أخبار وتقاريرمقالاتومضات

ترامب الجاهل للتاريخ والفلسطيني الصانع للتاريخ

الإعلامي احمد حازم

في مداخلة هاتفية لرجل الأعمال المصري المعروف نجيب ساويرس، مع فضائية عربية، قال ساويرس: “إنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، هو شخص أهوج نوعًا ما، وليس مثقفًا، وتصرفاته عجيبة وغريبة”. لقد صدق ساويرس في قوله، ولكن بدون نوعًا ما.

يقول الفيلسوف الفرنسي الكبير ألان باديو: “إنَّ ترامب هو بقعة على وجه العالم السياسي المعاصر، وظاهرته لا تفسّر إلا بأنّها انعكاس للقبح في الوضع العالمي عمومًا”. أمّا البروفيسور الأمريكي جاسون برنان، فيرى أنَّ “ترامب هو أحد أعراض مرض عميق داخل عظام الديموقراطية نفسها”.

يوم الأربعاء الماضي، وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على أمر تنفيذي يتعلق بـ “مكافحة معاداة السامية”، يتيح ترحيل الطلاب الذين يشاركون في مظاهرات داعمة لفلسطين، وهو أمر يشبه الأمر الذي وقّعه عام 2019 مع إضافات استثنائية. وجاء في الأمر التنفيذي: “سنكافح معاداة السامية بقوة، وسنستخدم كل الأدوات القانونية المتاحة والمناسبة، ونحاسب مرتكبي الجرائم المناهضة للسامية والتحرش والعنف”. والهدف من هذا الأمر هو سياسي والمقصود به مكافحة المظاهرات ضد إسرائيل، لأن المظاهرات التي تحدث في العالم وحصوصا في الولايات المتحدة هي ضد الحرب التي تشنها إسرائيل على غزة وليس ضد الطلاب اليهود.

ترامب أظهر بالفعل جهله الكامل بالتاريخ: عندما يريد ترامب بحجة “مكافحة معاداة السامية”، اعتقال وترحيل الطلاب الذين يدعمون فلسطين في الولايات المتحدة ويشاركون في احتجاجات مختلفة في هذا الإطار، فهو لا يفهم معنى أو تفسير هذا الشعار.

اسمعوا ما يقوله التاريخ الذي -وعلى ما يبدو- لم يطلع عليه ترامب وحتى لو اطلع عليه لم يفهمه: الساميون هو مصطلح يصف أي مجموعة أثنية أو ثقافية أو عرقية، تتحدث باللغات السامية، ولقَد اصطلح المؤرخون أن يسموا الشعوب التي تتفاهم في هذا العصر بالعربية والعبرية والسريالية والحبشية والتي كانت تتفاهم بالفينيقية والآشورية والآرامية، شعوبًا سامية، نسبة إلى سام بن نوح، لأن هذه الأمم جاءت في التوراة وأنها من نسله وسموا لغتهم اللغات السامية. هكذا يقول التاريخ. يعني أن الفلسطينيين هم ساميون.

فكيف يمكن لرئيس عاقل ويفهم التاريخ أن يصدر أمرًا باعتقال فلسطينيين باعتبارهم معادين للسامية؟ منتهى الجهل ودليل آخر على أن ترامب هو فعلا بقعة قبح في هذا العالم كما ذكر الفيلسوف الفرنسي باديو.

نقطة سياسية أخرى. ترامب يطالب بترحيل فلسطينيي غزة. فقد أعلن عن خطة لـ “تطهير” غزة من أهلها، قائلًا إنه “يريد من مصر والأردن استقبال الفلسطينيين من القطاع في محاولة لإحلال السلام في الشرق الأوسط”.

يعني تهجير فلسطينيي غزة هو بنظر الجاهل ترامب من أجل سلام المنطقة، وكأن أهل غزة هم الذين يدمرون ويحتلون وليس إسرائيل. أهل قطاع غزة الذين تعرضوا للموت والدّمار 15 شهرًا متمسكين بالأرض، فكيف يمكن للغزيين قبول مشروع التهجير الترامبي بحجة إعادة الإعمار؟

وقد وصلت الوقاحة بالأمريكي ترامب في رده على سؤال حول إمكانية قبول مصر والأردن للفلسطينيين من غزة، قائلا بلهجة التهديد المبطن: “ستفعلان ذلك لقد قدمنا لهما الكثير، وسوف يقومان بذلك”. هذا التصريح يحمل نبرة الابتزاز السياسي وهو إشارة واضحة إلى الضغوط التي يمارسها ترامب على البلدين لقبول مقترح ترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة إليهما. لا ندري ماذا قدم ترامب لمصر والأردن، ولكننا ندري انهما ضد مشروعه التهجيري.

وبالرغم من معارضة العديد من الدول والهيئات والمنظمات الإقليمية والدولية والأممية التي أعربت عن مواقفها الرافضة لجميع أشكال التهجير القسري، إلا أن ترامب يصر على عملية التهجير، التي رحّب بها قادة اليمين المتطرف في إسرائيل ولا سيما الثلاثي (نتنياهو، بن غفير وسموتريتش). مصر أعلنت بوضوح رفضها لمشروع ترامب. فقد جاء في بيان للخارجية المصرية: انها ترفض “المساس بحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف، سواء من خلال الاستيطان أو ضم الأرض، أو عن طريق إخلاء تلك الأرض من أصحابها من خلال التهجير أو تشجيع نقل أو اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، سواء كان بشكل مؤقت أو طويل الأجل”.

وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي أكد أيضًا في مؤتمر صحفي أن “رفض الأردن للتهجير ثابت لا يتغير وضروري لتحقيق الاستقرار والسلام الذي نريده جميعا وأن حل القضية الفلسطينية في فلسطين، والأردن للأردنيين، وفلسطين للفلسطينيين “فهل يفهم ترامب ذلك؟ الأمم المتحدة نفسها وعلى لسان متحدثها ستيفان دوجاريك، اعتبرت مشروع ترامب نوعا من التطهير العرقي ورفضت تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة. غزة قالت كلمتها لا للترحيل. جواب نهائي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى