أخبار رئيسيةأخبار رئيسية إضافيةأخبار عاجلةأخبار وتقاريرمحليات

مروّج أم معالج..دور الإعلام في محاربة العنف في الداخل الفلسطيني

ساهر غزاوي

للإعلام أدوار متعددة، فهو حاضر في كل مناحي المجتمع، ويقوم بدور مهم ويؤدي وظائفه، وينشط بتفعيل الناس في قضاياهم المحورية المختلفة، وترسيخها في أذهانهم، كما يعد الإعلام قيمة اجتماعية إنسانية حضارية يعمل على نقل الأخبار والمعلومات والحقائق وعرضها بصورة حقيقة وواضحة للرأي العام.

لكن يبقى السؤال، إلى أي مدى يمكن أن يكون الإعلام ملتزما بمسؤوليته الاجتماعية والضوابط الأخلاقية للمهنة، ويكون عامل بناء وليس معول هدم، لا سيما وأن وسائل الإعلام اليوم تمتلك من القوة والأهمية ما يمكنها من التحكم بسلوك الانسان وتفكيره، لكنّ “نمطية التعاطي مع ظاهرة العنف من الممكن أن تساهم بشيوع الظاهرة بدل اجتثاثها، وذلك ينطبق على معظم وسائل الإعلام المحلية في تغطيتها لحوادث العنف”، وفق ما يقوله مختصون.

في هذا التقرير يحاور “موطني 48” إعلاميين ومختصين ويتناول معهم دور الإعلام المحلي في تعاطيه مع ظاهرة العنف في المجتمع العربي في الداخل الفلسطيني وطريقة عرضه على الجمهور، في ظل وجود أصابع اتهام كثيرة توجه لوسائل الإعلام وتحمليها المسؤولية في تفشي ظاهرة العنف كونها “سلطة رابعة” ويتوقع منها أن تكون موجها ومؤثرا بالمسارات الإيجابية وليس عكس ذلك.

هل حقاً الإعلام لم يعالج آفة العنف؟

يقول الكاتب الصحافي حامد إغبارية وهو رجل إعلام عمل في عدد من وسائل الإعلام التي ظهرت في الثمانيات والتسعينات من القرن الماضي، وعاش أساليبها في العمل عن قرب: “إن الإعلام المحلي منذ ظهوره في الثمانيات من القرن الماضي فصاعدا، لم يتعاطَ مع مشكلة العنف كمرض اجتماعي يحتاج إلى علاج، ولم يتعامل معه علميا ولا مهنيا، وإنما كمادة إخبارية تستقطب القراء وتزيد عددهم، هذا عدا أنه لم يتناول قضية العنف بمسؤولية جماعية، ولا بمسؤولية أخلاقية، وإنما كمعلومة تساهم في ترويج وسيلة الإعلام، ولذلك نرى كيف يختارون العناوين المثيرة، كما نرى في تفصيلات هذا النوع من الأخبار أسلوب الإثارة والوصف المستفز للقارئ، ولا يشغل بالها خطورة تأثير هذا الأسلوب على القراء، ولا يهمها معالجة المشكلة كظاهرة وكآفة، ولا تقدم الحلول، عن طريق الخبراء والمختصين والمهتمين بالموضوع. وحتى بعد أن تفاقم العنف وأصبح يضرب في مجتمعنا يمينا وشمالا، لم يحرك الإعلام ساكنا، ولم يقدم ما يتوقع منه في مثل هذه الحالة، لذلك فإن المحصلة هي أن وسائل الإعلام (إلا القليل القليل) تساهم بطريقة غير مباشرة في نشر العنف”.

