أخبار وتقاريرمقالاتومضات

الرّهان على ترامب وعلى القمم العربية والإسلامية.. “يا طالب الدبس من النمس”

الإعلامي أحمد حازم

في العام 2000 وخلال اللقاء الشهير في منتجع كامب ديفيد والذي ضمَّ الرئيس الأمريكي بيل كلينتون مع رئيس الحكومة الإسرائيلية ايهود براك، والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قال كلينتون لعرفات: “إمضِ” أي “وقّع” لكن “أبو عمار” رفض التوقيع. فغضب كلينتون وقال بعصبية: “لا أحد هنا يقول لي (لا)”. فردَّ عرفات على الفور: “أنا أقول (لا).. وأدعوكم إلى حفل جنازتي غدًا”. واليوم يعيد التاريخ نفسه بعد خمسة وعشرين عاما. ترامب يريد من الأردن ومصر توقيعا ومشاركة في مؤامرة تهجير أهالي غزة إلى هاتين الدولتين فجاء الرد الرسمي والشعبي (لا).

منذ استلامه منصب الرئاسة، طلع علينا ترامب بتصريحات غريبة عجيبة. فقد تحدث عن ضم بنما وكندا، والاستيلاء على غرينلاند الدانمركية، وعن دولة فلسطينية في السعودية، واليوم يطلع علينا بصرعة جديدة أو بالأحرى بهذيان جديد وهو إدراج اسم المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان على قائمة العقوبات الخاصّة بمكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية.

هذا التصرف الترامبي ضد كريم خان هو عمل انتقامي منه لموقفه لجانب العدالة والحق الفلسطيني مما يعني بوضوح دعم ترامب لجرائم حرب وإبادة وجرائم ضدّ الإنسانية في قطاع غزة والضفّة الغربية ولبنان.

موقف ترامب من كريم خان وتصريحاته الأخيرة يعني بوضوح أن أميركا ليست وحدها فوق القانون الدولي، بل إسرائيل أيضًا وأن قادتها خارج المحاسبة والمساءلة وكلّ من تسوّل له نفسه مسّهم أو مسّها، يفرض عليه وعلى أفراد عائلته العقاب والانتقام الجماعي. الدول الـ 79 الأعضاء في المحكمة وصفوا قرار ترامب بأنه “يزيد من خطر الإفلات من العقاب على أخطر الجرائم، ويهدّد بتقويض سيادة القانون الدولي”. وكانت المحكمة قد تعهّدت توفير العدالة والأمل لملايين الضحايا الأبرياء للفظائع في جميع أنحاء العالم.

رئيس الوزراء الأسترالي السابق مالكولم تيرنبول، كان على خلاف شديد مع ترامب خلال ولايته الأولى، وقال عنه: “هو بلطجيّ متنمّر وشخصية تحبّ السيطرة، وأغلب السياسيين الذين يتعاملون معه يعتقدون بأنّ الطريقة المثلى للتعامل معه هي الخضوع له وإخباره ما يريد سماعه لكنّ ردّة فعله تكون المزيد من التنمّر وفرض إرادته”. هذا السياسي الأسترالي ينصح قادة العالم بعدم الخضوع له من أجل كسب احترامه، ويقول لهم ناصحًا: “قفوا في وجهه وارفضوا الخضوع للتنمّر”.

ولكن لماذا يتصرف ترامب بهذا الشكل؟ اسمعوا الحكاية من ألفها الى يائها. يقول الكاتب الإسرائيلي أورييل داسكال في مقال لـ بموقع “واللا” العبري: “إن كل شيء يقوم به ترامب من تصريحات يسير وفقًا لخطة وضعها ستيف بانون، مستشار ترامب السابق، الذي وصف استراتيجيته الإعلامية بأنها “إطلاق النار بأسرع معدل”، حيث قال: “نظرًا لأن وسائل الإعلام لا يمكنها التركيز إلا على شيء واحد، لذا علينا أن نغرقهم بسيلٍ من الأخبار المثيرة، وسيفقدون السيطرة على ما هو مهم حقًا.. بانج، بانج، بانج، ولن يتعافوا”. وهذا ما يفعله ترامب. فهو اليوم يوجه سهامه في آن واحد الى أماكن مختلفة في العالم في آسيا وأوروبا وأمريكا لإشغال المجتمع الأمريكي بهذه القضايا وإبعاده عن المشاكل الحقيقية التي تواجهها الإدارة الأمريكية داخليًا.

ليس غريبا أن يأتي تصريح ترامب ضد كريم خان بالتزامن مع مكالمة هاتفية أجراها مع صديقه الرئيس الروسي بوتين واستمرت لمدة تسعين دقيقة. والله أعلم ماذا خططوا وما الذي ينوون فعله، لأن هكذا مكالمة طويلة من المستحيل أن تكون “للطمأنة على متانة علاقتهما” كما قيل. واضح ان هذه المكالمة هي رسالة للعالم مفادها أن ترامب يقف الى جانب بوتين المطلوب للعدالة الدولية كما يقف الى جانب نتنياهو وكأني به يريد ان يفهم العالم أن بوتين ونتنياهو هم أصدقاؤه ومن هو ضدّهما فهو ضدّه.

الأمر الملفت للنظر ان تقارب ترامب/ بوتين لم يعجب الرئيس الروسي السابق ونائب رئيس مجلس الأمن القومي الحالي ديمتري ميدفيديف. فقد صرّح ميدفيديف بأنّ “انفتاح الرئيس ترامب على روسيا وتقاربه من الرئيس بوتين، قد يؤدي الى اغتياله لإنّ هذا التقارب يشكّل خروجًا على رغبة الدولة العميقة الأمريكية، وقد يواجه مصير الرئيس الأمريكي السابق جون كندي الذي جرى اغتياله في عام 1962 لارتكابه مثل هذه الخطايا”.

ما أشطر الدول العربية في الإسراع بعقد القمم وما أتعسهم في شحذ الهمم. فقد أخبرونا عن قمة عربية طارئة في القاهرة، ستعقدها جامعة الدول العربية من أجل التطورات في غزة وبعدها مباشرة يعقد وزراء خارجية دول منظمة “التعاون الإسلامي” مؤتمرًا لهم لنفس الموضوع. ان عقد المؤتمرات ليس مهما، بل الأهم ما يصدر عن هذه المؤتمرات فعلًا وليس كلاما، وللأسف لنا تجارب سيئة من هكذا مؤتمرات. مغفلون العرب الذين راهنوا على ترامب ومغفلون الذين يراهنوا على مؤتمرات القمم العربية والإسلامية فهؤلاء هم تماما مثل الذي “يطلب الدبس من النمس”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى