أخبار رئيسيةمقالاتومضات

هل يُمكن رأب الصدع؟ من القبيلة إلى الفيدرالية..

صالح لطفي- باحث ومحلل سياسي

في الوقت الذي تعمل وحدات جهاز الأمن والعسكر على حماية إسرائيل من الداخل والخارج تحسبًا من كل طارئ أيًا كان، فإن ثمة عوامل تنهش في المجتمع الإسرائيلي الذي أسماه الرئيس السابق ليفي ريفلين مجتمع القبائل، حيث يعاني من تصدعات داخلية تتفاقم يومًا بعد يوم دفعت قادة أجهزة الأمن كالشاباك والموساد للخروج بتصريحات غير مسبوقة في تاريخهما الحافل بالإعلان والتصريح عن بعض القضايا ذات الصلة بالواقع الأمني المتعلق بالوجود اليهودي في البلاد. الأول فيه كشف الموساد عن دور الملك حسين في حماية اليهود عبر علاقاته مع الموساد، وكشفوا عن الألقاب التي دُعي بها في تقاريرهم الأمنية، والثاني فصل الخطاب في سيرة أشرف مروان وتبيان هذه القضايا المهمة في هذه الظروف. وبعيدًا عن التوظيف السياسي لهذه الإثارة التي لها علاقة في التطبيع والدور التاريخي للموساد عراب التطبيع في المنطقة ومعدّ الظروف الموضوعية لتحقيقه والذي يعمل بصمت منذ عقود بعلم ومشاركة رؤساء الحكومات، ليأتي نتنياهو وينسب كل أمر لشخصه من جهة، وتقوم حاشيته ومن يدور في فلكه لتسفيه أدوار هؤلاء الذين هم في الحقيقة حُماتهم. ومن ثم جاءت رسائله موجهة للعقلاء في المجتمع الإسرائيلي خاصة ممن يمسكون بزمام القيادة، وخلاصاته أن المجتمع الإسرائيلي مهددٌ وما يحتاجه وحدة داخلية تصب في مصلحة المستقبل الوجودي لهذه المجموعة البشرية المستوطنة في فلسطين.

وأمَّا “الشاباك” فقد خرج رئيسه في إطلالة إعلامية غير مسبوقة في تاريخه مدافعًا عن موقف رجاله من قضية وزيرة المواصلات ميري ريجيف وما حصل من موقف محرج من طرف سائقها مع حراس وزير الأمن وحاشيته الأمنية.

خرج رئيس الشاباك مدافعًا عن فريق العمل الأمني تاليًا روايته مشفوعة بتحقيق أجراه الشاباك عن الحادثة مع الوزيرة. وسواء كان الأمر الذي قالته ريجف صحيحًا بأن رجال الأمن اعتدوا على سائقها الشخصي أم غير صحيح، فالثابت السياسي يقول إن الشاباك بات يتعرض لحملة مسعورة من سياسيين يرافق ذلك صمت من طرف رئيسهم مستغلين حصانتهم البرلمانية والوزارية وحالة الغليان الشعبي كما الشعبوية السياسية، وهذا الدفاع عن رجال الشاباك مُحمل برسائل ظاهرة ومبطنة للقيادات السياسية الحاكمة في البلاد، وتحذير من الانحدار الآخذ بالإسراع، خاصة وأنَّ قيادات نافذة في هذه الحكومة تتميز بطول لسان تهدد حياة رجال الأمن العام والمؤسسة المخابراتية الحامية الفعلية للأمن الداخلي للمجتمع الإسرائيلي.

هذان الحدثان يعبّران بوضوح عن السيرورة التي تتجه نحوها هذه البلاد، فعلى الرغم من جهود الأمنيين، إلا أنَّ المجتمع الإسرائيلي المنقسم على ذاته هو من يشكل الخطر الحقيقي على وجودهم في البلاد، إذ تتحدث الرسالة التاريخية لتاريخ اليهود قبل النفي، أنهم فقدوا خاصيتهم من جهة، ونخر الفساد السياسي والأخلاقي كل الأسباط مما جعلهم عرضة للشتات.

رئيس الشاباك وجَّه أكثر من مرة رسالة إلى أطراف في حكومة نتنياهو محذرًا من الشعبوية اتجاه المؤسسات الناظمة للحكم في البلاد حيث تتجلى شعبويتها في الجلسة التي استمرت ساعات في المحكمة العليا لتناقش قانون المعقولية، وبشكل أدق الحرب التي فتحتها هذه الحكومة على المؤسسة القضائية لجعلها أداة من أدوات سيطرتها على الدولة كيانًا ومجتمعًا، وقد بات واضحًا حجم التعاون بين أجهزة الأمن التي باتت تستشعر حجم الخطر الداهم الذي يهدد المجتمع الإسرائيلي من الداخل والذي تعتبره بعض العناوين الاستراتيجية في المؤسسات البحثية والأكاديمية مُقَدمًا على الخطر الخارجي، وفي هذا السياق يلمس المراقب حجم التداخل بين الأمني الذي يعتبر نفسه حارس المعبد (الدولة والمجتمع) والأكاديمي ومؤسسات البحث.

الباحث والأكاديمي شاكيا ألباز، Shgia Elbaz المتخصص في دراسات النخب والأقليات والرقابة الذاتية في الصراعات عبر الميديا، صدر له هذا العام كتاب مهم تناول فيه الصراع داخل المجتمع الإسرائيلي تحت عنوان، المخرج الطارئ، من القبيلة إلى الفيدرالية.. الطريق لشفاء المجتمع الإسرائيلي יציאת חירום משבטיות לפדרציה הדרך לריפוי החברה הישראלית. تحدث فيه ألباز عن ضرورة إنقاذ المجتمع الإسرائيلي من نفسه فهو ينطلق من فشل الحكومات المتعاقبة منذ عام 48 وإلى هذه اللحظات في خلق مجتمع متجانس متفق على هوية واحدة وسردية جامعة، ويشير في مقدمة كتابه إلى قلقه على حاضر ومستقبل إسرائيل كدولة وعلى مستقبل العلمانية فيها، ويؤكد أن منطلقاته في الكتاب علمانية خالصة، إلا أن هذه المنطلقات لم تتأثر بأفكاره بقدر ما استندت إلى أبحاث علمية وهدفه الأساس البحث عن خلاص يحول دون وقوع الكارثة، التفكك الداخلي، أي اضمحلال الدولة. والحل الذي يطرحه ألباز يرضي مصالح المجموعات المكونة للمجتمع الإسرائيلي فالكل يحفظ هويته وتقاليده وأنماط حياته وقيمه من جهة، ويحفظ بيضة الدولة من جهة أخرى، وهذا كله يتجلى في الفيدرالية. كما يزعم.

في مقدمة كتابه يكتب: “اليوم، ومع مطلع عام 2023، يمكننا القول وبصورة لا شية فيها إن بوتقة الصهر، فشلت فشلًا ذريعًا، كما أن التعددية الثقافية كأنموذج للحياة المشتركة ما عادت قائمة، والمجتمع الإسرائيلي على حافة التفكك، وغياب اتفاق على قيم أساسية مشتركة سيخلق اغترابًا نهايته تفكيك المجتمع”. (ص11). وهذا القلق الأكاديمي المدفوع بالهاجس الوجودي هو عين القلق الموجود عند الأجهزة الأمنية. وتشكل هذه الفرادة الجامعة بين الأمني والأكاديمي نوعًا من معاني المثقف المشتبك مع قضايا وهموم مجتمعه سعيًا لتحقيق الخلاص المادي الموجود في ظل زحف نحو الخلاص اللاهوتي الذي تتبناه المنظومة الحاكمة.

 

نتنياهو.. الفدرلة وسؤال التطبيق

في الفترة الثانية لحكم نتنياهو الممتدة بين سنوات 2009/2013 اقترح على ساكنة مدينة “بيت شيمش” القريبة من مدينة القدس والمنقسمة على نفسها بين العلمانيين والحاريديم، تقسيم المدينة بينهما على إثر مطالب التيار الحاريدي لجعل الفضاء العام للمدينة أكثر تدينًا.

نتنياهو طالب بتقسيم المدينة إلى مدينتين للحفاظ على مصالح وقيم وأنماط حياة المجتمعين المكونين للمدينة بحيث تكون مدينة لكل واحد منهما، مدينة علمانية وأخرى حاريدية. يزعم ألباز أنَّ الأسباب التي دفعت نتنياهو لطرحه ما زالت قائمة بل تفاقمت وتعززت، فالفضاء الذي يسعى الحاريدي للسيطرة عليه ما زال قائمًا، بل وتوسع وهو ما يتطلب إعادة النظر في هذه العلاقة والصيرورة، فكما أن الحاريدي يريد العيش في فضاءٍ خاصٍ به كذلك العلماني، وتضييق الواحد على الآخر مسألة خطيرة حاليًا ومستقبليًا، خاصة وأن ازدياد الحاريدي نسلًا يعني بالضرورة سيطرته مستقبلًا ليس على الفضاء العام، بل وعلى الحياة ذاتها مما يعزز معاني الخلاف بين الديني والعلماني، وتشبث كل واحد منهما بفضائه، ومن ثم فالفيدرالية التي طرحها نتنياهو أكثر مصداقية من قبل بسبب التحولات الجارية في المجتمع الإسرائيلي. ينطلق الكاتب من منطلقين اثنين أولهما، الصراع الديني العلماني ما عاد في ظل الواقع السياسي الموجود في إسرائيل يترك المجال لحياة مشتركة.

وثانيًا، مقترح فيدرالية جديدة عبر تحويل إسرائيل إلى بلديات أو مناطق تكون مدينة/ دولة من خلال تقسيمها إلى مدن أو إلى محافظات ذات حكم ذاتي. وأساس الحل وفقًا لألباز هو اعتراف الأطراف المتنازعة أن إسرائيل دولة متصدعة وتتفكك من الداخل، وهو ما يتطلب وجود معادلة جامعة بين اليومي والايديولوجي والثقافي، ومخرج ذلك كله في الفيدراليات المقترحة تحت سقف الدولة المحمية بوزارات مؤسسة وجهاز أمني وجيش فوق الخلافات مهمته حماية الحدود. وشعار هذا كله لا للوحدة نعم للاعتراف المتبادل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى