“الكذب ملح السياسة ” عند ايران وإسرائيل وأمريكا.. هل من منتصر وخاسر في الحرب؟

الإعلامي احمد حازم
يوجد قول شعبي في مجتمعنا: “الكذب ملح الرجال وعيب عللي بصدق”، وهو مثل شعبي شائع، يعني أن الكذب أحيانًا يكون ضروريًا ومقبولًا، خاصةً في المواقف التي تتطلب المكر والخداع، وأن من يصدّق كل ما يقال هو شخص ساذج. لكن في حقيقة الأمر، المفروض إن يكون الكذب ملح السياسيين (مع اعترافي بوجود حالات استثناء) وقد يكون الكذب أداة يستخدمها الساسة في بعض المواقف، مثل خداع الأعداء أو التملص من المواقف الصعبة.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد من الإشارة الى وجود مرادفات للكذب أو بالأحرى لكلمة كذب، مثل: اتهام الاخر بعدم قول الحقيقة يعني اتهامه بالكذب لكن بمصطلح آخر. الشك في مصداقية الآخر هو اتهامه بالكذب بطريقة غير مباشرة، أي بمصطلح آخر.
الطبعة الألمانية “ALLES SCHALL” أجرت في العام 2015 استفتاءً غير مألوف في أربعين دولة بعنوان “الكذاب الرئيسي لهذا العام”، كشف عن أكثر السياسيين كذبا، حيث اختار المشاركون الكذابين الأوائل بين قائمة العشرات من السياسيين والزعماء في العالم.
وقد فازت وقتها المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل باللقب الأول تلاها الرئيس الأمريكي باراك أوباما. ومن الطبيعي أن يحظى نتنياهو بمركز مرموق في هذا الاستفتاء الذي احتل فيه المركز الرابع. كان ذلك قبل عشر سنوات، والآن تغيرت الصورة. الكذابة الأولى في السياسة ميركل تقاعدت، ونتنياهو حامل اللقب لا يزال في هذه السياسة وانضم اليه علي خامنئي وترامب.
دعونا نلقي نظرة على أقوال خامنئي ونتنياهو وترامب فيما يتعلق بنتائج الحرب على إيران لنكشف كذبهم:
الزعيم الإيراني علي خامنئي، الذي أنقذه ترامب من القتل (حسب قوله)، هنأ الشعب الايراني بالانتصار في كلمته المتلفزة والتي قال فيها أيضًا: “إن الكيان الصهيوني، بكل ما كان لديه من ضجيج، وبكل ما حمله من ادعاءات، سُحق تقريبًا تحت ضربات الجمهورية الإسلامية، وسقط منهارًا ولم يكن يخطر بباله، ولا حتى في مخيلته، أن يتلقى مثل هذه الضربات من الجمهورية الإسلامية، لكن ذلك قد وقع ودخل النظام الأمريكي الحرب بشكل مباشر لإنقاذ الكيان الصهيوني، لكنه لم يحقق أي إنجاز يُذكر من هذه الحرب ولقد هاجموا مراكزنا النووية إلا أنهم لم يتمكنوا من إنجاز شيء مهم”. يعني بالنسبة لإيران فهي المنتصرة رغم ما منيت به من خسارات فادحة. وقد تكون لإيران حساباتها الخاصة في معادلة النصر والهزيمة.
خلال زيارته لمنشأة الشاباك في جنوب إسرائيل، قال نتنياهو ان “النصر” على إيران أزال تهديدين وجوديين، وفتح العديد من الفرص، أولها تحرير الأسرى. ولكن هل حقق نتنياهو النصر فعلًا وقضى على البرنامج النووي؟ محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان، شكك في تحليل له في العشرين من الشهر الماضي في نتائج الحرب على إيران.
ونقل بيرغمان عن “مسؤول رفيع جدا” في أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية قوله “لا توجد معلومات مؤكدة حول ما إذا تغير وضع البرنامج النووي جذريا الآن قياسا بالفترة التي سبقت الحرب وأن القول إننا نجحنا في إزالة التهديد ليس صحيحا وكذلك عديم المسؤولية”. وكونه تجاوز سلوكه وشكر الجميع بسخاء كهذا، فإن نتنياهو يربط الجميع كي يلتفوا حوله، وبعد أن أيدوا شن الحرب لا يمكنهم القول الآن عكس ما يقول.
رفائيل ميرون، الذي تولى حتى الفترة الأخيرة منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي والمسؤول عن موضوع إحباط البرنامج النووي الإيراني، قالها بكل وضوح: “على حد علمي، لا توجد معلومات مؤكدة حول ما إذا تمت إزالة التهديد النووي عن دولة إسرائيل”. المسؤول الأمني السابق ميرون كان في منتهى الصراحة عندما تساءل عما اذا نجحت الحرب في تحييد الوضع الخطير جدا الذي كنا فيه بقوله “برأيي، لا توجد بحوزتنا معلومات كافية من أجل إعطاء إجابة إيجابية على هذا السؤال”.
تعالوا نسمع ما يقوله ترامب: “إن مواقع ايران النووية تعرضت للتدمير ولا أعتقد أن إيران ستعود إلى برنامجها النووي قريبًا وإن المواقع الإيرانية المستهدفة لم يتم إخلاؤها قبل قصفها”. فهل ما يقوله ترامب صحيحًا؟ تقرير استخباري أولي أميركي سرّي (وحسب إذاعة مونتي كارلو) كشف أن الضربات الأميركية على إيران أعادت برنامج طهران النووي بضعة أشهر فقط إلى الوراء، ولم تدمّره كما قال الرئيس دونالد ترامب.
واستشهدت الإذاعة بوسائل إعلام أميركية نقلا عن أشخاص مطلّعين على تقرير وكالة استخبارات الدفاع، قولهم إن الضربات الامريكية لم تدمّر بالكامل أجهزة الطرد أو مخزون اليورانيوم المخصّب، وإنها أغلقت فقط مداخل بعض المنشآت من دون تدمير المباني المقامة تحت الأرض. نستنتج من ذلك أن ما قاله ترامب هو كذب.
وبناءً على كل هذه المعطيات، فإن ترامب ونتنياهو وخامنئي سيكونون الثلاثة الأوائل في الفوز بحمل لقب أكثر الكذابين في السياسة لو جرى استفتاء عالمي جديد.