ويضيف: “وسائل الإعلام في العموم (مع استثناءات قليلة) لا يهمها ما يحدث في مجتمعنا إلا بقدر ما يحقق لها مزيدا من الرواج، وملاحظ اليوم كيف تعمل المواقع الإلكترونية اليوم مثلا، وماذا تقدم للجمهور، أما الصحف الورقية فللأسف فقدت مصداقيتها كما فقدت مكانتها. وأريد هنا أن أستثني وسائل الإعلام ذات الطابع الإسلامي، وعلى رأسها صحيفة “صوت الحق والحرية” وموقع فلسطينيو48، ومجلة إشراقة الشهرية (وهي وسائل إعلام إسلامية المنهج حظرتها الحكومة الإسرائيلية عام 2015). فهذه كانت تتعامل مع العنف ومع كل القضايا والملفات التي يعاني منها مجتمعنا بمسؤولية تعامل من يريد أن يقدم حلا ويعالج الأمراض، لأنها كانت جزءا من مشروع إصلاحي على كل المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية والتعليمية والإنسانية وغيرها. وكما هو معلوم فإن الإعلام مدارس، وأستطيع أن أقسم إعلامنا المحلي إلى مدرستين؛ الأولى تقدم للقارئ ما يريده وما يثيره وما يرضي غرورة وغرائزه، بغض النظر عن قيمة المضمون ومستواه وخطورته، والثانية تقدم للقارئ ما يجب أن يقدم له، بمضامين ذات قيمة فكرية وإنسانية واجتماعية، ووسائل الإعلام ذات الطابع الإسلامي التي ذكرتها (وأمثالها) من المدرسة الثانية، غير أن السائد والمهيمن على الساحة هو النوع الأول، للأسف الشديد. ويؤسفني أن أقول إن هناك وسائل إعلام ذات تأثير، اختارت لنفسها أن تكون عبارة عن دكان، بدلا من أن تستثمر تأثيرها في خدمة مجتمعها، والمساهمة في معالجة همومه”.

ويرى محمد محسن وتد-صحافي ومحقق ميداني محرر بموقع عرب 48-، أن الإعلام يعكس واقع المجتمع بل هو مرآة المجتمع.

ويشير إلى أن الخلل البنيوي والتفكك المجتمعي انعكس أيضا على أداء الإعلام في هذه المرحلة. ويلفت إلى أن “الإعلام في السابق، والذي انحصر على عدة صحف ورقية، كان البوصلة الموجهة للمجتمع، طرح وعالج قضاياه بمهنية، أثر بالمجتمع، وساهم بالبناء المجتمعي، والتنشئة، وتذويت ثقافة الحوار، والتسامح، وعالج قضايا العنف بعمق وبمهنية، وطرح سبل العلاج والمواجهة وعمل جنبا إلى جنب مع مختلف مركبات المجتمع العربي بالداخل على الاحتواء والحل وطرح البدائل، فهذا التشبيك والتعاون وتبادل الأدوار في العمل المجتمعي والسياسي والإعلامي أنعكس إيجابا على دور ومعالجة الإعلام لمختلف القضايا وبمجملها حالات العنف التي كان يتم وأدها والقضاء عليها ومعالجتها عبر التغطية الإعلامية والعمل الصحفي الذي بحث بالعمق وروج لثقافة الحوار والتسامح”.

أمّا في واقع اليوم وفي ظل الفوضى التي يشهدها المشهد الإعلامي بالمجتمع العربي بالداخل وغياب الخطاب الإعلامي الموحد للجماهير العربية وانتشار وسائل الإعلام ودخول الإعلام الاجتماعي لكل بيت، فقدت البوصلة بكافة المحاور والمجالات، يتابع الصحافي وتد: “ما عاد بمقدور الإعلام القيام بدوره وعمله المهني ليس فقط بمعالجة العنف والجريمة، بل في كافة المجالات وبات يطرح السؤال من هو الصحافي؟، وما هي المؤسسات الإعلامية؟، فهذه الفوضى بالمشهد الإعلامي خلقت واقعا بوجود مئات مواقع الصحافة والإنترنيت، عدا عن شبكات التواصل والإعلام الاجتماعي، وبات العنف كما الجريمة مجرد خبر يتم تناقله لساعات لحين الجريمة القادمة، إضافة إلى ذلك التهويل للأحداث وواقع العنف وفي ظل غياب صحافة مهنية والمبالغة في نقل الحدث والكم الهائل من الصور والفيديوهات العنيفة والتي تروج لثقافة العنف والجريمة، فقد بات العنف كما الجريمة جزءا لا يتجزأ من الثقافة السائدة وأشبه بالأمر العادي والروتين اليومي وعلى مدار الساعة، وبدون قصد أصبح الإعلام يساهم مساهمة كبيرة في نشر الجرائم داخل المجتمع خاصة في أوساط الأطفال والشباب”.

ويقول الناشط الإعلامي معاذ خطيب في مداخلة له: “ثبت علمياً أن كثرة الحديث عن الجرائم تؤدي لتطبيعها، يعني أن تصبح طبيعية. وهناك أبحاث تشير بشكل واضح إلى أنه كلما ازدادت تغطية العنف والجرائم في الإعلام، ارتفعت نسبة العنف والجريمة، وخاصة العنف داخل الأسرة، وهذا منطقي. فالشخص الذي يتسم بالميول العنيفة أو الإجرامية، سيرى ويقرأ ويسمع في وسائل الإعلام عن كمية هائلة ومستمرّة من أعمال العنف أو الجرائم التي ارتكبها غيره في بلده، محيطه، مجتمعه، وسيدرك أن العنف أو الجريمة أمر عادي “يفعله الجميع”، وليس فعلًا شاذّا، وهذا حتمًا سوف يشجعه على ارتكاب جريمته. لذلك، ربما الأفضل عدم إكثار الحديث عن الجرائم نفسها، والتركيز على العمل لاقتلاع أسباب هذه الجرائم من مجتمعنا”.

 لا للتعميم.. هناك تفاوت

الصحافي ضياء حاج يحيى الذي خاض تجربة بمحاربة العنف من خلال انتاجه فيلما يعالج موضوع العنف في المجتمع العربي من عدة جوانب مشخصًا الحالة، يعارض فكرة التعميم ويقول: “علينا أن لا نعمم عندما نذكر الإعلام المحلي لأن هناك تفاوت، فبعض الوسائل الإعلامية المحلية، تغطي أحداث العنف والجريمة، بصورة جيدة، وإن كانت لا تكفي بالمفهوم الإعلامي، والبعض الاخر، قد يكون مغيب كليا عن هذه القضية لأسباب أو أخرى”.

وفي هذا الجانب، يلفت حاج يحيى إلى أن الصحفي العربي في الداخل الفلسطيني غير محمي من أي سلطة، كمثل أي مواطن عربي، سواء طبيب او مدير او امام مسجد، فقد طالت يد الاجرام، المثقفون والمتعلمين من كافة الوظائف، وهذا امر في غاية الأهمية يجب التنويه إليه حين نتحدث عن عمل الصحافيين العرب في الداخل.

أين يكمن الحل؟

يرى الكاتب الصحافي حامد إغبارية أن الحل “يكمن في أن تغير وسائل الإعلام المحلية اتجاه البوصلة، وتتوقف عن نشر المواد الإعلامية التي تثير الغثيان، وأن تتحمل المسؤولية المهنية والأخلاقية في معالجة القضايا الحقيقة لمجتمعنا وشعبنا وأمتنا. هناك ملفات كثيرة، غير قضية العنف، تتجنب وسائل الإعلام (إلا فيما ندر) التطرق إليها، وكأنها تتعمد ذلك، وأظن أنها تتعمد ذلك. وحتى نفهم حقيقة الأمر أذكّر بأن وسائل الإعلام تلك-على سبيل المثال-تتلقى إعلانات مدفوعة الثمن وبمبالغ طائلة، من جهات حكومية (وزارات وشركات كبرى وغيرها). وأذكُر أن أرئيل شارون (عندما كان رئيسا للحكومة) كان قد هدد قبل سنوات وسائل الإعلام المحلية بقطع الخبز عنها إذا تعاطت مع قضية القدس والمسجد الأقصى. فماذا كانت النتيجة؟؟؟ ما زالت الإعلانات الرسمية تنشر في وسائل الإعلام المحلية. لذلك قلت إن وسائل الإعلام تلك جعلت نفسها دكاكين، لا يهمها سوى الاستمرارية، وهذه الاستمرارية تحتاج إلى أموال طائلة، وفقط من يملك الشجاعة والحس والانتماء الحقيقي، وحمل الهم العام يتنازل عن دخل ضخم من إعلانات حكومية، ويتصدى لهموم مجتمعه، وهو مستعد أن يدفع الثمن”.

أما الصحافي محمد وتد فيرى أن الحلول تكمن في “مشروع عربي وطني شامل بمشاركة جميع المركبات والفعاليات انطلاقا من البيت الشارع المدرسة المؤسسات الأحزاب ومختلف الفعاليات ضمن مشروع عملي جماعي يكون الإعلام بوصلته وموجها وحاضنا، ويسبق ذلك إعادة هيكلة المؤسسات الإعلامية وتحديد الأهداف عبر خطاب إعلامي يدعو للتسامح والسلام، بعيدا عن لغة العنف وحوار العنف السائد بالمجتمع وفي الخطاب الإعلامي، إلى جانب تحصين المجتمع وهذه مهمة ضرورية للبدء في التنشئة وتعميم ثقافة التسامح، وعليه نحن بحاجة للوعي الأمني وتقوم بها أجهزة ووسائل الإعلام المتخصصة من أجل تحقيق أكبر قدر من التوازن الاجتماعي، بغية المحافظة على أمن الفرد وسلامته وسلامة الجماعة والمجتمع. ولأن الوعي لا يتحقق إلا من خلال معرفة المجتمع لطابع الجريمة وظروف نشوئها والأطراف الفاعلة فيها وأماكن انتشارها وعوامل تفشيها حتى تتخذ كافة التدابير والإجراءات للوقاية منها أو الحد من انتشارها، هنا يأتي دور الإعلام في نشر هذه المعلومات وإيصالها إلى المجتمع لتوعيته بمخاطرها وبالمقابل التعميم لثقافة الحوار والتسامح”.

الصحافي ضياء حاج يحيى يوافق وتد وإغبارية في طرحهم لعلاج هذه الظاهرة ويؤكد أن على وسائل الإعلام المحلية أن تأخذ دوراً أكبر تجاه قضية العنف والجريمة، ويضيف: “اليوم في عصر جمع المعلومات المريح، يمكن لأي وسيلة إعلام أن تعد تقارير، تخدم قضية محاربة العنف، وذلك من خلال تسليط الضوء على بعض النقاط، والنقد البناء”.

ويطالب حاج يحيى وسائل الإعلام ان “تتخذ موقفا من كل قضية، وأن تسلط الضوء على نقاط مهمة جدا، في قضية العنف، وهي الاجندة وراء انتشار الجريمة والعنف، وبما اننا في واقع تفرضه سياسة، فوجب التوعية في هذا الجانب، ووضع النقاط على الحروف، وأخذ المجتمع الى نقطة بداية يبدأ منها مرحلة العلاج من هذه الظاهرة ومعاقبة ومراقبة المسؤولون عن تفشيها، اذ باتت وباء، فضلا عن الجرأة في الطرح مع أخذ الحيطة والحذر”.

“رابطة صحافيي الداخل” ما هو دورها؟

من جهتها، أكّدت رئيسة “رابطة صحافيي الداخل” الإعلامية سميرة حاج يحيى، أن الرابطة التي تشكلت منذ مدة قصيرة أخذت على عاتقها وفي ظل التحديات والمعيقات، العمل على تطوير الإعلاميين ووسائل الاعلام المحلية على أن تصب المجهودات في نفس الاتجاه من خلال من خلال دورات استكمال وتأهيل كوادر صحافية إعلامية وتبادل الخبرات بين الصحافيين للعمل بمهنية واعتماد الموضوعية والحيادية والنزاهة للتأثير على الرأي العام لخدمة قضايا شعبنا، لا سيما أن بعض أصحاب المواقع المحلية لم يأتوا من خلفية إعلامية.

وأضافت أن الصحافيين جزء لا يتجزأ من أبناء المجتمع، وتقع عليهم المسؤولية، في التعاطي مع موضوع العنف الذي ضرب النسيج الاجتماعي ونخر في كافة الشرائح المجتمعية، وترى الرابطة أن الاعلام العربي يجتهد في طرح القضية الملتهبة، دون استثناء المواقع المحلية التي تكمن بها الكثير من التحديات الاقتصادية، التي يمكنها استثمار التحقيق الاستقصائي لهذه القضية، لا سيما ان الصحافيين يتعرضون لاعتداءات ولعنف من عدة جوانب، وتهديدات، كما وأن قضية أوامر منع النشر في كل جريمة قتل تحدث في المجتمع العربي وتمديد حظر النشر لفترات طويلة، تمنع من الصحافيين أو المواقع التطرق للقضية التزاما في قانون أمر منع النشر، إذ تدرس الرابطة بعمق كيف نتعامل مع أوامر منع النشر في الأفق القريب.

وأشارت الصحافية سميرة حاج يحيى إلى أن “رابطة صحافي الداخل” تشكلت انطلاقا من الايمان بالأهمية الكبيرة للإعلام في التأثير على الراي العام، والتزاما بأخلاقيات المهنة، حرية التعبير، وحق الجمهور بالمعرفة واحترام الخصوصية الشخصية واعتماد الموضوعية، ودور الإعلام في تعزيز مجتمعات سليمة عادلة، وفي ظل غياب الإعلام الناقد، والإعلام المحقق، وبما أن الصحفي مندوب الجمهور ويعمل لصالح المجتمع، تشكلت الرابطة لتكون مظلة تجمع الصحافيين.

الكاتب الصحافي حامد إغبارية
الكاتب الصحافي حامد إغبارية
محمد محسن وتد-صحافي ومحقق ميداني
محمد محسن وتد-صحافي ومحقق ميداني
الصحافي ضياء حاج يحيى
الصحافي ضياء حاج يحيى
الناشط الإعلامي معاذ خطيب
الناشط الإعلامي معاذ خطيب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى