اقتصاد منهك.. ما قدرة لبنان على مواجهة العدوان الإسرائيلي؟
“مقبلون على تغيير ميزان القوى في الشمال، وتنتظرنا أيام معقدة”، بهذه العبارة بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤتمره الصحفي، الإثنين، للإعلان عن توسيع العدوان على لبنان.
وبينما بدأت شريحة من سكان جنوب لبنان بالنزوح شمالا، مع تصاعد تهديدات إسرائيل لهم بإخلاء مناطقهم وعدم العودة حتى إشعار آخر، بدأت تطرح علامات استفهام حول قدرة اقتصاد لبنان على تحمل حرب جديدة.
ومنذ صباح الاثنين، يشن الجيش الإسرائيلي عدوانا هو “الأعنف والأوسع والأكثف” على لبنان منذ بدء المواجهات مع “حزب الله” قبل نحو عام.
وفي الوقت الذي يعاني فيه لبنان من أزمة اقتصادية منذ عام 2019 وقعت انتكاسة جديدة في الجنوب مع بداية الحرب على غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
في أبريل/نيسان الماضي، قال وزير الاقتصاد والتجارة أمين سلام، إن خسائر بلاده الاقتصادية جراء الحرب الجارية في غزة وجنوب لبنان وصلت إلى 10 مليارات دولار.
واقع صعب
وفي أغسطس/آب الماضي عجزت الحكومة اللبنانية عن توفير فاتورة توريد الوقود المخصص لتوليد الطاقة الكهربائية، قبل أن تسارع الجزائر لمد البلاد بشحنة لتوفير الطاقة.
إلا أن ما جرى من عدم قدرة الحكومة على شراء الوقود يقدم صورة أوضح لجاهزية الدولة فيما يتعلق بحالات الطوارئ، خاصة في حال فرضية اتساع نطاق الصراع مع إسرائيل ليشمل كل أنحاء البلاد.
وبالعودة إلى حرب عام 2006 بين إسرائيل و”حزب الله”، فقد نفذت تل أبيب هجمات جوية على غالبية المرافق الحيوية اللبنانية، في محاولة منها لزيادة كلفة الحرب على المواطنين، من خلال تدمير شبكات للطاقة ومرافق ملاحية.
اليوم، ما يزال لبنان غير قادر على إعادة بناء مرفأ بيروت بالكامل، الذي لحق به دمار شبه كلي بانفجار وقع عام 2020، وبالكاد تستطيع بقية المرافئ استقبال واردات.
بعبارة أخرى، فإن جاهزية البنى التحتية في حرب 2006 كانت أفضل مما هي عليه الآن، سواء في الجانب الملاحي أو شبكات توليد ونقل الكهرباء، أو حتى جاهزية المواطنين.
فمنذ 4 سنوات حتى اليوم يعاني اللبنانيون إحدى أسوأ الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية منذ قرن ونصف بحسب بيانات تعود للبنك الدولي.
العملة والأدوية والوقود
كذلك يدخل لبنان مرحلة جديدة من الصراع مع إسرائيل، في وقت تتراجع فيه العملة المحلية (الليرة) إلى متوسط 89 ألفا أمام الدولار الواحد، مقارنة مع 1500 ليرة قبل عدة سنوات.
هذا التدهور في سعر الصرف جعل البلاد من أكثر دول العالم ارتفاعا في نسب التضخم خلال السنوات الأربع الماضية، بنسبة تجاوزت 100 بالمئة سنويا، وفق بيانات البنك الدولي.
كما أن ودائع اللبنانيين تآكلت بفعل هبوط أسعار الصرف، وهو ما يعقد من قدرتهم على إدارة مصروفاتهم العائلية إن اتسع الصراع مع إسرائيل ليشمل عموم لبنان.
وقبل اتساع نطاق التوتر بين “حزب الله” وتل أبيب، كان القطاع الصحي في لبنان يعاني أزمة غير مسبوقة، وسط عجز الدولة عن توفير فاتورة واردات الأدوية بنسبة 100 بالمئة.
وفي حال استهدفت إسرائيل الموانئ والعابر الحدودية اللبنانية فإن الوضع سيؤول إلى الأسوأ، بسبب الخشية من تعرض قوافل الإمدادات الطبية والغذائية للقصف الإسرائيلي أيضا.
وفي 2023، أظهرت بيانات صادرة عن نقابة مستوردي الأدوية وأصحاب المستودعات في لبنان، أن كلفة واردات الأدوية بلغت 550 مليون دولار، وهو مبلغ صعب التدبير لأن الفاتورة مقومة بالعملة الأجنبية، وسط شح وفرتها لدى البنك المركزي “مصرف لبنان”.
أما الوقود، سواء المخصص للمركبات أو لتوليد الكهرباء، فإن وفرته في السوق المحلية متذبذبة من شهر لآخر بسبب عدم توفر النقد الأجنبي الكافي لتلبية قيمة فاتورة الواردات، ما أدى في أكثر من مناسبة لظهور سوق سوداء.
وحتى قبل الصراع الحالي، تعتمد غالبية الأسر والقطاعات الاقتصادية اللبنانية على المولدات الصغيرة لتوفير حاجتها من الوقود، لعجز شبكة الكهرباء الوطنية على توفير الطاقة 24 ساعة يوميا.
وفي أغسطس الماضي، قال وزير الاقتصاد أمين سلام إن “لبنان يحتوي على مخزون غذائي يكفيه لمدة ثلاثة أشهر فقط”، محذراً من تداعيات اندلاع حرب شاملة بين “حزب الله” وإسرائيل.
وأضاف في تصريحات صحفية حينها: “كلما طال أمد الحرب في الجنوب وتوسعت رقعتها، دخل الاقتصاد في المجهول، إذ إن الوضع الاقتصادي في لبنان منهك بالكامل، ولا سيما في ما يتعلق بالقطاع العام والمؤسسات الحكومية”.