أسير فلسطيني محرر: إسرائيل تعذب الأسرى جسديا ونفسيا وتمنع المسكنات

“ولادة جديدة”، هكذا وصف الأسير الفلسطيني المحرر محمد مرتجى، المدير السابق لمكتب وكالة التعاون والتنسيق التركية “تيكا” بقطاع غزة، الخروج من السجون الإسرائيلية التي تحولت منذ 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2023 إلى “مقابر للأحياء”.
مرتجى (47 عاما) الذي اعتقلته إسرائيل في 12 فبراير/ شباط 2017 أثناء مغادرته غزة عبر معبر بيت حانون “إيرز” شمال القطاع، وحكم بالسجن لمدة 9 سنوات، يقول، إن “إسرائيل تعذب الأسرى ماديا ومعنويا وتمنع المسكنات الطبية والصلاة وقراءة القرآن”.
ويضيف أن “ظروف الأسرى الفلسطينيين داخل السجون قاسية للغاية حيث “المرض والجوع والتنكيل المستمر والعزلة عن العالم الخارجي”.
إلى جانب ذلك، فإن وحدات القمع الإسرائيلية داخل السجون تمتهن كرامة الأسير بإجباره على إصدار أصوات الحيوانات فضلا عن أساليب مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي، وفق مرتجي.
ويتابع: “أحد أشد أساليب التعذيب النفسي كانت خلال حرب الإبادة التي ارتكبتها إسرائيل على غزة، إذ كانت مصلحة السجون تُبلغ الأسرى أن عائلاتهم قُتلوا خلال القصف دون وجود أي وسيلة للتحقق من صحة الأنباء في ظل تعمد عزلهم عن العالم الخارجي بمنع لقاءاتهم مع المحامين وسحب أجهزة الراديو”.
هذه المحطات القاسية تبددها ضحكات طفلته “سارة” التي كانت في ربيعها الأول عندما اعتقل والدها، ولم تتح له فرصة اللقاء بها أو معرفة ملامحها على مدار أعوام اعتقاله الثمانية.
وبعيون تغمرها الدهشة والفرح، يتفحص مرتجى ملامح سارة وكأنه يحاول إعادة استرجاع ذكرياته المشوشة عنها، قبل أن يحتضنها بشوق الأب الذي حرم من ابنته طيلة تلك الفترة.
الحرية.. ولادة جديدة
يصف مرتجى الذي أفرج عنه السبت ضمن الدفعة الرابعة من صفقة تبادل الأسرى بين “حماس” وإسرائيل، لحظة الإفراج عنه بأنها “ولادة جديدة”.
ويقول إن الشعور لا يمكن وصفه بالكلمات حيث يحرم الإنسان من ضوء الشمس ومن رؤية عائلته وأطفاله لسنوات طويلة ثم يعود ليجد الحياة قد تغيرت، فهذه “ولادة”.
هذه الفرحة تبقى منقوصة لدى مرتجى الذي ترك خلفه آلاف الأسرى الذين ما زالوا يعانون من الظروف القاسية داخل السجون، ومنهم من مضى على اعتقاله 15 و20 و30 عامًا، ومنهم من حُكم بالمؤبد، ليبقى حلم الحرية بعيد المنال، وفق قوله.
وأفرجت إسرائيل السبت عن 183 فلسطينيا بينهم 18 محكوما بالمؤبد و54 من ذوي الأحكام العالية، و111 من غزة اعتقلوا بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مقابل تسليم 3 أسرى إسرائيليين في غزة.
السجون مقابر للأحياء
وعن السجون الإسرائيلية، يقول مرتجى إنها تحولت بعد عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى “مقابر للأحياء” حيث يعيش الأسرى بداخلها “كوابيسا مستمرة”.
وفي تفصيله لذلك يوضح: “داخل السجون الجوع والمرض والتنكيل المتواصل، إضافة إلى انقطاع الأسرى عن العالم الخارجي وعدم معرفة أوضاع عائلاتهم تحت القصف”.
إلى جانب ذلك فقد شددت إسرائيل من إجراءات الإهمال الطبي حيث منعت عن الأسرى المرضى بعضهم يعانون من السرطان والفشل الكلوي، المسكنات البسيطة، وفق قوله.
ويكمل قائلا: “أنا مصاب بارتفاع ضغط الدم والكولسترول، وكانوا يمنعون عني الدواء، وكان طبيب السجن يقول لنا: ما دمت تتنفس فلست بحاجة للعلاج”.
كما منعت إدارة السجون الإسرائيلية الأسرى من الصلاة وقراءة القرآن والتواصل مع العالم الخارجي، فضلا عن تعريضهم لحملات تضليل ممنهجة، وفق قوله.
ويردف: “وصل الأمر بإدارة سجون إسرائيل إلى تحطيم معنويات ونفسيات الأسرى، حيث كانوا يخبرونهم أن عائلاتهم قُتلت، وأن بيوتهم دُمرت بالكامل، بهدف تحطيمهم نفسيًا، ولم يكن هناك طريقة للتحقق من صحة هذه الأخبار”.
ويذكر مرتجى أن إسرائيل تعمدت اتباع سياسة التجويع بحق الأسرى وحرمانهم من الطعام، حيث فقد الأسرى عدة كيلو غرامات من أوزانهم فيما فقد بعضهم نحو 25 أو 40 كيلو جراما.
أساليب التعذيب
وعن أساليب التعذيب، يقول إنها بلغت مستوى غير مسبوق من الوحشية، مضيفا إن السجان الإسرائيلي يمتهن كرامة الأسرى الفلسطينيين ويجبرهم على إصدار أصوات الحيوانات.
ويضيف: “كنا مكبلين طوال الوقت، وكانوا يعتدون علينا جسديًا، بل وصل بهم الأمر لأن يجبرونا على العواء كالكلاب أو النهيق كالحمير، فقط لإذلالنا، وكانوا يضعون أقدامهم على أجسادنا”.
ويضيف: “الاحتلال لم يكتفِ بقتل الفلسطينيين في غزة، بل قتل الأسرى داخل السجون أيضًا، ونحن عاجزون عن فعل أي شيء”.
ويشير إلى “رفض السجان الإسرائيلي فك قيود أسرى ممن اعتقلوا أثناء الحرب منذ 6 أشهر، ما تسبب بجروح وتقرحات خطيرة، بل إن بعضهم تعرضوا لبتر أطرافهم نتيجة التعذيب الوحشي”.
الحرمان من الزيارة
من بين أكثر اللحظات ألما في رحلة الأسر، كان حرمان مرتجى من رؤية عائلته طوال سنوات اعتقاله.
ويقول بحزن شديد: “عائلتي لم يسمح لها بزيارتي طيلة 8 سنوات، إلا مرة واحدة، سمح الاحتلال لوالدتي وأحد أبنائي الثلاثة”.
ويضيف: “ابنتي سارة لم يُسمح لها بزيارتي، وعندما خرجت من الأسر وقفت عاجزًا عن التعرف عليها، لقد تغيرت وكبرت”.
اليوم، تتبع سارة حركات والدها المحرر، وكأنها تحاول تعويض ما فات من عمرها في لحظة واحدة، خشية أن تفقده مجددًا.
وفي محاولة منه لتجاوز واقع السجن القاسي، شرع مرتجى بتعليم اللغة التركية التي يتقنها للأسرى الراغبين بذلك.
وجع الدمار
لم يكد مرتجى يلتقط أنفاسه خارج السجن حتى صُدم بحجم الدمار الذي حل بقطاع غزة، جراء حرب الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل طوال 15 شهرا.
خرج يتفقد الحيّ الذي كان يسكنه، برفقة ابنته سارة وأحد أبنائه، لكنه لم يجد سوى أنقاض المنازل والركام الذي غطى الشوارع.
وقف في صمت محاولا استيعاب هول ما يراه، قبل أن يردد: “اللهم عوض أهل غزة خيرًا”.
وفي 19 يناير/ كانون الثاني المنصرم، بدأ سريان اتفاق لوقف إطلاق النار الذي يتضمن 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوما، ويتم خلال الأولى التفاوض لبدء الثانية والثالثة، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.
المصدر: الأناضول