أطلقوا عليه الكسوف.

لن أذهب إلى ما قاله عالم الفلك الأمريكي ديفيد ميد المتخصص في الجمع بين نصوص الكتاب المقدس الأمريكي الكبير والظواهر الكونية والذي نقلت عنه صحيفتا الديلي ميل والاندبندت من أن هذا الكسوف الكبير سيكون نذير شؤم وتحدث عن نبوءات وأهوال كثيرة لن أذكرها لأنها من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه، والفارق كبير بين الدراسات العلمية وبين النبوءات.

ولن أذهب كذلك إلى ما راح كثيرون يتداولونه هذه الأيام من المسلمين عن علاقة هذا الكسوف الكبير بظهور الإمام المهدي وعن الروايات التي وردت عن كسوف لم يسبق له مثيل وعن ظلمة في السماء تسبق هذا الظهور، وأترك هذا الأمر لأصحاب الشأن ثم للايام تبدي لنا حقيقة هذه الأقوال والتفسيرات أو عكس ذلك.

ولكن الذي أذهب إليه ودون علاقة بين تزامن هذا الكسوف الأكبر مع حريق الأقصى الكبير، ولا مع محرقة الغوطة الكبرى حيث أن الخسوف والكسوف آيتان من آيات الله لا يكونان لموت أحد أو حياته كما بيّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه يوم مات ابنه إبراهيم ويومها وقع كسوف للشمس، فقال بعض الصحابة أن الشمس كُسفت حزنًا لموت إبراهيم، فنفى النبي صلى الله عليه وسلم لما ذلك.

وإنما لا بد من التأكيد على أن كسوف الشمس مهما طال واشتدت العتمة فحتمًا ولا بد أن تعود الشمس إلى سابق اشراقها وستزول العتمة، وتشرق الدنيا من جديد، تتلألأ أنوارها ويعم ضياؤها.

إن الطيور إذا كسفت الشمس وجاءت العتمة، فإنها بفطرتها تأوي إلى الأعشاش لكنها لا تنام، لأنها تفرق بين عتمة المساء والليل، و عتمة الكسوف ثم لا تلبث بعد انقشاع العتمة أن تغادر أعشاشها تزقزق وتطرب السامعين بجمال صوتها.

إن ما يقع على الأمة الإسلامية الآن من ظلم وقهر وظلام فإنه ليس نومًا ولا يقظة بعده، ولا هو موت ولا حياة بعده، وإنما هي حالة كسوف فيها غابت شمس الإسلام قليلا، لكنها حتمًا وقريبًا ستعود إلى اشراقها وضياءها.

الشروق الأعظم

يشاء الله سبحانه ويقدر أن يتزامن قريبًا من يوم 21/8 ولعل بعده بيوم واحد أو يومين 22-23/8 أن يهلّ هلال شهر ذي الحجة وتشرق شمس اليوم الأول من العشر الأيام الأولى منه. تلك الأيام المباركة العظيمة التي تحدث عنها القرآن الكريم بقوله سبحانه {واذكروا الله في أيام معدودات } آية 203 سورة البقرة. {ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات} آية 28 سورة الحج. {والفجر، وليال عشر}1+2 سورة الفجر. نعم سيهل علينا هلال ذي الحجة وتشرق أيامه العشرة الأولى.

إنها الأيام والليالي المباركة، منها يوم التروية ويوم عرفه ويوم النحر عنها قال النبي صلى الله عليه وسلم( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله تعالى من هذه الأيام “يعني العشر”، قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله، قال ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك في شيء).

كل عمل في هذه الأيام من الصلاة والصيام والصدقة وقراءة القرآن وكل أعمال البر والطاعة هو في ميزان الله أفضل من باقي الأيام حتى أن الصحابي الجليل مالك بن أنس رضي الله عنه كان يقول( الأيام العشر كل يوم بألف يوم، ويوم عرفة بعشرة آلاف يوم). كان سعيد بن جبير التابعي الجليل يحث فيها على القرآن والذكر والقيام والدعاء، فكان يقول:”لا تطفئوا سرجكم ليالي العشر”. أي لا تناموا كثيرا واستيقظوا للطاعات فيها.

العشر الأولى من ذي الحجة بها يختم المسلمون نهاية الأشهر المعلومات أشهر الحج{ الحج أشهر معلومات} وهي شوال، ذو القعدة وذو الحجة وذلك لعظيم شرفها، مكانتها فقد اقسم الله عز وجل بها وهو سبحانه لا يقسم إلا بعظيم{والفجر وليال عشر}. قال النبي صلى الله عليه وسلم :”ما من أيام أعظم عند الله تعالى ولا أحب إليه فيهن من هذه العشر فأكثروا فيهن من التهليل، التكبير والتحميد”. وقال كعب رضي الله عنه :”اختار الله الزمان فأحب الزمان إلى الله الأشهر الحرم، وأحب الأشهر الحرم إلى الله ذو الحجة، وأحب ذو الحجة إلى الله العشر الأول”.

ها نحن إذا بين يديّ ذكريات حزن وألم، وبين يديّ أمنيات وأمل، لا نبكي ولا نحزن على ما كان يأسًا وقنوطًا، ولكن نستمد العزم على أن نطوي تلك الصفحات ونفتح صفحات الأمل، البشر، التفاؤل واليقين.

ستطوى صفحات الأحزان بإذن الله، وتفتح صفحات الأفراح والليالي الملاح، لن يطول كسوف شمس إسلامنا، بل إنها ستشرق وتضيئ، تعم الدنيا كل الدنيا بأنوارها وبهائها.

اللهم أهل علينا هلال ذي الحجة باليمن والإيمان والسلامة والإسلام. اللهم اجعله هلال رشد وخير وفرح وفرج وفتح مبين ونصر وتمكين لامة محمد صلى الله عليه وسلم.

نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا.

رحم الله قارئا دعا لنفسه ولي ولوالدي بالمغفرة

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى