أخبار رئيسيةتقارير ومقابلاتعرب ودولي

التصحر يهدد بابتلاع الأراضي الزراعية في المنطقة العربية

ـ 23 تريليون دولار خسائر متوقعة بسبب تدهور التربة بحلول عام 2050.
ـ التصحر يهدد الدول العربية بارتفاع فاتورة الغذاء وفقدان أمنها الغذائي وهجرة كفاءاتها وتغير خريطتها الديمغرافية.

 

لم يعد التصحر في المنطقة العربية مجرد ظاهرة بيئية عابرة، بل بات خطرا يهدد بابتلاع دول عربية بأكملها، مع استمرار زحف الرمال لالتهام ما تبقى من الأراضي الزراعية على قلتها.

هذا التطور، يشكل تهديدا استراتيجيا للأمن الغذائي العربي، بل وعلى اقتصاد وأمن الدول العربية، في وقت تصاعدت أزمات سلاسل إمدادات الغذاء بحدة خلال العامين الماضي والجاري.

أصبح نحو 35.7 مليون هكتار من الأراضي الزراعية بالعالم العرب، واقعا تحت تأثير التصحر، وهو ما يعادل 18 بالمئة من مجموع المساحة الصالحة للزراعة، خاصة بالمناطق الموجودة على أطراف الصحراء الإفريقية الكبرى، وفق دراسة منشورة على موقع صندوق النقد العربي.

الواقع الذي تعيشه الدول العربية يشير إلى أن 68.4 بالمئة من أراضيها متصحرة، و20 بالمئة منها مهددة بالتصحر، بينما لا تتعدى الأراضي غير المتصحرة 11.6 بالمئة من إجمالي مساحتها.

وتشير الدراسة، إلى أن دولا عربية بكاملها تعتبر أراضي متصحرة، مثل البحرين والكويت والإمارات وقطر، بينما هناك 10 دول تتراوح فيها نسبة الأراضي المتصحرة ما بين 60 و98 بالمئة مثل مصر وجيبوتي والسعودية والجزائر والأردن واليمن والمغرب.

كما أن هناك دولا أكثر من 50 بالمئة من أراضيها مهددة بالتصحر مثل الصومال وسوريا والعراق.

التغير المناخي يفاقم التصحر

تتفاقم ظاهرة التصحر مع ما تشهده المنطقة العربية من ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، وما يرافقها من جفاف وإجهاد مائي، نتيجة للتغير المناخي، الذي يهدد السكان المحليين بفقدان مصادر رزقهم، وبالتالي النزوح داخليا إلى المدن الساحلية الرطبة، أو حتى اللجوء إلى دول أوروبا، بحثا عن فرص عيش أفضل.

ووفق تقرير لصندوق النقد الدولي، صدر في 2022، فإنه على مدى العقود الثلاثة الماضية، ارتفعت درجات الحرارة في المنطقة العربية بمقدار 1.5 درجة مئوية، أي ضعف الارتفاع العالمي البالغ 0.7 درجة مئوية.

واعتبر التقرير هذا التطور ضارا بشكل خاص في البلدان شديدة الحرارة بالفعل، وأشار إلى خمس بلدان عربية وهي البحرين وجيبوتي وموريتانيا وقطر والإمارات، وصفها بأنها أكثر البلدان سخونة في العالم.

وحذر صندوق النقد الدولي، من أن ارتفاع درجة الحرارة بمقدار 1 درجة مئوية في البلدان العربية الخمسة يؤدي على الفور إلى انخفاض النمو الاقتصادي للفرد بمقدار 2 بالمئة.

فالتصحر له علاقة متشابكة مع عوامل مختلفة، على غرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، والجفاف، وحرائق الغابات، والجراد الصحراوي، وله انعكاسات سلبية على الزراعة وتصدير السلع الغذائية، وارتفاع أسعار الغذاء، والأمن الغذائي والصحة، وأيضا النزوح والهجرة والفقر والبطالة والتدهور الأمني والنزاعات المسلحة…

تدهور أراض وتبخر دولارات

ليس التصحر بالمسألة الهينة خاصة وأن ملايين الهكتارات من الأراضي الزراعية تتصحر أو مهددة بالتصحر، خلال العقود الأخيرة، بسبب عوامل بيئية وبشرية.

وفي هذا الصدد، قدرت “اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر”، خسائر الغذاء وخدمات النظم البيئية والدخل، في جميع أنحاء العالم بسبب تدهور التربة، بنحو 23 تريليون دولار، بحلول عام 2050.

أما “برنامج الأمم المتحدة للبيئة”، فيقدر القيمة الإنتاجية المفقودة سنويا في الدول النامية بسبب ظاهرة التصحر بنحو 16 مليار دولار.

بلغ إجمالي المساحات المتدهورة في المنطقة العربية خلال الفترة من 1982 إلى 2007، نحو 658 مليون هكتار، تشكل حوالي 47 بالمئة من المساحة الكلية للمنطقة العربية.

جاء ذلك حسب نتائج مسح ميداني في إطار “مشروع الإنذار المبكر لتدهور الأراضي”، عن كتاب “العالم العربي ـ مشكل الماء وظاهرة التصحر”.

وارتفعت هذه الأرقام في مسح ميداني آخر خلال الفترة من 1999 إلى 2010 إلى نحو 845 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، أو ما يعادل 60 بالمئة من مساحة المنطقة العربية.

وتصبح الأراضي متدهورة عندما تفقد بعض خصائصها وتصبح أقل جودة في إنتاج المحاصيل مثلا، بسبب التصحر أو التعرية أو الملوحة أو نقص بعض المواد العضوية.

وتعتبر الإمارات، التي تستعد لاحتضان، قمة المناخ في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، أكبر مثال على تدهور الأراضي الزراعية بسبب التصحر، وتأثير ذلك على أمنها الغذائي، حيث خسرت الإمارات 33 ألف هكتار من الأراضي الصالحة للزراعة في غضون 15 سنة، وفقا لبيانات البنك الدولي لعام 2018.

كما أن منطقة المغرب العربي، التي تضم كلا من الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وموريتانيا، لديها 121 مليون هكتار من الأراضي مهددة بالتصحر، وفق دراسة لمجموعة العمل حول التصحر (جي تي دي) الفرنسية.

 خطر على الأمن الغذائي

وفي الوقت الذي تسعى فيه الدول العربية لزيادة إنتاجها الزراعي والحيواني تماشيا مع الارتفاع المضطرد لعدد السكان، فإن التصحر الذي يلتهم سنويا مساحات هامة من الأراضي الزراعية والرعوية والغابية يقف عائقا أمام هذا الهدف.

وعلى سبيل المثال يتوقع البنك الدولي أن ينخفض إنتاج المغرب من الحبوب بـ10 بالمئة في السنة العادية، وتصل إلى 50 بالمئة في السنة الجافة.

ووفق دراسة لاتحاد المصارف العربية، نشرت في 2020، فإن الفجوة الغذائية اتسعت وأصبحت الدول العربية تستورد حوالي نصف احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية، حيث تبلغ فاتورة الغذاء عربيا 110 مليارات دولار.

وحسب الدراسة، فإن ارتفاع أسعار السلع الغذائية في السوق العالمية، خاصة بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، في 2022، رفع من فاتورة الغذاء على الدول العربية ما يجعلها أكثر تبعية للدول المصدرة للغذاء ويهدد أمنها الغذائي والقومي.

زيادة النزوح

ليس ذلك فقط، فالتصحر يدفع سكان الصحراء والأرياف إلى النزوح إلى المدن والمناطق الخصبة، خاصة الفلاحين والرعاة، ما يزيد الضغط على مختلف الهياكل التعليمية والصحية والخدمية في هذه المدن.

وفي الوقت نفسه يضعف النزوح الداخلي المشاريع الحكومية في المناطق المتصحرة والتي يهجرها أغلب سكانها، ما يخلق عدم توازن في التنمية بين جهات الوطن الواحد، ما يسهم أيضا في زيادة النزوح.

وقوع الدول العربية الإفريقية بمحاذاة الصحراء الكبرى يجعلها هدفا للمهاجرين الأفارقة، الذي يعانون أيضا من آثار التصحر والفقر وعدم الاستقرار الأمني، إما للاستقرار أو العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.

وتوقع تقرير أممي، انتقال نحو 60 مليون شخص من إفريقيا جنوب الصحراء إلى دول شمال إفريقيا (مصر وليبيا وتونس والجزائر والمغرب) وأوروبا.

ويثير انتقال مهاجرين وقبائل من إفريقيا جنوب الصحراء قلق الدول المغاربية من أن يؤدي ذلك إلى تغيير في التركيبة السكانية في القرى والبلدات الصغيرة في ولاياتها الجنوبية قليلة السكان، وبالتالي المساس بأمنها القومي.

على سبيل المثال، تواجه ليبيا مشكلات في هذا الصدد، إذ أن أعداد المهاجرين الأفارقة في بعض القرى والبلدات الجنوبية أكبر من عدد السكان الأصليين.

بل إن جماعات مسلحة تشادية وأخرى من النيجر والسودان تمركزت في مناطق بالجنوب الليبي وأصبحت تمتهن الارتزاق من خلال القتال لصالح أطراف الصراع الليبي.

ووصل الأمر إلى احتلال جماعة تشادية متمردة لقاعدة الويغ الليبية في أقصى الجنوب لعدة سنوات، ناهيك عن الاقتتال بين القبائل الليبية الأصلية وقبائل إفريقية مهاجرة.

ويعكس المثال الليبي كيف يمكن للهجرة غير النظامية أن تسبب اختلالات في الأمن القومي إذا لم تكن هناك ضوابط لتنظيمها، وتوزيع المهاجرين على المدن والبلدان حسب نسبة السكان، كما هو متعامل به دوليا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى