أحمد الشرع، ذكي حرَّر سوريا.. وبوتين غبي قتل شعبها

الإعلامي أحمد حازم
النظام في سوريا لم يعد نظام “الأسد إلى الأبد”، لأن هذا النظام ومنذ الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، طار إلى الأبد، وحلّ مكانه إدارة جديدة مؤقتة يقودها أحمد الشرع الرئيس السوري للمرحلة الانتقالية في سوريا. القاسم المشترك بين سوريا الجديدة وبين روسيا، أنّ الدولتين تحملان نفس الأحرف عربيا، لكنهما لا تسيران في نفس النهج سياسيًا، وهذا ما دفع بالرئيس الروسي بوتين إلى المسارعة في إرسال وفد رفيع المستوى إلى سوريا، يضم نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، ومبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرينتييف، وذلك لأول مرة منذ الإطاحة بنظام الأسد.
فماذا تريد روسيا بوتين من سوريا الشرع؟ الرئيس المؤقت لسوريا أحمد الشرع يُعرف عنه ذكاؤه الحاد، ولو لم يكن بهذه الصفة لما أطاح بنظام حَكَم سوريا بالحديد والنار لأكثر من نصف قرن، ويقال عنه إنه رجل دولة من الطراز الأول، موهوب ويقظ، يعرف ويعي ماذا يقول وماذا يفعل، وملم بأوضاع سوريا والظروف الإقليمية والمتغيرات العالمية، ويعتبر رجل المرحلة المتمرس والمؤهل لبناء وطنه، ولو لم يكن بهذه الصفات لما أصبح رئيسًا لسوريا.
خلال مكالمة هاتفية، أخبرني صحفي عربي مقيم في موسكو مقرب من دوائر بوتين، أن الرئيس الروسي أوصى موفديه بوغدانوف ولافرينتييف بالحذر من ذكاء أحمد الشرع والانتباه لكل كلمة يقولها، لأنَّ الشرع ليس بشار الأسد. بوتين حمّل مبعوثيه إلى سوريا مهمتين أساسيتين لتنفيذهما أو على الأقل لإيجاد مخرج لهما: أولهما دفع تعويض لروسيا، وثانيهما الاحتفاظ بقاعدة بحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية بالقرب من مدينة اللاذقية الساحلية.
ميخائيل بوغدانوف، طالب مضيفه بدفع مبلغ 40 مليار دولار ثمن اسلحة عسكرية روسية مختلفة تسلمتها سورية منذ سنوات. الشرع لم يتلعثم في الرد وقد فاجأ القادم من روسيا بجواب مقنع لم يكن يتوقعه، حيث أفهم بوغدلانوف أنَّ هذه الأسلحة تسلمها بشار الاسد ليقتل بها الشعب السوري وبشار في روسيا، وعلى روسيا استرداد ثمن السلاح الذي قتل به السوريين من بشار، وعلى روسيا أن تسدد للشعب السوري مبلغ 400 مليار دولار تعويضًا عن الدمار الذي سببته الصواريخ والطائرات والقذائف المدفعية التي تسلمها بشار ليقتل بها مواطني سوريا. ولم يتوقف الشرع عند هذا الحد فقط، بل أفهم ضيفيه الروسيين أنَّه على روسيا أيضًا وقبل كل شيء، دفع أموال الفوسفات السوري الذي تستغله روسيا منذ سنوات، وإيجار القواعد الروسية البحرية والجوية والبرية في سوريا. هذا هو أحمد الشرع.
وسائل الإعلام الروسية، تحدثت عن اللقاء وكأن كل شيء “حليب وعسل”، إذ قالت إن المحادثات التي جرت في دمشق مع نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، “ركّزت على دور روسيا في استعادة ثقة الشعب السوري من خلال إجراءات ملموسة”. لكن كيف يمكن للشعب السوري أن يثق بدولة عملت على قتله من خلال دعمها للمجرم بشار الأسد؟ وهل يعتقد بوتين صديق ترامب أن الشعب السوري ينسى بكل بساطة. و”يا دار ما دخلك شر”، فلو فكّر بوتين بهذا الشكل فهو في منتهى الغباء، لكن الشرع وحسب كل المؤشرات له بالمرصاد.
يوجد نقطة مهمة أخرى. في عام 2017، حصلت موسكو على عقود استئجار لمدة 49 عامًا لكل من قاعدتي طرطوس البحرية وحميميم الجوية. لكن تركيا التي ساندت الشرع في الإطاحة بالأسد وتُعد منافسًا لروسيا في سوريا والحليف الداعم الأساس للشرع، تعارض استمرار التواجد العسكري الروسي في سوريا. لكن حلّ هذا الأمر يعود للشرع، لأنه صاحب القرار الفصل في هذا الموضوع.
وأنا أتوافق مع الرأي القائل إنَّ أحمد الشرع الذي حرّر سوريا وأسقِط بشار الأسد خلال عدة أيام بسبب ذكائه، يمتلك لغتين على الصعيد الداخلي ولغتين على الصعيد الخارجي وهذه عبقرية سياسته: محليًا، يستخدم الشرع لغة التصالح والتواصل، لكن وفق قواعده، ولغة القوّة التي أصبح يمتلك الكثير منها. وخارجيا، يستعمل لغة الانفتاح وتطوير الخطاب، ولغة أخرى يستخدمها للحصول على ما يريد وتحقيق كلّ ما يسعى إليه.
أمّا الروسي بوتين وبسبب غبائه لم يستطع إسقاط الرئيس الاوكراني زيلينسكي بعد مضي سنتين على الحرب، ولا يمتلك لغة سياسية مقنعة بدليل فشله في أوكرانيا.