أخبار وتقاريرمقالاتومضات

معركة الوعي (238) يدُ القدر وسُنّة الاستدراج

حامد اغبارية

(1)

لا… هذه ليست مجرّد وقاحة، وإن كانت كذلك!

ولا هي مجرّد عمى بصيرة، وإن كانت كذلك!

ولا هي مجرد شعور بالانتفاخ والانتفاش والهيمنة والسّطوة، وإن كانت كذلك!

ولا هي مجرد استخفاف، وإن كانت كذلك!

ولا هي مجرد استعلاء، وإن كانت كذلك..

ولا هي مسألة علوّ واستطالة على الخلق، وإن كانت كذلك..

إنها يدُ القدر المُتحرك بمشيئة ربانية.

وإنّها سُنّة الاستدراج التي يستدرج رب العزة سبحانه بها الطواغيت والمجرمين وأتباعهم ومُواليهم وداعميهم والمتواطئين معهم والخادمين لأهدافهم إلى دائرة العقاب الرباني، بأيدي عباد ربانيين، دون أن يشعر هؤلاء بشيء من هذا.

فهم يسيرون إلى عقوبتهم فرحين بما فتح الله عليهم من الدنيا، من أموال وبنين وقوة وهيمنة وسيطرة وعنفوان حتى يظنوا أنهم قد ملكوا الدنيا ورقاب العباد، وأن الشعوب قد دانت لهم ورضخت وهانت واستكانت، فرحين مسرورين بقوتهم وجاههم وسلطانهم، حتّى يقول قائلهم إن ربَّ الجنود معنا، فإذا هم يجدون أنفسهم أمام الحقيقة التي تفتح لهم بوابة هاوية ساحقة على مصراعيها: {فلما نَسُوا ما ذُكّروا به فتَحنا عليهم أبوابَ كلِّ شيء حتّى إذا فَرحوا بما أوتُوا أخذناهم بغتةً فإذا هم مُبلسون} [الأنعام: 44].

وإني أعرف شخصا فرح كثيرا جدا بما آتاه الله من أموال، على كثرة معاصيه وشدة فجوره، فقال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين، فسخر منهم ونسي ما ذُكّر به، فخسف الله به وبماله الأرض. وأعرف مجرما آتاه الله الملك والزينة والأموال في الدنيا، فأضل عن سبيل الله وحارب الأنبياء وكذب رسالتهم واستعبد الناس، فكان مصيره المحتوم الخزي والعار والهلاك. فهذه سُنّة ماضية إلى يوم القيامة، بلا استثناءات لشخص أو فئة أو جماعة أو شعب أو أمّة.

(2)

وإنّ مما يجري ويتجرع شعبنا مرارته في هذه الأيام، إنما هو ابتلاء للمؤمنين واستدراج للظلمة والطواغيت والفراعنة.

أما المؤمنون فنحن نرى كيف يحفرون حقيقة إيمانهم على الصخور الصماء، ويضربون للصبر والثبات من الأمثلة ما يفوق الخيال.

وأما الطواغيت فقد بلغوا من الوقاحة وعمى البصيرة والشعور بالانتفاخ والانتفاش والهيمنة والسطوة والاستخفاف والاستعلاء والعلو والاستطالة مبلغا دفعهم إلى أن يظنوا أن الأرض ومَن عليها أصبحت ملكا لهم، ما بين شرّير
داعمٍ ومُستَهدَفٍ مُستضعَف، إلى درجة وكأن قول الله تعالى يقرع أذنيك: {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} [الْحَجّ: 48].

(3)

ولقد قال قائلهم، وهو من كبار رؤوسهم: لن نتوقف حتى نُفرغ غزة من أهلها وحتى نفكّك سوريا…

وهذا الكلام ليس مجرد موقف لفئة أو لشخص، وإنما هو تعبير عن استراتيجية ذات أهداف بعيدة.

هل تستوعب معنى هذا الكلام؟

تفكيك سوريا؟

ولماذا تفكيك سوريا تحديدا؟

ذلك أن غزة من الشام، وأنّ سوريا قلب الشام، وأنّ للشام في الكتب (كل الكتب…) شأنا عظيما… جللا، مُرعبا.

إنه يعرف ويدرك هذا أكثر من كثير من المسلمين، لكنه لغبائه يظن أنه سيحُول دون قدر الله المحتوم.

إنها سُنّة الاستدراج…!

هل أقول لك إن سياسة الحمقى ستعجل الصدام بدلا من تأخيره؟

إنها يدر القدر التي تهيئ الأرض لأمر عظيم، علِمه من علمه وجهله من جهله.

لذلك لا تستغرب أن ترى الطيور السوداء تحلق فوق دمشق وتلقي بقاذوراتها فوقها. بل إياك أن تُفاجأ أن تسمع قائلهم غدا يقول: ولن نتوقف حتى نحجّم تركيا ونجتاح الأردن ونسترد مُلكنا الضائع في مصر من أيام يوسف بن يعقوب، وحتى ننتقم لخيبر…

(4)

منذ سقوط نظام الأسد وجّه حكام سوريا الجدد رسائل إلى العالم، بأن همّهم الآن هو بناء الدولة التي دمرها الطائفيون، وأن سوريا لا تريد مواجهة من أحد، بما في ذلك تل أبيب. لكن تل أبيب تصرّ على اللعب بالنار. واللعب بالنار أنواع، منه ما هو لعب صبيان، ومنه ما هو لعبٌ مع العنوان الخطأ، كأنْ تظن نفسك قد دانت لك الدنيا وأنك تستطيع أن تضرب يمينا وشمالا، تصفع هذا وتركل هذا وتسبّ هذا، وتأخذ مال هذا وتحتل أرض هذا، فلا يستطيع أحد أن يرد عليك إساءاتك القبيحة وأفعالك الشنيعة..

فلا يستغربنَّ أحدٌ أن يصلوا بوابات دمشق، بحجج وذرائع، أقلها وأسخفها حماية طائفة أو دعم أخرى. فالذرائع لا تنتهي والأكاذيب لا حدّ لها.

فليصِلوا البوابات والسّهول والمروج… فما شأننا نحن؟

إنما هي سُنّة الاستدراج..

وما هي إلا يدُ القدر..

فلا تبتئس بما كانوا يفعلون، ولا تبتئس بما كانوا يعملون..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى